جدلية العلاقة بين الحدث الثقافي والجمهور، تكمن في الحلقة الكبرى والأساسية، والمتمثلة في المشروع الثقافي، كون الظاهرة الإعلامية متغيرة، وظاهرة الجمهور معقدة، مما يجعل الممارسة الإعلامية الثقافية، في أعلى درجات التوتر خاصة بعد دخول عامل التكنولوجيات الاتصالية الحديثة التي فتحت المجال أمام حقول معرفية وفضاءات اتصالية، تجاوزت الحدود التقليدية لمفاهيم الهوية والثقافات الفرعية وحتى الدول والجماعات البشرية، وأصبحت الظاهرة الإعلامية الثقافية وسيلة إدارة الصراعات الدولية. ومن هنا، فإن الجمهور المستهلك للمنتوج الثقافي أصبح في عالم اليوم تمكن صناعته وإدارته عبر صناعة القيم الثقافية التي تكون مهمة الإعلام صياغة الانساق التي يتم تسويقه عبرها، والتحكم في طبيعة السلوكات واتجاهات الأمزجة العامة، مما جعل من حتمية إعادة النظر في المنظومة الإعلامية برمتها، من حيث التصور والرؤية واستراتجيات التنفيذ. كما أن المنتوج الثقافي، الذي يتعاطى معه النشاط الإعلامي يتطلب إخراجه من تلك السلوكات الاستعراضية، التي تنشد مجرد أشغال الفضاءات العامة للمجتمع، التي ارتفع مستوى المتنافسين على الاستحواذ عليها، الأمر الذي يجعل المنتوج الثقافي يسعى إلى امتلاك القدرات الاقناعية التي تجيب من خلالها على الأسئلة الكبرى ويقدم المسارات التاريخية الحتمية للفئات الاجتماعية الجديدة.من جهة أخرى، استطاعت التكنولوجيات الاتصالية الجديدة، أن تمسح من المشهد العديد من التصورات حول مضامين الاتصال وهياكله والرسائل المنتجة من الممارسة الإعلامية الثقافية، التي يتجاوز معناها تخوم التعبيرات عن المشاعر والعواطف والتصورات الفردية أو الفئوية للحياة، التي يتم التحكم في منظومتها القيمية عبر طبيعة الرسائل التي يتضمنها المشروع الثقافي الذي تتعامل معه المنظومة الإعلامية.