الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي فضاء إعلامي ذو أبعاد وطنية، تزيل الفوارق و تفتح قنوات جديدة للنقاش و الحوار الفعاّل بين المثقفين و الإعلاميين يشكل الإعلام بشكل عام سلطة لها حضورها و قوتها في صناعة و توجيه الرأي العام، أي أن دور الإعلام أصبح يتعدى تقديم الإخبار و التثقيف ليصل إلى ممارسة تأثير في توجيه السلوك و تغيير الآراء، و في ظل التطور التكنولوجي الرهيب ازدادت قوة الإعلام حيث تطورت وسائله بشكل مذهل خاصة الانترنت التي قزمت العالم و جعلته في قرية صغيرة، ليسهل معها كل ما كان صعبا، غير أنا حديثنا هذه المرة وجهناه نحو الإعلام الثقافي، الذي يعد العمود الفقري في نشر الوعي الثقافي و رفع مستوى الفرد و المجتمع من خلال القضايا التي يطرحها. محمد بغداد الكاتب الإعلامي كان قد حاول من خلال كتابه"حركة الإعلامي الثقافي في الجزائر" الذي أصدره سنة 2011، فتح أفاق جديدة لممارسة الإعلام الثقافي تتماشى و التطورات التكنولوجيا والاقتصادية الحاصلة، لا سيما بعد الركود الذي خيم على المشهد الثقافي بالجزائر و التهميش الذي طاله من طرف المسؤولين، داعيا من خلاله الإعلاميين للارتقاء بممارستهم الإعلامية إلى مستوى الاحترافية، ودعوتهم أيضا إلى تأسيس فضاءات وتقاليد جديدة للنقاش والحوار، من اجل تجاوز العثرات السابقة وتحقيق الأهداف المرجوة. و ها هو اليوم يعود الكاتب محمد بغداد بمشروعه الجديد، الذي جاء بعد سلسلة من المشاورات تمت بينه و بين مجموعة من الفاعلين في المجال الثقافي، يهدف به إلى الارتقاء بالفعل الثقافي، و الارتقاء أيضا بالسلوك الإعلامي، مشروع محمد بغداد جاء في إطار قانوني في شكل جمعية وطنية تحت مسمى "الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي"، و قد عقد الخميس الفارط مؤتمرها التأسيسي، حضره ممثلين عن أزيد من 25 ولاية، بحضور محضر قانوني، و قد اختتم المؤتمر بالمصادقة على القانون الأساسي للشبكة الجزائرية، و انتخب خلاله الإعلامي "محمد بغداد" رئيسا لهذه الشبكة، كما انتخبت الإعلامية " آمال إيزة" نائب للرئيس، والدكتور "محمد زهير حمام" أمينا عاما لها، كما أفضت الأشغال إلى انتخاب مكتب وطني، ضم ثلاثة عشر عضوا، و لتعرف أكثر عن هذه الشبكة،أسسها، أهدافها، برامجها، ارتأت الجزائر الجديدة التقرب من رئيس الشبكة محمد بغداد، و كان لنا معه هذا الحوار الذي قدما لنا فيه تفاصيل هذا المشروع حين كان في مهده و إلى غاية تأسيسه، هذا إلى جانب تطرقه للأهداف المنتظرة من تجسيد هذا المشروع و أماله المستقبلية حاورته: نسرين أحمد زواوي الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي تعرف نفسها على أنها فضاء يجمع المثقفين بالإعلاميين، قبل الغوص في سبر أغوار هذا المشروع، أود في البداية معرفة الفكرة التي ولدّت هذا المشروع الثقافي؟ الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي، فضاء اتصالي تواصلي ذو طبيعة تفاعلية، يجمع بين المثقفين والفنانين والإعلاميين، في مختلف المجالات، بهدف ترقية الفعل الثقافي والارتقاء بالسلوك الإعلامي، جاءت في إطار قانوني كجمعية وطنية ، تفتح الأبواب أمام كل الطاقات والقدرات الثقافية والإعلامية الجزائرية، بدون إقصاء أو تهميش بعيدا عن السلوكات المتخلفة الماضية ، التي عرفها المشهد الثقافي الإعلامي، و يجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرة التي تأسست بشكل رسمي الخميس الفارط، هي ثمرة سنة من الجهد و النقاش الذي كنت أتعهد به في مختلف الفضاءات والمنابر الثقافية والإعلامية. قلت "إن تأسيس هذه الشبكة جاء بهدف الارتقاء بالمشهد الثقافي و بالسلوك الإعلامي"، هل نفهم من كلامك أن ضروريات تأسيسها جاء بسبب الركود الذي يميز المجالين؟ يمكن أن نلخص الظروف التي أدت إلى تأسيس الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي في كون المرحلة المقبلة من مسيرة التجربة الإعلامية الجزائرية، تشكل التحدي الأكبر من حيث كونها تتزامن مع ضغوطات ثورات تكنولوجيا الاتصالات، مما يجعل تكلفة الاستعداد لها والتكيف معها والانسجام مع متطلباتها من أكبر التكاليف التي يجب دفعها، ليكون الجهد منصبا على التقليل من هوامش التكلفة، والرفع من قيمة الأرباح. ويجب أن ندرك أن الوقت قد حان لإعادة الاعتبار للصحفي، والانتقال به إلى المستوى الإعلامي في المشهد الجزائري ، عبر مجموعة من السلوكات والقيم، يفترض أن ترسخ في الممارسة اليومية، بداية من الجوانب النفسية والأخلاقية والاتصالية، وصولا إلى مستويات الإنتاج والانجاز، حتى نتجاوز تلك الثقافة المتخلفة التي أعاقت تطور التجربة الإعلامية وكلفتها خسائر باهظة، و ما يمكن التنويه له أن اخطر ما يواجه التجربة الإعلامية هو القدرة على صياغة منطقية وحضارية للرسالة الإعلامية، التي يفترض أن تنتجها المؤسسات الإعلامية، كونها تتعلق بمسيرة المجتمع ومكانته في التاريخ، وهذا الخطر لا يجب أن يبقى مرهونا بيد الذهنيات المتخلفة والنفسيات المعتلة، و السلوكات المعوقة. إن القدرات الرهيبة التي يمتلكها الجيل الجديد، كفيلة بتحقيق الكثير من الانجازات خاصة إذا تم الاستثمار الصحيح، والفاعل في الطموح في التألق والرغبة في النجاح، والإصرار على الانجاز بعيدا عن تلك الأبوية المزعومة، والتعالي الفاشل والأسبقية الباهتة و الانتظارية السلبية، والواقع يثبت أن من استثمر في الأجيال الجديدة، نجح وتطور وتقدم وتخلص من براثن التخلف. ما هي الإستراتجيات التي تريدونا تحقيقها من خلال هذا المشروع؟ إن الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي، تمثل رؤية واضحة لوضعية الشاملة للممارسة الإعلامية، والفعل الثقافي انطلاقا من كون الصحفي المشتغل بالفعل الثقافي، وطبيعة التعامل مع الخبر الثقافي، ومكانة الرسالة الثقافية المتضمنة للخبر تحتاج إلى الكثير من الجهود التي يمكنها أن تعيد بناء المفاهيم وتعديل السلوكات، فلذلك يمكن القول أن الهدف الرئيسي من تأسيس هذه الشبكة هو صياغة مناخ تفاعلي، بين الفاعلين في المشهد الثقافي العام، وتقريب المسافة بين الفعل الثقافي والنشاط الإعلامي وفق صيغ تشاركية، مع انجاز فضاءات تواصلية، تعمل على ترقية الفعل الثقافي الإعلامي، وتوفير الإمكانات المناسبة لتفعيل المشهد الثقافي الإعلامي، وكذا مد جسور للتواصل بين الحقلين، و ذلك بما يحقق التطلعات المشروعة للفاعلين فيهما. تختلف أسس التواصل بين أعضاء الشبكة و الفاعلين فيها حسب طبيعة تأسيس الشبكة، فهلا وضحتم لنا آليات التي ستضمن التواصل فيما بين الفاعلين؟ الأسس التي تعتمد عليها الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي ، تتلخص في الاعتماد على القنوات الاتصالية الحديثة في التواصل والاتصال والتعاون الايجابي والفعال، بين الصحفيين المشتغلين في المجال الثقافي، وبين المثقفين المبدعين والفنانين والباحثين في كل المجالات الإبداعية، وتبقى الجودة في الانجاز هي المعيار المعتمد في تأسيس ثقافة إعلامية جديدة، والتطوير والتكوين هم الجميع من أجل توزيع عادل لثروة الخبرة، و من هذا يمكن القول أن الشبكة ستستعين بوسائل عدة لتحقيق أهدافها وطموحاتها فإلى جانب استفادتها بالإمكانات المهمة التي توفرها الوسائل التكنولوجية الحديثة، فهي ستستعين بالاستثمار الذكي والفاعل في قدرات وطاقات الإنسان و تحريرها بما يخدم المصلحة العليا للمشهد الثقافي، بالإضافة إلى ذلك ستعتمد الشبكة على إقامة تظاهرات وفعاليات ثقافية وإعلامية تحقق إنجازا مختلف الدعائم المساعدة على تطوير المهارات وترقية الأداء في المجالين الثقافي والإعلامي. تسيير أي شبكة إعلامية يتطلب تحديد الأولويات، و وضع برنامج هادف يحقق الغرض من تأسيسها، فهل سطرتم البرنامج العام الذي ستسير وفقه هذه الشبكة؟ إن برنامج الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي، تناولته الأرضية التأسيسية للشبكة، وهو قابل للإثراء والتعديل من قبل المؤسسين ويمكن إجمالا خطوطه العريضة، في كون أسسه هي الاعتماد على القنوات و الفضاءات الحديثة، في التواصل والاتصال، والقيام بالتعاون الايجابي والفعال بين الصحفيين، المشتغلين في المجال الثقافي، واعتبار الجودة في الانجاز هي المعيار المعتمد في تأسيس ثقافة إعلامية جديدة، والسعي إلى التطوير والتكوين هم الجميع، من اجل توزيع عادل لثروة الخبرة، كما أن أهدافه تكمن في التأسيس لفضاءات تواصلية جيدة وفعالة ومثمرة ومفيدة، وكذا توفير فرص تكوين وتطوير للعمل وإعادة الاعتبار للصحفي، والتنسيق الجيد بين الصحفيين على مختلف المستويات، والانتقال إلى تأسيس ملتقيات منتجة دورية، وتكون آفاقه مرتبطة بالانتقال من درجة "الصحفي" إلى مستوى "الإعلامي"، عبر إعادة الاعتبار وتأسيس الاحترام للإنسان، وتأسيس قواعد جديدة في المشهد الإعلامي، وبالذات الثقافي منه والعمل على إعادة الخبر الثقافي، إلى مكانته الطبيعية والمناسبة، والمسارعة إلى الاستفادة من الفضاءات التواصلية والاستثمار فيها إلى أقصى الحدود، خدمة للثقافة الجزائرية. إذن هي موجهة فقط للإعلاميين؟ المشروع مفتوح لكل المثقفين والإعلاميين، مهما كان مجالهم واختصاصهم، بدون إقصاء أو تهميش فالفكرة تكمن في كيفية التواصل ببساطة وسهولة ويسر، بين المثقف والإعلامي، ولذ لبى نداء المشروع والتف حوله الكثير من المثقفين والإعلاميين، من مختلف ولايات الوطن، وكل واحد من هؤلاء له رصيده الثقافي والمهني، الذي يؤهله إلى تقديم إضافة نوعية إلى رصيد الثقافة الجزائرية، وإثراء تراكماتها التاريخية، بعيدا عن التصنيفات الجزئية والفئوية، كوننا مقتنعون بأن الثورات التكنولوجية الاتصالية الحديثة، غيرت الكثير من المفاهيم والتعريفات الكلاسيكية، مثل مفهوم المثقف والإعلامي وغيرها من المفاهيم، والمجتمعات الذكية تتجه نحو الاستثمار في القدرات الرهيبة والإمكانيات الكبيرة للإنسان، ونحن نراهن على الإنسان الجزائري، وبالذات الشباب منه، الذي يحتاج اليوم إلى توفير المناخ المناسب والأجواء القادرة على استثمار إمكانيات وطموحاته الكبيرة وهو رهاننا القادم. أكيد أنكم واجهتم صعوبات في تحقيق مشروعكم هذا الذي ليس هو الأول من نوعه، فهل لنا من معرفتها أو على الأقل معرفة البعض منها؟ طبعا هناك صعوبات و صعوبات كبيرة، ولكن يمكن القول من أصعب ما وجهناه في هذا المشروع هي "الثقة" التي تكاد تنعدم بين المثقفين،أو إذا صح التعبير بين الفاعلين في المشهد الثقافي وهياكله، والتي للأسف الشديد، فقدوها بسبب ترهل هذا المشهد وانهيار القيم فيه، وسيطرت النخب المغشوشة عليه، مما جعل هياكله بعيدة عن المهمة التي يفترض أن تكون مكلفة بها، مما جعلها تسئ إلى المشهد وتلحق أضرارا كبيرة بالثقافة الجزائرية، وتساهم في أبعادها عن الهموم اليومية للمواطن، وقد بالغت في ممارسة التهميش والإقصاء والازدراء للمثقفين والإعلاميين. مما جعلنا نبذل جهودا جبارة في إقناع المثقفين والمبدعين والإعلاميين، بأن الجزائر بخير وتستطيع أن تكون أفضل، من خلال مشروع جديد، متطهر من أدران الماضي وأمراض التخلف وفيروسات الانحطاط، وقد تطلب ذلك مدة تجاوزت العام، حتى أوصلنا الفكرة إلى كل مناطق الوطن، مستخدمين الوسائط الاتصالية الحديثة، وقدمنا المشروع بكل تفاصيله ووضعناه أمام الجميع للمناقشة والإثراء. ما الذي توّد إضافته في كلمة أخيرة: آمالنا تتلخص في السعي إلى تحقيق مشهد ثقافي جزائري مبني على وعي مستنير، أحاول أن أخلق قنوات جديدة لتواصل بين المثقف و المبدع و المسؤول و الإعلامي من خلال الاستغلال الجيد لثروات التكنولوجية و وسائل الاتصال الحديثة، وقد سبق و قدمت تحليلا أوليا، اعتبره عميقا لإشكالية علاقة الإعلامي بالثقافي، ممارسة وفعلا، وإبداعا وهناك الكثير من الأفكار، سأعرضها في مشروع كتابي القادم، اشتغل عليه حول نوعية الجودة في ممارسة الإعلام الثقافي، إنتاجا وممارسة، وعندنا الكثير من المشاريع القائمة على تصورات واضحة وجادة، يتطلب انجازها الكثير من الجهد والنوايا الصادقة، والتطهر من أمراض خطيرة مثل الانسحاب السلبي واليأس، والطموحات الفردية على حساب المصالح العليا للثقافة الجزائرية، و آمل أيضا أن تجد مثل هذه المشاريع نوع من الاهتمام طرف الفاعلين و المسؤولين.