اعتبر محمد لحسن زغيدي أستاذ جامعي ومؤرخ، الذكرى ال 60 لإضراب الطلبة في 19 ماي 1956 بأنه صورة الطالب الواعي الوطني الذي تجاوز بها المحلية إلى العالمية، وأنه لم يكن حدثا عابرا بل وقفة للحساب مع الذات والانطلاق نحو تقرير المصير من طرف نخبة في طور التكوين، داعيا إلى إعطاء التاريخ حقه وفسح المجال له لتصبح الثقافة التاريخية شاملة ولا مناسباتية، ومنح الطالب حقه في المعلومة التاريخية كي تكون مادة أساسية في كامل التخصصات الجامعية وغير مقتصرة على العلوم الإنسانية فقط. شبه زغيدي إضراب 19 ماي 1956 التاريخي بالعملية المكملة لهجومات الشمال القسنطيني في أوت 1955، الذي شاركت فيه النخب الجزائرية بكل مكوناتها من الزعماء السياسيين وقادة الجمعيات الإصلاحية، النخب العمالية والمهنية والتجارية لتختتم بفئة الطلبة والتلاميذ الذين اختاروا بصفة قطعية الركوب في قطار التحرير الذي تقوده جبهة التحرير الوطني، وهو ما أعطى مصداقية غير مسبوقة عالميا لحركة تحرير اسمها القضية الجزائرية. وأضاف المؤرخ في حديث خص به «الشعب»، أمس ، أن هذا ما زاد في دفع أصدقاء الثورة وجلب بعضهم حتى من داخل المجتمع الفرنسي نفسه ليعطي مصداقية لمجموعة باندونغ في دعم القضية الجزائرية، ولهذا يمكن القول أن طالب 1956 كان نتاج استمرارية طالب الأربعينيات وبداية الخمسينيات أي كان استمرارية لطلبة الحركة الوطنية من مفجري الثورة ليصبح وقودا لها وثانيا للدولة الوطنية فيما بعد. وفي هذا السياق، أبرز الأستاذ الجامعي أهمية الذكرى ال60 للانتفاضة الطلابية كونها تمثل صورة الطالب الواعي الوطني الذي تجاوز بها المحلية إلى العالمية، كما أن تاريخ 19 ماي 1956 لم يكن حدثا عابرا بل وقفة للحساب مع الذات والانطلاق نحو تقرير المصير من طرف نخبة في طور التكوين، وهذا ما أعطاه هذا البعد الهام. وأشار محدثنا إلى أن الطالب في مرحلتي الثانوي والجامعي ما زال بعد غير مكلف لأن مهمته الأساسية في نظر المجتمع هو ما بعد الشهادة، ولذلك كان رد الطالب الجزائري في سؤالين لمن ندرس؟ وماذا نريد بالشهادة؟ خاصة إذا كان هذا الطالب واعيا بحاضره ويتحمل مسؤولية المستقبل لأنه من خلال شعاره تتضح قيمة الوعي التي استطاعت الثورة التحريرية في ظرف وجيز، لم يتعد السنة ونصف أن تغرس قيم ومبادئ فكرية وروحية ترجمت إلى أدوات نضالية جعلت من الطالب في حد ذاته تعبيرا عن القضية. وأوضح زغيدي في هذا الشأن، أن التوقيت الذي اختارته المنظمة الطلابية كان محسوبا لأنه يصادف بداية الانتخابات ومحسوما في قراره بأن لا عودة إلى غاية تحقيق آماله وهو الاستقلال، ولذلك هذا القرار حير العالم قبل أن يكون ثورة فكرية وإعلامية على الصعيدين الوطني والفرنسي، فعلى الصعيد الوطني بأن يكون عبرة لغيره من الشباب الآخرين في كونه ترك مقعده الدراسي ليتبوأ مقعده الجهادي، وعلى الصعيد الفرنسي في كونه أخلط أوراق الاستعمار فيما كان يراوده من عزل الشعب عن الثورة، والهروب بالنخبة الصاعدة عن الفكر الوطني التحرري، فإذا به يصادف بقرار جاء ليجسد مبادئ بيان أول نوفمبر 1954، في اختياره ميدان التحرير بدلا من الشهادة والدراسة. وأضاف المؤرخ أنه تبين للسلطة الفرنسية أن الشعب الجزائري قد اتخذ القرار النهائي بجميع فئاته، أما البعد العالمي لهذا القرار هو أنه ركز مفهوم الثورة الشعبية وبرهن عليها بالالتفاف حولها، مؤكدا أن طالب اليوم وبعد 60 سنة من الإضراب ما يزال ذاك الابن الوريث الشرعي لهذا الفكر والعمل والنموذجية والخصوصية، إذا ما عرف كيف يتزود بها خير زاد ويتفاعل معها بأحسن ما يجب أن يقتدى به. وقال أيضا أنه، بحكم كون طالب اليوم خير خلف لهذا السلف الرائد يرجى منه أن يكون في مستوى الظن، وذلك بتطوير والرفع من قيمة الوطن، وحسبه فإنه لا يتأتى ذلك إلا إذا ما أعطينا للتاريخ حقه وفسح له المجال بأن تصبح الثقافة التاريخية شاملة وعامة ويومية لا مناسباتية، يتدرج معها الطفل الجزائري من الروضة إلى ما بعد التدرج. ودعا زغيدي الطالب للحصول على المعلومة التاريخية، وأن تصبح مادة أساسية في كامل التخصصات الجامعية، وأن لا تكون مقتصرة على العلوم الإنسانية، كونها تدخل ضمن حقوق الإنسان الثقافية لأنه من بين حقوق الإنسان المعلن عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمتمثل في حق الثقافة والتعليم التي تعتبر معركة الذات والوطن، مشيرا إلى أنه يستحيل الحفاظ على الوطن إذا كنا جاهلين بتاريخنا ولا نعيره اهتماما، وحسبه فإنه لا يمكن حصر التاريخ في مرحلة معينة فقط قائلا:» ما الفرق بين الطبيب الجزائري الذي يجهل تاريخه والطبيب البريطاني والمصري العارف بتاريخه، فالمسؤولية تقع على المعنيين».