كان لقرار إضراب الطلبة والتحاقهم بصفوف الثورة في 19 ماي 1956 استجابة قوية لطلبة منطقة غرب الوطن على غرار مختلف مناطق الوطن الذين توافدوا للانضمام إلى الثوار. وقدر المؤرخ الدكتور الأستاذ محمد قنطاري من جامعة وهران عدد الذين تركوا مقاعد الدراسة من الجامعيين والثانويين ومؤسسات تعليمية أخرى فور إعلان الإضراب في 19ماي 1956 بأزيد من 200 طالب من مختلف مناطق الولاية التاريخية الخامسة والذين فضلوا نيل الشهادة في ميادين المعارك والوغى على شهادة الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية. وأبرز ذات المتحدث الذي عايش أحداث الثورة أن هذه الدفعات الأولى تبعها على مراحل وإلى غاية الاستقلال الوطني قوافل من الطلبة من الداخل والخارج الذين كانوا يمثلون دعما قويا للثورة التحريرية بدليل أن عدد شهداء الطلبة من المنطقة تجاوز الألف. وأشار إلى أن 19 ماي 1956 لم يكن تاريخ بداية التحاق الطلبة بالثورة كما يعتقد البعض بل أن الكثير من الطلبة التحقوا فرادى بثورة التحرير المجيدة بالمنطقة منذ بدايتها لاسيما منهم طلبة المدارس الحرة والمساجد والزوايا وغيرها. غير أن الانضمام الجماعي للطلبة إلى صفوف الثوار بالمنطقة وغيرها من مناطق البلاد كانت بدايته إضراب الطلبة الذي أدهش السلطات الاستعمارية وكان بمثابة صدمة لها خاصة وأنها كانت تزعم أن ما يحدث في الجزائر ليس سوى "احتجاجات لمواطنين لتدني ظروفهم المعيشية والاجتماعية وانه سيتم تسوية ذلك في هذا الإطار". ويرى الدكتور قنطاري أن إضراب الطلبة في 19 ماي 1956 كان له تأثير كبير في مسار الثورة المسلحة لا سيما من جوانب التأطير السياسي والعمل الثوري والدعاية والإعلام للثورة والتعريف بها لكسب الدعم الدولي. وكان المثقف اثر انضمامه إلى صفوف الثورة يسهر على الجمع والتوفيق بين العمل السياسي والعسكري لجيش وجبهة التحرير الوطني على مستوى الولاية التاريخية الخامسة وغيرها وذلك في تنظيم أمور الثورة وتوعية وتوجيه المواطنين بشأن الانخراط في صفوف الثورة حسب الدكتور قنطاري الذي أوضح أن تفاعل النخبة مع الثورة واندماجه من خلال مزاولة مختلف المهام أعطاها فعالية التأثير في الداخل والخارج. وأبرز المجاهد الدكتور محمد قنطاري أن المنطقة الغربية من البلاد تدعمت ومنذ إضراب 19 ماي 1956 بإطارات مثقفة ذات كفاءة في مختلف ميادين التخصصات الفكرية والعلمية والتقنية ما أعطى الثورة بعدا استراتيجيا مكنها من تنظيم نفسها تنظيما يتماشى ومتطلبات الحرب ضد المستعمر. وقد مكن التحاق الطلبة بالثورة التحريرية من إنشاء أول مدرسة لجيش التحرير الوطني في سلاح الإشارة أو"حرب الأمواج اللاسلكية" وذلك في 8 أوت 1956 بالجهة الغربية للحدود الجزائرية المغربية للولاية التاريخية الخامسة. وحسب الدكتور قنطاري فقد ضمت هذه المدرسة في بدايتها اختيار 25 طالبا من النخبة المثقفة وتكوينهم في مختلف التخصصات للاستماع والتصنت والإرسال والاستقبال والشفرة بين وحدات ومصالح جبهة وجيش التحرير الوطني داخل وخارج البلاد على يد خبراء ألمان. وكانت هذه المدرسة النواة الأولى لباقي المدارس والمراكز اللاحقة لها والتي مكنت سلاح الإشارة من لعب دور هام في رصد تحركات ونشاط العدو والتعرف على استراتيجية خططه وحملاته التمشيطية والتفتيشية لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة ذلك. كما كان للطلبة إسهام كبير في الجانب الصحي لما قدمه طلبة الاختصاص من خدمات في مجال السهر على علاج الجرحي من المجاهدين والمواطنين ورعايتهم والرفع من معنوياتهم مع العلم انه في السنوات الأولى الثلاث من الثورة كان يعتمد كثيرا على الطب التقليدي والذي لم يكن ناجعا سوى لحالات محددة. وأشار الدكتور قنطاري إلى أن الثورة بالمنطقة عرفت التحاق عدد من الأطباء وطلبة الطب من داخل وخارج الوطن لاسيما من فرنسا وهو ما مكن من مواجهة المشاكل الصحية لما لها من تأثير على نجاح الثورة. وهكذا أقيمت المراكز الصحية على مستوى الناحية والمنطقة ومستشفى على مستوى الولاية بتأطير من أطباء وممرضين وغيرهم، إضافة إلى إقامة شبكات جلب الأدوية. كما ساهم الطلبة الثوار في لعب دور هام في مجال الإعلام والدعاية للثورة داخل وخارج الوطن حيث تكفلت نخبة من المثقفين على التعريف بأحداث وأهداف الثورة وكسب الدعم لها في الخارج إضافة إلى كشف المجازر التي يقترفها المستعمر في حق المواطنين. وأوضح الدكتور قنطاري الذي شغل منصب محافظ سياسي أثناء الثورة التحريرية أن المثقفين الثوريين الذي ضحوا بمستقلبهم الدراسي من اجل استقلال الجزائر واصل من بقي منهم على قيد الحياة المسيرة النضالية من خلال مساهمته في معارك البناء والتشييد. (واج)