ليبيا عمر المختار (1858-1931) وليبيا معمر القذافي (1942 - 2011) اللذان مهما قيل عنهما فإن الثابت أنهما كانا مقاومين للاستعمار والهيمنة الغربية. عائلاتهما وأبناؤهما وهما شخصيا تمت تصفيتهم من طرف الغرب. ألا يكفي ذلك أنهم قوى وطنية في أعلى مستوى التحديات والإيمان بالوطن والأمة. وهاهي ليبيا تتحول بسبب ما يسمى بثورة 17 فبراير (2011) من المحطة والمنطلق التاريخي الوطني البناء والهادف إلى سلطات تدعو وترحب بالغرب الذي قاومه الشعب الليبي وكان ضحيته لعقود من الزمن. مفارقة تدعو للتساؤل، كيف أتت الدعوة للتدخل؟ ولصالح من؟ الجواب أنها تأكيدا ليست لصالح ليبيا أو الشعب الليبي. الوضع الليبي المتأزم في جميع الميادين يؤكد الإجابة. من هنا تصبح مجموعة ما يسمى ب17 فبراير المتباينة الاتجاه والمتناقضة في الهدف والولاءات الخارجية مفروضة من طرف الغرب وحلفائه في المنطقة بعد إطاحة الحلف الأطلسي بنظام العقيد القذافي وتصفيته جسديا بأبشع الطرق اللا إنسانية وتصبح وسيلة غربية على غرار الوسائل الأخرى بما فيها الإرهاب لتجسيد إستراتيجية الفوضى واللاأمن لتوفير شروط انهيار الدولة الوطنية وتقسيمها. باسم الديمقراطية أصبحت الحكومات (طرابلس، برقة، ...) والمليشيات الليبية المتعددة والمتصارعة آليات تقوم بحروب بالنيابة عن الغرب لا ولن يوجد فيها منتصر ناهيك عن الانتصار لليبيا أو للشعب الليبي، على غرار حروب أخرى بالنيابة تقودها دول الخليج بالدعم بالسلاح والمال في سوريا وليبيا والتدخل المباشر (ما يسمى بالتحالف العربي) لضرب اليمن. ما يحدث في ليبيا وبقية الدول العربية هي إستراتيجية غربية في العالم العربي متحكم فيها بداية بمشروع الشرق أوسطية الذي انطلق في بداية التسعينيات ومعلن عنها عن طريق مفكرين غربيين أمثال لويس برانت وعوداد بتفكير استعماري صهيوني. من منطلق هذه الإفرازات الخطيرة على الدولة الوطنية وشعوبها، ترفض الجزائر التدخل الأجنبي، رفض ليس ناتجا فقط عن مبدأ عقائدي، بل أكثر من ذلك ناتج عن واقع أليم أفرزته التدخلات الأجنبية في الدول. يكفي التذكير بما حدث ويحدث للعراق، ليبيا، سوريا، اليمن ... معادلة التدخل وضرب استقرار الدول والشعوب في المنطقة أصبحت واضحة في البعد والهدف بأبسط المفاهيم: تدخل في العراق – احتلال العراق – إطاحة بالنظام العراقي – تصفية عائلة صدام ثم إعدامه هو شخصيا، نفس المعادلة تتكرر في ليبيا: تدخل في ليبيا – احتلال ليبيا – إطاحة بالنظام الليبي – تصفية عائلة القذافي ثم تصفيته هو شخصيا. ونفس المعادلة كذلك تنطبق على اليمن ما عدا أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أفلت من التصفية والتدخل الغربي في اليمن. وضع لا يختلف عن ذلك من منطلق النتيجة والأبعاد والمتمثل في الأزمة في السودان وتقسيم هذا الأخير. وضع مشابه وأخطر تعيشه سوريا منذ 2011، سوريا بمستوى نمو أكثر من 8% واستقرار لعقود ومحطة للمقاومة ضد الكيان الصهيوني وضحية له وبتطور اقتصادي أهل سوريا باقتصاد منتج لدرجة التصدير وخاصة المنتجات الاستهلاكية ووجهة للسواح والدارسين العرب .... يضرب اقتصادها ويشرد شعبها وتصبح ميدانا للعبة الأمم تحت تسميات متعددة: الديمقراطية، حقوق الإنسان، محاربة الإرهاب الذي أصلا وجد بسبب التدخل الغربي ودعم حلفائهم في المنطقة (تركيا ودول الخليج). رغم كل هذه التحديات الإقليمية استطاعت الجزائر أن تحتوي ذلك لاعتبارات متعددة، من بينها: معظم دول وشعوب العالم، بما فيها من داخل الغرب نفسه تأكدت أن مفرزات التدخل الدولي لم يكن هدفها الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل الهدف والبعد هو ضرب استقرار الدول والشعوب وإعطاء مبرر للتعبئة الإرهابية بحجة مقاومة الغزاة والتدخلات الأجنبية. الغرب يدفع ثمن التدخلات الدولية (الإرهاب المتصاعد في أوروبا منذ 2012، أي بعد ما يسمى بالربيع العربي) من خلال عودة الإرهابيين الذين دعموا ومولوا من طرف الحكومات الغربية في دول كثيرة وخاصة سورياوالعراق وليبيا. الجزائريون رافضون لأي تدخل أجنبي وقد عاشوه أثناء الثورة الجزائرية أين الحلف الأطلسي كان الداعم الأساسي للاستعمار الفرنسي وعاشوه أثناء العشرية السوداء (في التسعينيات) وعايشوا نتائج التدخلات الأجنبية التي آلت إلى تدمير العراق وليبيا وسوريا والسودان واليمن ... الشعب الجزائري الذي عاش وضحى في العشرية السوداء (1991- 2000) يعرف أن ما حدث في هذه الفترة الخطيرة لم يكن من أجل الإسلام والقيم الإسلامية المثلى. مؤامرة كبرى على الجزائر، ولولا يقظة ومقاومة الشعب الجزائري التي عززت مقاومة الجيش الوطني الشعبي وقوى الأمن للإرهاب والمحافظة على الدولة الوطنية وكسر التحديات الجاهزة لإيصال الجزائر إلى ما وصلت إليه دول إقليمية أخرى لاحقا. تعبئة الشعب الجزائري باسم الديمقراطية والتعددية والإصلاحات السياسية لم تجد مكانة لها بالجزائر، لأن ذلك بدأ بالتحول (1989) الجزائري إلى الديمقراطية التعددية عقدين قبل ما يسمى بالربيع العربي (2011). خلافا للدول العربية الأخرى لم يمارس النظام السياسي الجزائري سياسة قمع المعارضة والآراء المتباينة، بل ترك باستمرار حتى في عهد الحزب الواحد النقاش والرأي والرأي الآخر مفتوحا. طبيعة النظام السياسي يعمل ضمن المرجعية والتوجه القائم على النظام الجمهوري بمرجعية بيان ثورة نوفمبر بما فيها وجود مؤسسات دستورية جاهزة لنظام سياسي ذو طابع ديمقراطي سواء في الحزب الواحد أو التعددية الحزبية. لا يمكن للجزائري أو لأي ديمقراطي في العالم أن يصدق بأن دولا طبيعة وجودها ضد الديمقراطية بمضمون ملكي (دول الخليج) تدعم التحول الديمقراطي في دول وطنية جمهورية في نظامها السياسي. خلافا للدول العربية الأخرى استطاع النظام السياسي الجزائري أن يدير التنوع في الهوية الثقافية بدسترتها وجعل الأمازيغية لغة وطنية بجانب اللغة العربية اللغة الوطنية الرسمية، ذلك فوت الفرصة لتوظيف هذا المتغير للمتاجرة به سياسيا بالمس بالوحدة الوطنية. النظام السياسي الجزائري بمرجعية ثورة نوفمبر منذ استرجاع الجزائر لسيادتها وضع الإسلام دين الدولة دستوريا ومارس ذلك في قطاعات مختلفة (التعليم، الثقافة، قانون الأسرة، معاهد وكليات وجامعات إسلامية، برامج تعليم وفق المنظومة الإسلامية، ...) . السياسة الاجتماعية في المجالات الإستراتيجية (التعليم والصحة المجانية، السكن الاجتماعي، تشغيل الشباب، دعم المواد الأساسية، ...) المرتبطة مباشرة بحياة المواطن لعبت دورا أساسيا في تفادي الاحتجاجات. أخيرا، وليس آخرا أن القوى الوطنية في ليبيا بعمق وارتباط شعبي هي التي تنتصر ضد المتسببين في إيصال ليبيا إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه. الشعب الليبي في القرى والمدن يتظاهر يوميا وثائر ضد مجموعات ما يسمى ب 17 فبراير المتناحرة ويحملهم مسؤولية الوضع المتأزم. الأكذوبة التي قدمت للشعب الليبي انكشفت أمام الجميع بما فيها الذين ساروا وراء ما يسمى بالربيع العربي، هؤلاء يتظاهرون يوميا بجانب القوى الوطنية ويتأسفون على مواقفهم الأولى. الشعب الليبي أقوى من الجميع وهو الذي سينتصر على غرار الشعب الجزائري ضد كل الاختراقات والتحديات الإقليمية والدولية الغربية المصدر والهدف.