الكتاب مصدر تاريخي هام للباحثين كتاب “زيغود يوسف الذي عرفته” للمجاهد ووزير المجاهدين الأسبق إبراهيم سلطان شيبوط، يعتبر مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة الكثير من الجوانب الهامة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف، حيث يُقدم لنا المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط شهادة ثمينة عن أحد رجال الجزائر، الأفذاذ الذين لعبوا دوراً ريادياً ورائعاً في الجهاد المسلح ضد الاستدمار الفرنسي. كانت سيرته، وجهاده وعبقريته ما تزال نوراً يسطع ويتجدد عبر الأجيال ليؤكد عظمة هذا الشهيد البطل الذي يذهب الكثير من الدارسين والمؤرخين إلى التأكيد على أنه هو الذي غيّر مجرى تاريخ الثورة الجزائرية بتصميمه لخطة هجومات 20أوت1955م التي شكلت مرحلة حاسمة في الكفاح التحريري الجزائري، ومنعرجاً رئيساً لاكتساب الثورة الجزائرية المباركة طابعها الشعبي، وأعطت ضربة قاصمة للاحتلال الفرنسي الذي حاول القضاء على الثورة المجيدة في عامها الأول حتى لا تشمل مختلف أنحاء القطر الجزائري، كما منحت هجومات الشمال القسنطيني بعداً دولياً للثورة الجزائرية وعجلت بدخولها إلى الأممالمتحدة، وكانت هزيمة كبرى لا تُنسى لكبار جنرالات فرنسا. يوحي عنوان الكتاب بأن المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط، يريد أن يقدم رؤيته عن الشهيد البطل زيغود يوسف كما عرفه، حيث يلقي الضوء على شخصيته الفذة، فالغرض العام من الكتاب هو التعريف بشخصية الشهيد البطل زيغود يوسف وإبراز أعماله وتضحياته، وتحليل شخصيته وتتبع مسيرته، ولا يملك المطلع على هذا الكتاب الهام الذي صدر عن وزارة المجاهدين في طبعة خاصة في إطار منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر1954م، وتولى ترجمته إلى اللغة العربية الأستاذة قندوز عباد فوزية، إلا أن يصفه بأنه مصدر تاريخي هام، لا يمكن أن يستغني عنه كل دارس ومهتم بشخصية الشهيد البطل زيغود يوسف كونه شهادة موثقة ودقيقة قدمها أحد المجاهدين الأفذاذ الذين خاضوا المعارك إلى جانبه، ورافقوه في كفاحه ونضاله البطولي ضد المستدمر الفرنسي، حيث عينه زيغود يوسف شخصياً في مارس 1956 ملازماً ثانياً، وفضلاً عن القيمة التاريخية للكتاب من جانب رصد نضال وكفاح زيغود يوسف وجهوده الجبارة، فالكتاب له أهمية بالغة فيما يتصل بالمعلومات التي يُقدمها عن تفاصيل حياته وانتقاله من مرحلة إلى أخرى كون المجاهد إبراهيم شيبوط، قد استقى معلوماته من عائلة الشهيد زيغود يوسف. نجد في الصفحة الأولى من الكتاب كلمة شكر يقدمها المؤلف لعائلة الشهيد إذ يقول:« أقدم ولائي وشكري لعائلة زيغود يوسف التي ساعدتني على جمع المعلومات المتعلقة بالشهيد”،كما نجد في ختام الكتاب شهادة زوجة الشهيد البطل زيغود يوسف وابنته،وجدولاً مفصلاً عن العمليات التي حدثت بالشمال القسنطيني منذ الفاتح من نوفمبر 1954 إلى غاية سبتمبر1956. يشير المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط في مقدمة الكتاب، إلى أن الهدف المرجو من هذا الكتاب هو محاولة إفشاء بعض المعلومات الدقيقة عن شخصية الشهيد زيغود يوسف وعائلته المقربة، ويصف المؤلف الشهيد زيغود في تقديمه بالقول:«زيغود يوسف مناضل بحزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، عضو بالجمعية السرية عضو الاثنين والعشرين( 22)ثم قائد الولاية الثانية. كان أولاً طفلاً ثم تلميذاً ليصير بعد ذلك صانعاً، ليس ليقوم بمجرد صنعة وإنما ليصير خاصة واحداً من أهم صانعي الاستقلال الوطني”. ويضيف المؤلف أن الشهيد عضو بالمنظمة السرية، هذه المنظمة شبه العسكرية لحزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية التي علّمته قواعد حرب العصابات التي طبّقها بدقة، حيث توفيت والدته عام1946، التي تمكّنت قبل وفاتها من أن تحصل على عفو لإبنها من التجنيد الإجباري باعتباره عائل الأسرة، لذا فإن زيغود يوسف لم يدمج وسط الجيش الفرنسي. حرص زيغود يوسف من أول نوفمبر1954إلى23 سبتمبر1956على احترام المثل:« الحياة وسط الشعب كحياة الحوت وسط الماء”، وهو ما طبقه حزب جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني إلى غاية19 مارس1962، وهذا رغم الضباط الفرنسيين المختصين في الحرب الثورية الذين حاولوا دون جدوى تجفيف الماء بإنشاء تجمعات عسكرية. تحت أوامر زيغود يوسف فإن جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني، كلّفوا بتوقير وتقدير سكان الشمال القسنطيني.كل من جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني احتراماً لهؤلاء السكان كانوا ينصاعون لآرائهم عندما يريدون القيام بعمليات عسكرية أو فدائية، مما جعل السكان ينضمون إلى الثورة المسلحة، بتطبيق أوامر زيغود يوسف تمكنت العمليات الفدائية والكمائن من إقامة جو انعدام الأمن الذي ضايق ظاهرة( إعادة السلم)الشهيرة. وحسب الكاتب فإن زيغود يوسف، جدير ومحق بأن يهتم به كتّاب مؤرخون سينمائيون لإزاحة الستار عن نسيان مديد ومؤسف، كما أن الواجب يدعونا إلى التعريف بالجزائريين والجزائريات الذين هم مثل زيغود يوسف ضحوا بأنفسهم من أجل الجزائر، على حد قوله. وقال أيضا أن زيغود يوسف ما أن يذكر اسمه، إلا وتستحضر ذاكرة الجزائريين اسم الوطني الذي كان عضو( 22)،اسم ذلك الذي زعزع أمن المحتل بالشمال القسنطيني، اسم الذي نظم الأيام الثلاثة 20-21-22 أوت1955، هذه الأيام التي سمحت للشعب الجزائري بأن يغوص في المقاومة التحريرية، ليبين لفرنسا الاستعمارية أن عهد الشغب المحلي انقضى بدون رجعة. وأوضح أن الشهيد، كرّس شبابه للجزائر، توفي في سن الخامسة والثلاثين ولم يخصص لعائلته سوى ست سنوات من عمره، حيث انخرط منذ الثامنة عشرة في حزب الشعب الجزائري، وقد تمكن من أن ينتخب مستشاراً بلدياً. ولد زيغود يوسف بقريدة كندي سمندو(حالياً بلدية زيغود يوسف)،عاش طفولته قرب والدته وجده(والد أمه)، كان يتيم الأب حيث قضى طفولته بمدرستها القرآنية ثم بالمدرسة البلدية الفرنسية للأهالي واجتاز امتحان الشهادة الابتدائية بمركز الحروش بامتياز وبكندي سمندو بدأ حياته كرجل بجانب عائلته إذ صار صانعاً. وانطلاقاً من هذه القرية كتب زيغود صفحة تاريخية ينبغي أن نعرفها ونتأملها.... قدم المجاهد إبراهيم شيبوط لمحة تاريخية عن ناحية سمندو وعن عدد سكانها وطبيعة عملهم، فقد أنشأت إدارة الاحتلال عام1847م بالمكان المسمى سيدي العربي القرية التي سوف تحمل اسم بلدية كندي سمندو، وهو اسم مركب من لقب عائلة أمراء فرنسيين( كوندي) واسم نهر رئيسي بالناحية( سمندو).وفي عام1954 كانت بلدية كندي سمندو مأهولة ب 8345 ساكن من أصل جزائري من بينهم85 ٪ من الفلاحين، وحوالي140أوروبي من بينهم خمس معمرين هم(راموناكسو- لودج- بيري- بيو- فردناند)،الذين كانوا يملكون أحسن الأراضي. وقد كان للمجموعة الأوروبية مقر إقامة شعائرها حيث توجد كنيسة وفيها الدرك وقاضي سلم. وبالنسبة للوضعية الاجتماعية لأرملة الشهيد يشير المجاهد شيبوط إلى أنها”عاشت ما بين عام1950 وخريف سنة1957 بين دوار صوادق ومدجيرة، في بيت أخوال زوجها(البوشريخة)، ثم عند أقارب آخرين البودرسة، وبعدها التحقت بعائلتها بالحروش أين كانت نوعاً ما في أمان، إذ الإقامة بناحية كندي سمندو كانت جدّ صعبة، فالجندرمة كانت تبحث عن المختفين المنتمين إلى المنظمة السرية ومن بينهم الشهيد زيغود. بعد أول نوفمبر1954 أصبح كل من الدرك الجيش والشرطة يتدخلون معاً، في البحث عن المخفيين خاصة بعد وفاة الشهيد ديدوش مراد، إنه التمشيط الذي ينجم عنه إحراق الأراضي، إفلات المؤونة، تكسير الأمتعة، تقتيل عشوائي ينفّذ حسب مزاج ضباط جيش العدو. السيدة زيغود عاشت أياماً صعبة، ولكن إقامتها بالحروش كانت أقل ضرراً فصاحب البيت الذي تسكنه عائلة طرايفة كان أحد معطوبي الحرب العالمية الأولى( 1914-1918)، فقد كان كلّما حل الدرك ببيت عائلة طرايفة لانتمائها إلى حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، يتدخل بصدره وهو مملوء بالأوسمة ولا يسمح بإيذاء مستأجريه، وتدخلات السيد بولبرشان كانت مجدية وحالت دون المحن والاعتقالات لأعضاء عائلة طرايفة والسيدة زيغود يوسف. سمح الاستقلال بجمع عائلة زيغود يوسف بكندي سمندو أولاً، ثم بقسنطينة حيث كادت زوجة الشهيد تطرد من المسكن الذي سكنته، فهي مدينة لتدخل الوالي بن محمود الذي حال دون طردها وبالنسبة للإجراءات الإدارية كان على ابن خال زيغود وأرملته بوشريخة بولعراس الذي كان يلعب نوعاً ما دور الوصي. إلى يومنا هذا فإن أرملة الشهيد تحتل شقة من ثلاث غرف بعمارة موجودة بنهج عمار كيكية بقسنطينة، إنها أرملة وقورة جداً لم تطلب من الجزائر الكثير.