كانت الجزائر من بين البلدان الأولى التي أدانت هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 على الأراضي الأميركية. لم يكن هذا مجرد تعبير دبلوماسي عن مشاعر التعاطف، بل تذكيراً قوياً بدعواتها لمكافحة الإرهاب بوصفه خطراً عابراً للقوميات ويهدد الدول والمجتمعات كافة. إذ لطالما دعت الجزائر إلى ضرورة وضع أسلوب عمل دولي من شأنه حماية البشرية من خطر لايعترف بأي حدود سياسية، ولايحترم أي قيم دينية أوثقافية. موقف الجزائر هذا نابع أيضاً من معاناتها لأكثر من عقد من نقمة الإرهاب الذي تسبب في مقتل أكثر من 200 ,000 شخص، وأحدث أضراراً مادية تجاوزت قيمتها 30 بليون دولار أميركي. وفي الواقع، جعلت الجماعات الإرهابية هدفها الأول المدنيين الجزائريين، وأفراد الأمن، والأكاديميين، والفنانين، والصحافيين، والسياسيين والأئمة والمبشرين المسيحيين والأجانب... وحتى الأطفال الرضّع. كان ذلك نشاطاً إرهابياً حقيقياً استهدف كلاً من الدولة والمجتمع.1 وبسبب مثل هذه الأعمال الوحشية، سعت السلطات الجزائرية بدأب منذ مطلع التسعينيات إلى بلورة تفاهم دولي لمكافحة هذه الظاهرة، وذلك كجزء من استراتيجية متعددة الأبعاد لمكافحة الإرهاب مكافحة الإرهاب: البعد الأمريكي كانت الجزائر تكافح ضد الإرهاب بصمت في مواجهة لامبالاة دولية، إذ لم تلقَ دعواتها من أجل تعاون دولي آذاناً صاغية. وواصلت دول غربية عدة إيواء الإرهابيين وإيجاد الأعذار لتبرير الجرائم الإرهابية التي ارتكبت ضد الجزائريين. لابل أن بعض الدول غضّت الطرف عن العديد من شبكات دعم الإرهاب التي كانت تعمل على أراضيها. هذه المشاعر الدولية تغيّرت بعد وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. فقد حظيت تحذيرات الجزائر من الإرهاب بوصفه تهديداً دولياً قوياً بالصدقية تزامناً مع هذه الأعمال الإجرامية. وبدأت دول عدة بإبداء الاهتمام بالخبرة الجزائرية التي سرعان ما اعتُبرت خبرة رائدة في مجال مكافحة الإرهاب. وكانت الولاياتالمتحدة من أوائل الدول التي اعترفت بضرورة وجود تعاون دولي في مجال مكافحة هذه الظاهرة في إطار ماسُمّي ب"الحرب على الإرهاب". كما وفّر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التفويض القانوني وفقاً للقرار 1373 ( أيلول/ سبتمبر 2001). مثل هذا الالتزام في جميع أنحاء العالم وفّر للجزائر والولاياتالمتحدة (وإن لم تكونا تتقاسمان التصور نفسه عن الإرهاب) فرصة لتحقيق التقارب السياسي. فقد زار الرئيس بوتفليقة الولاياتالمتحدة مرتين في العام 2001 (تمّت الزيارة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر)، وكان تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين مؤشّراً إلى وجود رغبة أميركية لمراجعة سياستها تجاه الجزائر. وفي الواقع، اعتبرت الجزائر زيارة اثنين من وزراء الخارجية (كولين باول وكوندوليزا رايس)، ووزير الدفاع (دونالد رامسفيلد)، واثنين من مساعدي وزير الخارجية (بيرنز ووالش)، وعدد من كبار الشخصيات العسكرية والأمنية (مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكالة الاستخبارات المركزية...) وأعضاء في الكونغرس الأميركي,2 علامة على إعادة النظر في التوجهات السياسة الأميركية. كانت هذه الزيارات مؤشّراً على عملية مراجعة للسياسة الأميركية تجاه المغرب العربي والتي بقيت إلى الآن تركّز على المغرب على الرغم من نجاح الوساطة الجزائرية في الإفراج عن الرهائن الأميركيين في إيران ).1980( وفي الواقع، أظهرت هجمات أيلول/سبتمبر توافق محنة الجزائر مع الآراء المقبولة لتنسيق الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وجعلت الخبرة الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب مهارة عالمية ينبغي أن يتم تقاسمها في سبيل قمع هذا التهديد العابر للقوميات. يُعتبر التعاون بين الولاياتالمتحدةوالجزائر في مجال مكافحة الإرهاب ديناميكياً، ومتعدد الأبعاد، ومتكاملاً من الناحية الجغرافية - الأمنية. وعلى الصعيد الثنائي، يتم التفاعل بين البلدين في المجالات التالية: - موافقة الجزائر على المشاركة في "الحرب" التي تقودها الولاياتالمتحدة على الإرهاب، لأنها كانت على قناعة بأنه لايمكن إلحاق الهزيمة بهذا الخطر المبهم والغامض إلا عبر مشاركة جماعية عابرة للقوميات بتفويض دولي واضح (القرار 1373). - تبادل المعلومات الاستعلاماتية: فقد أسست الجزائر معرفة عميقة بالشبكات الإسلامية الإرهابية في جميع أنحاء العالم، وذلك كجزء من استراتيجية وطنية لهزيمة هذه الظاهرة الخطيرة من خلال عزلها عن خطوط دعمها الخارجية. - التعاون بين وكالات الأمن والاستخبارات ووزارتي الدفاع الجزائرية والأميركية. (كما ورد أعلاه) - التعاون القضائي وخاصة في مايتعلق بالجزائريين ال26 المعتقلين في سجن غوانتانامو. - التعاون العسكري في مجال التدريب في مختلف المدارس العسكرية والمعاهد والجامعات الأميركية، لكن على الرغم من الطلبات الجزائرية المتكررة، إلا أن الولاياتالمتحدة لاتزال مترددة في تزويد الجزائر بالأسلحة المتطورة اللازمة لمكافحة الإرهاب (ولاسيما تجهيزات الرؤية الليلية).3 - مع ذلك، استفادت الجزائر من المساعدات العسكرية الأميركية التي ارتفعت قيمتها من 121,000 دولار أميركي في العام 2001 إلى 800,000 دولار أميركي في العام 4 .2008 وعلاوة على التعاون الثنائي، شارك البلدان في الجهود متعددة الأطراف لمكافحة الإرهاب. - قدّمت الولاياتالمتحدة الدعم الفني المخصص لوضع استراتيجية إفريقية عملياتية أفضل لمكافحة الإرهاب، عن طريق مساعدة المركز الإفريقي للدراسات والبحث في مجال الإرهاب (CAERT) الذي تستضيفه الجزائر. - انخرطت الجزائر، من خلال مشاركتها في مبادرة حلف شمال الأطلسي للحوار المتوسطي في "عملية المسعى النشط" التي تهدف إلى مكافحة الإرهاب في المنطقة .5 - المشاركة الجزائرية في مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء (TSCTI) منذ إطلاقها في آذار/مارس 2004 إلى جانب دول عدة من شمال إفريقيا ومناطق الساحل. كما شاركت في المناورات متعددة الأطراف المشتركة في منطقة الساحل مع الولاياتالمتحدة (عملية فلينتلوك منذ العام 2005). هذا وشارك رئيس أركان الجيش الجزائري (اللواء قايد صلاح) في اجتماعات تنسيقية عدة للدول المشاركة في هذه المبادرة في السنغال وألمانيا. - تشارك الجزائر بنشاط في الجهود الدولية والإقليمية كافة الرامية إلى مكافحة هذه الظاهرة، بما فيها تلك المتعلقة ب استراتيجية الأممالمتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب )2006( ومكافحة غسيل الأموال والجريمة المنظمة. هذه الجهود الثنائية ومتعددة الأطراف ساعدت في تعزيز رغبة كلا الدولتين لاجتثاث هذا الخطر العابر للقوميات. وفي الواقع، فإن هذا التعاون الدولي أفاد كلا الطرفين. فقد وفّر للجزائر مايلزم من الخبرة الفنية لتحسين أساليب مكافحة التمرد. كما أضفت الشرعية على حرب الجزائر على الإرهاب التي أضعفت كلاً من الدولة والمجتمع. أما بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة، فقد ساعدتها هذه الجهود في الحصول على المعلومات الاستخباراتية اللازمة لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم، إذ يشترك الإرهاب الإسلامي في القناعات والتكتيكات والأهداف المتشابهة. ولذا، فإن تفكيك تنظيم القاعدة، بوصفه شبكة غامضة ومبهمة، لايمكن أن يتم إلا من خلال إضعاف مختلف مجموعاته والتشكيك في مرتكزاته العقائدية. وفي الواقع، فإن هزيمة الإرهاب في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وصولاً إلى أوروبا لايمكن أن تتحقق إلا عن طريق دعم الجهود المحلية والإقليمية. ف الجماعة السلفية للدعوة والقتال أصبحت تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي( AQIM، 2006)، وهي تهدد المنطقة بأسرها بحملات العنف .6 وقد نجحت الجزائر في احتواء هذا الخطر من خلال استهداف قيادة الجماعة وهزيمة إديولوجيتها وتدمير قدراتها القتالية، وهو نجاح يعزز جميع الجهود الدولية في مكافحة هذا التهديد. إضافة إلى ذلك، تمكنت الجزائر من احتواء مختلف الشبكات المحلية التي تم تجنيدها للقيام بهجمات إرهابية في العراق ومن القضاء عليها. فقد تعلّمت الجزائر الدرس جيداً مع قدامى المحاربين في أفغانستان. الطريق إلى الأمام لكي تحقق هذه الأطر التعاونية النجاح المنشود، لابد من العمل من أجل مزيد من التقدم النوعي في العلاقة بين الجزائروالولاياتالمتحدة. في هذا الإطار، يجب على الولاياتالمتحدة أن تكون أكثر التزاماً في دعمها للإصلاحات السياسية والاقتصادية في الجزائر (الأموال المرصودة للجزائر في إطار مبادرة الشراكة الشرق أوسطية ليست كافية). ومن غير المنطقي أن تطالب الولاياتالمتحدة، من جهة، ببناء تعاون أمني فاعل مع الجزائر في حين تهمش مكانة هذه الأخيرة في علاقتها الإقليمية مع شمال إفريقيا. فعلى الرغم من أن الجزائر هي سادس مورد للنفط والغاز إلى الولاياتالمتحدة، إلا أنها لاتزال ثانوية في الاستفادة من الاستثمارات الأميركية المباشرة (أقل من 5 بلايين دولار أميركي معظمها في الصناعة النفطية) في المنطقة. وفي سبيل إنجاح هذا التعاون، من الضروري أيضاً أن تسعى الولاياتالمتحدة إلى تحقيق المزيد من التوازن في علاقاتها مع دول شمال إفريقيا ولاسيما عن طريق الضغط على المغرب لقبول إيجاد تسوية لقضية الصحراء الغربية من خلال الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. فضلاً عن ذلك، ينبغي على الولاياتالمتحدة تكييف سياساتها تجاه الجزائر عبر وضع احتياجات وخصائص هذه الدولة في الاعتبار. فمن الواقعية الإطلالة على هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا بوصفه بلداً محورياً في الاستراتيجيات الأميركية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، ليس لجهة موقعه الاستراتيجي فقط(تقع الجزائر في قلب المغرب العربي ولها حدود مع النيجر ومالي وموريتانيا والصحراء الغربية والمغرب وليبيا و تونس)، بل أيضاً للأسباب التالية: - الجزائر واحدة بين أربعة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم. كما أنها مورّد رئيسي للطاقة إلى الولاياتالمتحدة. - تمتلك الجزائر اقتصاداً ينمو بسرعة في منطقة المغرب العربي. فحتى في خضم الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الراهنة، تشير التوقعات إلى معدل نمو يصل إلى 5,3 في المئة للعام .2009 - تقوم الجزائر بإجراء تعديلات سياسية هيكلية لبناء نظام رئاسي يضفي الطابع المؤسسي على مسألتي الحكومة الديمقراطية والتعددية السياسية. - أسفرت سياسة المصالحة الوطنية التي انتهجتها الجزائر، إلى جانب وجود استراتيجية ذكية لمكافحة الإرهاب، عن نتائج إيجابية من خلال تحويل الإرهاب من خطر إلى مجرّد أعمال متفرّقة. هذه النتائج مجتمعة تعزز صدقية الخبرة الجزائرية الرائدة في هذا المجال. - النشاط الدبلوماسي الجزائري في إيجاد توافق دولي في الآراء لمكافحة الإرهاب، ودعوتها إلى التمييز بين الإرهاب والمقاومة. جدير بالذكر هنا أيضاً أنه لكي يُكتب النجاح لهذه الحرب على الإرهاب في شمال إفريقيا والساحل، لابد من النظر في مايلي: - لاينبغي على الولاياتالمتحدة المبالغة في تقييم مخاطر التلوث الإرهابي في منطقة الساحل حيث أن هذه الظاهرة لم تنشأ بعد .7 ومع ذلك، من المهم أن تساعد السلطات الأميركية كلاً من مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا في التخفيف من حدة الفقر ومكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات. - يجب على الولاياتالمتحدة أن تدعم الجهود الدبلوماسية الجزائرية الرامية إلى إرساء الاستقرار في النيجر ومالي اللتين تواجهان انشقاقات من جانب أقليات الطوارق. - يتعين على الولاياتالمتحدة مساعدة الاتحاد الإفريقي ومجلس السلم والأمن التابع له في تطوير آليات إقليمية للدبلوماسية الوقائية. وقد كانت الجزائر في طليعة البلدان التي تولت مهمة ترسيخ مفهوم الأمن الوقائي عبر ترؤس مجلس السلم والأمن الإفريقي منذ البداية. *: أستاذ في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر ومدير مركز الشعب للدراسات الاستراتيجية. 1 أمحند برقوق: "مكافحة الإرهاب في الجزائر: مقاربة قانونية" (باللغة العربية)، ورقة قدمت في المؤتمر الأول ل "التشريعات الوطنية ومكافحة الإرهاب"، جامعة القاهرة، أيلول/سبتمبر .2006 2 مكسيم آيت كاكي: شهر عسل بين الجزائر وأميركا، مجلة السياسة الخارجية (بالفرنسية)، ,2007 ,1 ص 177 165 3 يحيى ه. زبير: "الولاياتالمتحدة، الإسلامية والديمقراطية في المغرب العربي"، وفي يحيى ه. زبير وحيزم أميرة فرنانديز، تحرير: "شمال إفريقيا: السياسة والدين وحدود التحول"، لندن، روتلج، ,2008 ص .274 4 www.middleastdesk.org 5 أمحند برقوق: "البنى الإستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط في أفق العام ,2020 مؤتمر الحوار المتوسطي الذي نظمته بصورة مشتركة كلية الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي (روما، إيطاليا) ومعهد الدبلوماسية والعلاقات الدولية (IDRI، الجزائر)، الجزائر العاصمة، نيسان/أيريل .2005 6 ديفيد غراي وإريك ستوكهام: "القاعدة في المغرب الإسلامي: التحول من الإسلاموية إلى الإرهاب العابر للقوميات"، المجلة الإفريقية للعلوم السياسية والعلاقات الدولية، ,42 كانون الأول/ديسمبر ,2008 ص .9493 غيدو شتاينبيرغ وإيزابيل ويمفلز: "بين العدو ''القريب'' و''البعيد'': القاعدة في المغرب الإسلامي"، مجلة "السياسة المتوسطية"، ,312 تشرين الأول/نوفمبر ,2007 ص 413407 أنيلي بوثا: "الإرهاب في المغرب العربي: تحويل الإرهاب المحلي إلى إرهاب عابر للقوميات"، بريتوريا (جنوب إفريقيا): معهد الدراسات الأمنية، دراسة رقم ,144 حزيران/يونيو 2008 بيروت 16 حزيران/يونيو، 2009