سجّلت الدبلوماسية الجزائرية في الآونة الأخيرة، عودة قوية لافتة للنظر إلى الساحة الدولية، وكان نجاح وساطتها في حل عدد من القضايا واتخاذ مواقف شجاعة وحازمة في قضايا أخرى، مؤشرا قويا على قدرات الدبلوماسية الجزائرية في صناعة حراك دولي، وهي القدرات نفسها التي سبق أن صنعت عز و مجد الدبلوماسية الجزائرية قبل اليوم ...والملاحظة الجوهرية التي تصادف أي متابع لمسار الدبلوماسية الجزائرية أنها شهدت عهدين ذهبيين الأول سنوات السبعينيات حتى 1979 ، وثاني مرحلة كانت بعد خروج الجزائر من عزلتها الدولية، في السنوات العشر الأخيرة ، وانتصارها في معركة الموت أمام آلة الإرهاب الدموية.. والمسجل في كل هذا هو ثبات مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية على مبادئها، وعدم تغيرها بتغير الرؤساء، وإن اختلفت شدة اللهجة من وقت إلى آخر وفق براغماتية تراعي سياقات الأحداث الدولية، والوضع الداخلي دون تفريط في المبادئ والأسس التي بنت عليها الدولة الجزائرية سياستها الخارجية يسجّل المتتبعون بكثير من الإرتياح استعادة الجزائر لدورها الريادي، وهو الدور الذي كانت تضطلع به أيام سنوات عز الدبلوماسية الجزائرية حينما كان عبد العزيز بوتفليقة على رأس الخارجية والذي أضفى على النشاط الدبلوماسي إلى غاية ,1979 إشعاعا ونفوذا جعل من الجزائر دولة رائدة في العالم الثالث و من ثم متحدثا تصغي إليه القوى العظمى، هكذا حدد عبد العزيز بوتفليقة مسار الدبلوماسية الجزائرية التي لم تحد عنه إلى يومنا هذا و الذي يقوم على احترام القانون الدولي و مناصرة القضايا العادلة في العالم. العهد الذهبي للدبلوماسية الجزائرية أعطى عبد العزيز بوتفليقة، الدبلوماسي المحنك و المعترف باقتداره و تضلعه، السياسة الخارجية دفعا قويا للدبلوماسية الجزائرية خلال أزيد من عقد من الزمن أدى إلى نجاحات عظيمة بما في ذلك توطيد الصفوف العربية خلال قمة الخرطوم سنة 1967 ، ثم إبان حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، و الاعتراف الدولي للحدود الجزائرية و إقامة علاقات حسن الجوار و الإخوة مع البلدان المجاورة و كذلك إفشال الحصار الذي فرض على الجزائر بعد تأميم المحروقات. كما قام بدور ريادي في تقوية تأثير منظمات العالم الثالث و تعزيز عملها الموحد خاصة بمناسبة انعقاد قمتي منظمة ال77 و منظمة الوحدة الإفريقية في الجزائر في 1967 و 1968 على التوالي، كما جعل من الجزائر أحد رواد حركة عدم الانحياز و دافع باستمرار عن حركات التحرر في العالم، هكذا أصبحت الجزائر الناطق باسم العالم الثالث و لاسيما في ندائها بنظام اقتصادي دولي جديد، وقد انتخب عبد العزيز بوتفليقة بالإجماع رئيسا للدورة التاسعة و العشرين لجمعية الأممالمتحدة سنة 1974 و نجح خلال عهدته في إقصاء إفريقيا الجنوبية بسبب سياسة التمييز العنصري التي كان ينتهجها النظام آنذاك، و مكن رغم مختلف المعارضات، الفقيد ياسر عرفات، زعيم حركة التحرير الفلسطينية من إلقاء خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما ترأس الدورة الاستثنائية السابعة المخصصة للطاقة و المواد الأولية التي كانت الجزائر من بين المنادين لانعقادها. بعد الخروج من دوامة الإرهاب.. الدبلوماسية تستعيد بريقها لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء لوجدنا أن الدبلوماسية الجزائرية ارتبطت نشاطا وحسما وعملا بقوة أو ضعف الدّولة، ولا يمكننا لوم الذين لم يوفّقوا، وهذا ما يفسر تراجع دور الدبلوماسية سنوات العشرية الحمراء ، سنوات التسعينات التي أدخلت الجزائر في دوامة الموت والدمار، حاليا الدولة الجزائرية دخلت مرحلة جديدة تتوّجت بعودة الأمن والاستقرار، ومن ثم البناء، و في هذا الإطار لا يمكن للمراقب في الداخل أو الخارج، إنكار خروج الجزائر من أزمتها والذي صار واقعا وحقيقة، وتحسن وضعها الداخلي انعكس ايجابا على عودة الفعالية والحراك إلى السياسة الخارجية في عدد من القضايا العربية والدولية . وفي هذا السياق أكد وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي في وقت سابق بأن'' براغماتية الدبلوماسية الجزائرية تعتمد على التعاون بين الدول والسلم في العالم''، وأوضح أنها تعتمد كذلك على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والتكفل بانشغالات رعايانا المقيمين في الخارج''. وقال الوزير '' بأن الدبلوماسية الجزائرية هي انعكاس للسياسة الداخلية ''مشيرا إلى أن هذه الدبلوماسية تنهل من النجاحات المحققة في السياسة الداخلية للبلد، وبالنسبة للأوضاع الدولية والعربية نجحت الجزائر في حل عدد من القضايا واتخاذ مواقف شجاعة وحازمة في قضايا أخرى .. قضية فلسطين .. دعم ثابت لم يتغير بتعاقب السنوات لم تتوان الخارجية الجزائرية في الإعراب في كل مناسبة سانحة عن موقفها الثابت بشأن تأسيس دولة فلسطينية موحدة وعاصمتها القدس الشريف، وكان للجزائر أثناء العدوان الهمجي الأخير على غزة، موقف شجاع وفي وقت التزمت فيه عدة دول الصمت المريب على دموية الكيان الصهيوني الذي أودى بحياة 1400 شهيد، فقد أبانت الجزائر منذ بدء الاعتداءات على قطاع غزة عبر كامل قنواتها الرسمية إدانة شديدة مرفوقة بدعوة المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف الإعتداءات، و أدانت ''بشدة ''المحرقة الإسرائيلية و كانت سباقة لإيفاد المساعدات التي وجدت في الحدود المصرية حاجزا لها، كما أعلنت دعما غير مشروط لأي مبادرة من شأنها وقف عدوان الكيان الصهيوني. موقف الجزائر الرسمي دشنته وزارة الخارجية ببيان إدانة للاعتداءات الإجرامية الإسرائيلية التي استهدفت قطاع غزة وأسفرت عن سقوط مئات من القتلى والجرحى من الأبرياء، الذي جاء فيه أن الجزائر تدين وتستنكر بشدة هذا العمل الإجرامي الشنيع وتهيب بالمجتمع الدولي العمل على سرعة وقف الاعتداءات وفرض الحماية الضرورية للشعب الفلسطيني الأعزل ورفع الحصار الجائر المفروض عليه. ودعت وزارة الخارجية إلى ''وقفة عربية ودولية تضامنية مع الشعب الفلسطيني لدرء الاعتداءات المتكررة ضده مجددة ''تضامن الجزائر المطلق'' مع الشعب الفلسطيني الأعزل في هذه الظروف المأساوية، مؤكدة ''استعداد الجزائر التام لتقديم كل الدعم الممكن للتخفيف من معاناته وآلامه". موقف الجزائر تعدى الإدانة والدعم المعنوي إلى الدعم المادي، وذلك عندما قرر رئيس الجمهورية فتح خط جوي بين الجزائر والعريش لتوفير كل ما يحتاجه الفلسطينيون بغض النظر عن اصطدام هذه الإعانات بعامل المعابر المغلقة، وسمحت بخروج الشعب الجزائري في مسيرات سلمية وعفوية جلبت إليها مئات الآلاف من كل فئات الشعب ..للتعبير عن رفضه المطلق وتنديده بهمجية الكيان الصهيوني ،. كما أن الجزائر كانت حاضرة في اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في طرابلس واجتماع الدوحة الذي خصص للعدوان على غزة ، كما لم تتخلف في انتقاد المواقف المخزية لعدد من الدول، كما فعلت مع موقف الرئاسة التشيكية للإتحاد الأوروبي من الهجمة الإسرائيلية ضد غزة، واصفة إياه بأنه يساوي ''بين الضحية والجلاد''، الجزائر وعلى مر الزمن بقي موقفها واحدا من القضية الفلسطينية ولم تبدل تبديلا، فموقفه المتجدد من القضية الفلسطينية، يأتي في سياق من مواقفها التاريخية السابقة، من بينها تأكيدات الرئيس بوتفليقة، في عدة مناسبات أن إسرائيل تحترف ''قتل وتجويع وحصار'' الشعب الفلسطيني وممارسة ''إرهاب الدولة''. ، وهو الذي قال في كلمة وجهها للمشاركين في المؤتمر الرابع للمجالس الوطنية العربية لحقوق الإنسان، إن ''الأمن الجماعي العربي مرهون بالتوصل إلى حل سلمي وعادل لمأساة الشعب الفلسطيني واستعادة حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة والانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 67". القواعد العسكرية على الأرض الجزائرية .. مس بالسيادة ومطلب أبعد من الخيال يقول أغلب المراقبين أن الجزائر بخلاف عدد من الدول لها حساسية اتجاه قضاياها السيادية وترفض رفضا مطلق كل ما بإمكانه أن يخدش هذه السيادة لأنها دفعت ثمنا باهضا من أجل انتزاع حريتها واستقلالها ، وفي هذا الإطار رفضت الجزائر استضافة قواعد عسكرية أميركية في أراضيها، معتبراً أن ''وجود مثل هذه القواعد على ترابنا لا يتوافق وسيادتنا واستقلالنا''. وعلى رغم تشديده على أن التعاون بين الجزائر وواشنطن في مجال مكافحة الإرهاب مثمر للغاية''، فإنه رأى أن قرار تأسيس قيادة إقليمية لمكافحة الإرهاب في منطقة المغرب العربي والصحراء الكبرى، أمر ''يخص الولاياتالمتحدة وحدها''، وقالت إن الجزائر ''لن تقبل إقامة قواعد عسكرية على ترابها، مهما كان البلد الذي تنتسب إليه هذه القواعد". رفض الانقلاب في موريتانيا .. الجزائر تثبت التزامها بالمسار الدستوري في موقف ينبع من احترامها للشرعية الدولية واحترام للنظام الدستوري رفضت الجزائر انقلاب السادس من أوت على الرئيس الموريتاني ولد الشيخ، وأكدت أن الاتحاد الإفريقي لن يتعامل مع أي حكومة في إفريقيا تتولى السلطةَ عن طريق الإطاحة بالحكومات القائمة، ودعت إلى العودة إلى النظام الدستوري في البلاد. وكما كان متوقعا وصل مبعوثان موريتانيان هما الجنرال محمد ولد الغزواني، رئيس أركان الجيش الموريتاني، والرجل الثاني في النظام الجديد بنواكشوط، عبد الله ولد بن حميدة، وزير الخارجية، وذلك في إطار جولة مغاربية لشرح دواعي التغيير في موريتانيا، غير أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رفض استقبالهما وكلف عبد القادر مساهل الوزير المنتدب للشؤون الإفريقية والمغاربية بلقائهما، وقالت الجزائر أنها '' لن توافق أبدا أن يؤخذ الحكم في أي بلد خارج الأطر الدستورية'' ، وأضافت '' إن موريتانيا بلد شقيق وعضو في الاتحاد المغاربي مثل الجزائر، وتربطنا بها علاقات طيبة على كل المستويات'' ولكن بعد الذي حدث في هذا البلد، بلَغت الجزائر قادة الانقلاب في موريتانيا بأن موقفها حيال الانقلاب يمليه مبدؤها المسجلة في كل المواثيق القارية والدولية، خاصة ما تعلَق ميثاق تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 1999 حيث كانت قرارات الاتحاد واضحة بهذا الخصوص''، في إشارة إلى رفض الاتحاد التعامل مع أي حكومة في أفريقيا تأتي عن طريق الانقلاب. طلب توقيف البشير .. الجزائر تقف بجانب السودان في أحلك الظروف بمجرد أن تم إعلان الجنائية الدولية عن قرار توقيف البشير طالبت الجزائر التي لم تتخلف كعادتها عن قضايا الأمة العربية المصيرية، برفع طلب إلى مجلس الأمن الدولي لتعليق طلب إصدار مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، ورأت في القرار مس بسيادة السودان وكيل فاضح للسياسة الدولية واثبات على ازدواجية المعايير الدولية ، وقالت الخارجية الجزائرية إن المشاورات الجارية بين البلدين منذ عدة أشهر تسير في اتجاهين أحدهما ''رفع طعن أمام مجلس الأمن الدولي بناء على البند 16 من قانون المحكمة الجنائية الدولية''، وأضافت أن ذلك البند ''ينص على إجراء تجميد ما نسميه اليوم مبادرة مؤسفة من مدعي المحكمة الجنائية الدولية''. وقالت إن إجراء التجميد ''يجب أن يوفر لنا كافة الضمانات باستعادة العدالة إزاء السودان شعبا ورئيسا''. وبإمكان أعضاء مجلس الأمن ال15 المصادقة على قرار يؤجل 12 شهرا أي تحقيق أو ملاحقات تقوم بها الجنائية الدولية. كما يمكن للمجلس تمديد تلك المدة في نفس الظروف. ''النيباد'' والاتحاد الأوروبي.. اثبات آخر على استعادة المكانة الدولية استعادت الجزائر دورها القيادي على الصعيد الإفريقي ، حيث يشهد على ذلك دورها الفعال الذي ما انفك يتعاظم على الساحة القارية في إطار الإتحاد الإفريقي و الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا '' النيباد'' التي كان الرئيس الجزائري أحد المبادرين بها، و على المستوى المتوسطي، أبرمت الجزائر اتفاق شراكة مع الإتحاد الأوروبي في 22 افريل 2001 ، واستغلت الجزائر فرصة إبرام اتفاق الشراكة لتفتح سبل الحوار المستمر مع دول الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالشأن السياسي والأمني ولإرساء أسس التعاون الاقتصادي والتجاري خدمة للمصالح المشتركة وبهدف الوصول في نهاية المطاف إلى خلق منطقة للتبادل الحر بين الطرفين في أفق سنة .2017 كما أدرجت الجزائر ضمن أولوياتها في هدا الصدد تحسين ظروف إقامة الأشخاص وتنقلهم بين الجزائر ودول الاتحاد الأوروبي.، كما شاركت الجزائر التي أصبحت شريكا مرموقا لدى مجموعة الثمانية، في قمم هذه المجموعة بانتظام منذ سنة .2000 الأممالمتحدة، وعضوية مجلس الأمن... الجزائر تنتزع لنفسها مكانة الشريك الذي لا يمكن الاستغناء عنه أصبحت الجزائر، في الوقت الراهن، شريكا لا يمكن الاستغناء عنه في المفاوضات الدولية، فمند سنة 2000 حضرت خمس مرات في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة نذكر منها قمة الألفية، المنعقدة في سبتمبر ,2000 والقمة الدولية في سنة ,2005 المخصصة لإصلاح هيئة الأممالمتحدة.، كما انتخبت الجزائر عضوا في مجلس الأمن في سنة 2003 فكان دلك تكريس لاستعادة الجزائر مكانتها على الساحة الدولية ونوعا من الاعتراف بمساهمتها الفعالة في مسار الإصلاح، الجاري حاليا، لمنظمة الأممالمتحدة والدي تتمثل أولى مراحله في إنشاء مجلس حقوق الإنسان ولجنة الأممالمتحدة لتعزيز السلم وفي ضبط إستراتيجية واضحة لمكافحة الإرهاب عبر العالم.، ولم تنفك الجزائر عن المطالبة بضرورة إبرام اتفاقية دولية شاملة بخصوص قضية الإرهاب ولقد ساهمت بفعالية كبيرة، في إطار المنتدى المتوسطي لحث الدول المشاركة فيه على تبني موقف موحد ضد الإرهاب كما دعت، أيضا، إلى إبرام عدد من الاتفاقيات للوقاية من الإرهاب ولمكافحته على الصعيد الإفريقي والعربي والإسلامي، ولقد تُوجت تلك الجهود بتأسيس المركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب " CAERT" ومقره بالجزائر العاصمة. دور متعاظم في استتباب الأمن في العالم يعتبر توطيد أسس السلم في العالم من أكبر الرهانات التي تعمل الدبلوماسية الجزائرية على كسبها؛ ذلك أن الجزائر تناضل من أجل تعزيز سبل التعاون بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي فيما يتعلق بالوقاية وفض النزاعات في القارة الأفريقية. تندرج مساهمة الجزائر في هدا المنظور في إيفاد الملاحظين للمشاركة في عمليات حفظ الأمن التي تتولاها الأممالمتحدة في النزاع بين الحبشة وإريتريا وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية.، نجاح مساعي الصلح على يد رئيس الجمهورية لإنهاء النزاع الحبشي الإرتري والنزاع بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق. إن اتفاق الجزائر، المبرم ي 04 جويلية ,2006 لإحلال السلم والأمن و التنمية في إقليم كيدال لدليل ملموس على عمق التزام الجزائر بقضايا منطقة الساحل التي تمثل في نظرها نطاقا أمنيا ومنطقة حيوية، ويندرج في هدا المنطق نفسه حرصُ الجزائر على تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية والتوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي على أسس عادلة ونهائية.