اعتبر المجاهد وعضو فدرالية جبهة التحرير بفرنسا محمد غفير “أن مظاهرات 17 اكتوبر 1961 بباريس تعتبر محطة مفصلية وهامة في مسيرة الثورة التحريرية تضاف إلى المحطات الأخرى المهمة، بالنظر إلى الصدى الكبير الذي أحدثته والنتائج الملموسة على أرض المعركة، كما دفعت بالرئيس الفرنسي ديغول للرضوخ إلى الأمر الواقع وطلب مفاوضات رسمية مع جبهة التحرير بتاريخ 28 أكتوبر مهدت لوقف إطلاق النار بتاريخ 19 مارس 1962. بلغة بسيطة بعيدة عن الأنا وتمجيد الذات، حاول، أمس، المجاهد والمناضل محمد غفير في مداخلة له بالمعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني عبد الحق بن حمودة ببومرداس أن يكون أكثر واقعية وصراحة في مخاطبة الجمهور وطلبة المعهد وتوظيف لغة كانت أقرب إلى السرد في نقل حقائق من الثورة وفصولها وبعض الجزئيات التي ظلت مبهمة أو مثلما قال هو”لم تعرض بطريقة صحيحة”، كما حرص على تجنب الذاتية في نقل الأحداث عندما اعترض على مصطلح “المجاهد الكبير” أثناء تقديمه من طرف مديرة المجاهدين حبيبة بوطرفة، بل قال”الأصح أني مجاهد بسيط وحتى زعماء الثورة الكبار اجتنبوا حب الزعامة والظهور لأن الثورة كانت جماعية ولدت من رحم الشعب واحتضنها الشعب ولولاه لما حققت الجزائر استقلالها اليوم.. كما تجنب خلال المداخلة أيضا الإشارة إلى إسهاماته كمناضل في فدرالية جبهة التحرير بفرنساوبباريس بالضبط، بل حاول تنوير الرأي العام بالدور الكبير الذي لعبه المهاجرون الجزائريونبفرنسا الذين قدرهم بحوالي 80 ألف بباريس وضواحيها كانوا مناضلين أوفياء لجبهة التحرير والدليل في ذلك، مثلما قال المحاضر “أن 80 بالمائة من ميزانية الثورة كانت تأتي من المهاجرين بشهادة الإحصاءات التي قدمتها الحكومة الجزائرية المؤقتة”، التأكيد كذلك على أهمية مظاهرات 17 أكتوبر التي أطلق عليها اسم “آخر معركة” في مسيرة ثورة التحرير وتصنيفها ضمن المحطات المفصلية على غرار هجوم الشمال القسنطيني 1955 الذي حصد 12 ألف شهيد، مؤتمر الصومام 1956، ظهور الحكومة الجزائرية المؤقتة بتاريخ 19 سبتمبر 1958 التي أعادت للجزائر تنظيمها السياسي والإداري بعد 128 سنة من التشرد والفوضى الناجمة عن الاستعمار. واصل المجاهد محمد غفير المدعو “موح الكليشي” تقديم فضائل مظاهرات 17 أكتوبر على الداخل والثورة ككل عندما أصر بالتأكيد “أن المظاهرات مثلها مثل ثورة أول نوفمبر لم تأت بالصدفة أو بطريقة عفوية، بل بعمل منظم ومدروس يعود أصوله إلى مؤتمر الصومام 56، حيث كشف بالمناسبة” أن من أهم نتائج مؤتمر الصومام الذي وضع الثورة في السكة الصحيحة هي ظهور لجنة التنسيق والتنفيذ بقيادة كل من العربي بن مهيدي، كريم بلقاسم، عبان رمضان، بن يوسف بن خدة وسعد حلب التي أخذت على عاتقها قيادة الثورة إلى بر الأمان باتخاذ عدة قرارات حاسمة منها إضراب الثمانية أيام 1957، تعيين عمر بوداود رئيسا لفدرالية جبهة التحرير بفرنسا من قبل عبان رمضان بتاريخ 10 جوان 57، وتحميله رسالة إلى المهاجرين الجزائرين من أجل الاستعداد لمعركة ثانية بقلب فرنسا أو ما يطلق عليها “بالجبهة الثانية” التي انطلقت يوم 25 أوت 1958 بتنفيذ عدة أعمال بطولية من قبل مناضلي الفدرالية، وصولا إلى الحدث الكبير بقلب باريس يوم 17، 18 و19 أكتوبر وما ترتب عليه من قتل وحشي من قبل البوليس الفرنسي واعتقال أزيد من 15 ألف مناضل. حتى لا تتحمل الشرطة الفرنسية لوحدها مسؤولية القتل ورمي الأحياء بنهر السين، أشار محمد غفير إلى نقطة مهمة لعلها بقيت في الظل لسنوات وتتعلق بدور الحركى في هذه المجازر، حيث تطرق المجاهد إلى دور السفاح موريس بابون الذي كان واليا على قسنطينة قبل تعيينه رئيسا لشرطة باريس في نقل 500 حركي لقمع مناضلي فدرالية جبهة التحرير، مشيرا بالقول”أن الحركى هم الذين بدؤوا بعملية قتل المناضلين ورميهم بنهر السين حتى تاريخ 17 أكتوبر التي حدثت فيه المجزرة الشنيعة.