يشكل التشغيل في المرحلة الراهنة حالة استعجالية تُجند من أجلها الموارد البشرية والمالية، وترفق بآليات تنظيمية وتشريعية إلى أبعد الأحوال، هدفها الأسمى تقليص أزمة البطالة إلى أسفل المراتب، والتقليل من حدة الكابوس المفزع الذي يؤرق المواطنين، ويغرس في نفوسهم اليأس والتفكير في الهجرة بأي طريقة بالرغم من أنها ليست الحل ! واهتمت السياسة الوطنية للتشغيل بهذا الملف الحساس، من خلال تشجيع فرص التكوين والتعليم، وتسليح الشباب بحرف مهنية تعجّل اندماجهم في نشاط المؤسسات، والمساهمة في رفع الأداء الإنتاجي للاقتصاد الوطني، وكذا فعل ما في المستطاع من أجل إنشاء مؤسسات مصغرة تحمل مؤهلات خلق مناصب عمل إضافية. وعلى هذا الأساس، اتخذت سياسة التشغيل البعد الآخر، واختارت رهان تشجيع المؤسسات المصغرة التي تحمل وظيفتين في آن واحد: تعزيز النسيج الاقتصادي الوطني الذي يبقى البترول يسيطر عليه بنسبة شبه مطلقة، والمساهمة بدورها في محاربة البطالة، من خلال توظيف يد عاملة تحتاجها في الانتشار والتموقع بخارطة وطنية تضيق تحت شدة المنافسة بفعل وتيرة الانفتاح. وقفزت السياسة على المعطى القائل بضرورة رفع منحة البطالة التي تسلم "للحيطيست"، باعتبارها خيارا سلبيا لا يشجع في البحث عن فرص التشغيل أولا، ولا تراعي كرامة الجزائري الذي يرفض الانتظار الممل في طوابير أمام الهيئات المعنية بتسليم المنحة، ويتحاشى حرقة طرق الأبواب وتلاعبات البيروقراطية المقيتة ثانيا، وعلى حد المثل القائل " علمني كيف اصطاد السمكة أفيد من منحي إياها." وعززت التدابير المتخذة في قانون المالية التكميلي، فرص خلق مناصب الشغل التي تمنح لها الأولوية، كونها المدخل الآمن للاستقرار الاجتماعي والانتعاش الاقتصادي، وتحسين ظروف معيشة صعبة للغاية، تزيدها استفحالا الرواتب الزهيدة التي لا تلبي الحاجة الضرورية، فما بالك الادخار وتوظيف الدينار وقت الشدة ! وتحمل التدابير جملة من الإغراءات لإنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة، تحمل مقومات النجاعة والاستمرار في النشاط والتوسع، منها رفع نسب القروض الممولة للمشاريع إلى 80 في المائة بالهضاب، و 90 في المائة بالجنوب، لإعطاء فرصة انتعاش هذه الربوع الجغرافية في إطار سياسة التوازن الجهوي، وتخفيف الضغط على الجهات الأربعة الكبرى التي بلغت درجة من التشبع العمراني الاقتصادي لا تقبل المزيد، منها الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة، عنابة. وهناك تحفيزات أخرى يحسب لها الحساب، منها مضاعفة احتياط صندوق ضمان القروض المنشأة خصيصا لمرافقة المقاولين الشباب في تجسيد مشاريعهم، و إحاطتها بأسباب النجاح والتقويم، وصار الرصيد المالي للصندوق 40 مليار دينار بدل 20 مليار فقط. وتقررت إغراءات جبائية وبنكية أكبر للمقاولين الشباب الذين يشغّلون 5 عمال كحد أدنى في المؤسسات التي ينشِئونها، في ظل الآليات الجديدة المعول عليها تهيئة محيط الأعمال لخلق 3 ملايين منصب شغل، تجسيدا للبرنامج الخماسي بدءا من أفريل الماضي. ومنحت إغراءات مماثلة لأرباب العمل، ورؤساء المؤسسات التي تفتح مناصب شغل تخفف من حدة البطالة الشبح المخيف في الجزائر، وتقرر إعفاء المؤسسات التي تخلق مائة منصب شغل من الضريبة على الأرباح، لمدة تتراوح من ثلاث سنوات إلى خمسة، وهي ضريبة كثيرا ما اشتكى منها المتعاملون، واعتبروها معيقة لهم في توسيع مجال الاستثمار المنتج الذي يبقى أقوى الخيار والبدائل لخلق مناصب شغل تعزز هذا المسار وتؤمّنه في مواجهة الطوارئ، وتقلبات الظرف المتميز بأزمة مالية عالمية شغلت دول المعمورة بلا استثناء، وحتّمت عليها البحث الجماعي عن الحل، بعيدا عن قاعدة "تخطي راسي''.