أبدى الأستاذ الجامعي بكلية الإعلام والاتصال و الباحث عمار عبد الرحمان، تذمره لما يحدث في المشهد الإعلامي اليوم، مؤكدا في حوار خص به “الشعب” أن الإعلام الخاص، حاد عن المهام المنوطة به ألا وهي الخدمة العمومية وبات لا يحترم أخلاقيات المهنة وطغيان النرجسية، بحكم غياب الاحترافية في طريقة التقديم بسبب نقص التكوين والرسكلة، داعيا هذه القنوات إلى إعادة النظر في قضية التكوين و أخلقة المهنة. - الشعب: بداية ماذا يمثل لكم اليوم الوطني للصحافة؟ عمار عبد الرحمان: اغتنم الفرصة لأهنئ الأسرة الإعلامية الجزائرية في كل مشاربها وأوطانها، أزف تحيتي للمراسلين من هذا المنبر الطيب، في الغالب هم يتلقون صعوبات كثيرة في تعاملهم، هذا يومهم ويومنا، أرى أنها قفزة نوعية خاصة من حيث الناحية القانونية والتنظيمية للقطاع، لما نرى قانون 12 جانفي 2012 أسفر عن قرارات هامة خاصة للقطاع السمعي البصري، ولأول مرة يفتح بهذا الشكل في الجزائر. أعتقد أن الإعلام الجزائري له أكثر من مفتاح ليواجه به، حين كان الإعلام العمومي والتلفزة الجزائرية لم يكن كاف وكانت فيه حاجة ملحة حتى نشبع المشاهد والمجتمع بإعلام جديد الذي هو الإعلام الخاص، الشيء الإيجابي هي القوانين التي تبعتها خاصة المواد الدستورية التي أقرها رئيس الجمهورية والقاضية بعدم سجن الصحفيين. بالنسبة لي هي قفزة كبرى ومكسب كبير جدا بالنسبة للصحفيين الجزائريين، وأقول بين قوسين أن الصحفيين لم يتعرضوا أبدا لعقوبة السجن، معنويا القانون أعطى دفعا للأسرة الإعلامية كي يشعر الصحفي أنه فعلا من النخبة والطبقة المثقفة يؤدي خدمة عمومية، عيب الحديث عن سجن الأفكار. - كإعلامي وأكاديمي ما مدى احترام الصحافة الجزائرية لأخلاقيات المهنة؟ ما يحدث في الوسط الإعلامي الجزائري لست راضيا عنه، الكثير من القنوات التلفزيونية الخاصة لم تحترم أخلاقيات المهنة، وقلتها في عديد المناسبات هم إخواننا نريد تذكيرهم بأن مهنة الصحافة هي مهنة نبيلة، ومهنة أخلاق شريفة جدا، لكنهم دخلوا في المحظور من خلال السب والشتم والتجريح في عديد من القنوات التي أصبحت تستعمل الصورة في غير موقعها، ولا في زمانها، أصبحت تعتمد كثير على مواقع التواصل الاجتماعي مثلا تأخذ منها معلومات ومواضيع. أعتقد أنه خطأ كبير لأن الإعلامي في حد ذاته يبحث عن مصدر الخبر، يجب أن يكون محترفا ويذهب إلى المصدر ليقدمها في أحسن حلة للمشاهد أو المستمع، أظن أن غياب الاحترافية قابله غياب التكوين والرسكلة، أصبحت هذه القنوات اليوم لا تعتمد على التكوين وإنما تعتمد على المظهر حتى لا نقول أنها في كثير من الأحيان، و للأسف بعض القنوات تعتمد على الوساطة والجهوية، نحن نصبوا إلى تصحيح المسار نحن من الذين ثمنوا وزكوا هذه النقلة النوعية. كنا من أشد المدافعين على فتح مجال السمعي البصري، لكن ليس بهذا الشكل، وحسب إحصائيات وزارة الاتصال الجهة الرسمية، فإن هناك 60 قناة كلها لا تؤدي الوظيفة المنوطة بها، وهي وظيفة سامية. إنشاء الله يكون بداية إعادة النظر أولا في قضية التكوين وأخلقة المهنة، اليوم بعض القنوات حادت تماما عن المسار بانتهاجها الحرية المبتذلة والمفرطة في تعاملهم مع قضايا بذيئة ويستغلونها كقضايا رأي عام مثل قضية العاجل والهام، غياب الاحترافية في طريقة التقديم لا تعكس صورة ذلك الصحفي الذي سيقدم المنتوج لهذا المشاهد. نسوا أو تجاهلوا فكرة الخدمة العمومية. ما يؤرقني بحكم أنني إعلامي وأكاديمي، أصبح اليوم صحفييون مغرورون يبحثون عن النجومية بعيدا عن الأخلاق المهنية والاحترافية، أضحت بعض القنوات تؤجج الأوضاع وتفتح المجال لبعض المغرورين الذين يريدون الوصول إلى النجومية في وقت قصير، لهذا غابت الكريزما الحقيقية التي ليست المظهر فقط، وإنما هي الأداء، الاحترام، الاحترافية، فهم قواعد اللعبة وفهم قانون الإعلام أولا. للأسف شباب اليوم أصبح متطلع للنجومية أكثر من تقديم الخدمة العمومية. أقول في اليوم الوطني للصحفي، يجب على الصحافة السمعية البصرية خاصة المرئية الجديدة أن تعيد النظر في طريقة تعاملها، كوننا لا نملك قنوات محترفة 100 بالمائة وإنما لدينا تنافسية فيما بينها، من هو الأحسن والأقوى والأسرع، وفي نفس الوقت من هو الأكثر نجومية، و وطغت عليهم النرجسية، أعتقد أنهم سيقضون على مهنة الصحفي الشريف الحقيقي بهذه التصرفات، هذا لا ينقص من قيمة هذه القنوات ووجودها. - من المسؤول عن عدم الاحتكام لأخلاقيات المهنة صاحب القناة أو الصحفي؟ ألوم مالك القناة وليس المسير لأن القانون ودفتر الشروط واضحين، لكنهم لم يفهموه، لما نرى قانون الإعلام والقانون التكميلي الصادر في مارس 2014 لقطاع السمعي البصري نجد أنه وضح الصورة بشكل علمي ودقيق، حيث ينص القانون:«لا يوجد مالك واحد للقناة وإنما يتعدى المساهم الواحد 40 بالمائة على الأقل تقدير ثلاث ملاك أو مساهمين”، لكن المشكلة لحد الآن لم أفهم لماذا سلطة الضبط السمعي البصري التي عينت رسميا وظهرت في الجريدة الرسمية لم تمارس العمل المنوط بها. يجب عليها اتخاذ القرارات الصارمة في حق هذه القنوات، اليوم نرى مالك واحد للقناة والقانون ينص على عدة مساهمين، هذا اجتهاد قانوني ثمّنته في البرلمان حين كنت في لجنة الخبرة في مشروع السمعي البصري، لأنه يضع حد لتجاوزات الملاك، لكن ما حدث أن مالك القناة أصبح اليوم هو من يسير القناة وليس مدير الأخبار ، يسيرها على حسب أهواءه الأيديولوجية والسياسية بالدرجة الأولى، وفي الكثير من الأحيان على حسب الجانب التجاري. وبالمقابل، ألوم الصحفي لأنه بالدرجة الأولى لما يطلب منه المسؤول عمل يسئ للمهنة عليه بالرفض ولو كان على حساب مصدر رزقه، ثانيا ألوم سلطة الضبط لأنها لحد الآن لم تقم بالعمل المنوط بها وإنما أصبحت شكلية، لم نسمع أنها اتخذت قرارات في حق القنوات ودفتر الشروط وقانون الإعلام التكميلي ل2014 يخول لها كل المسؤوليات ويعطيها حق التدخل في كل ما يشوب ويسئ للمهنة، حيث أن دفتر الشروط جاء ليكمل هذه الأمور ويحدد كل المعايير المتعامل بها إلا أن سلطة الضبط للأسف الشديد لم تحرك ساكنا لحد الساعة. وزارة الاتصال مشكورة في اتخاذها قرار عملية إحصاء الصحفيين، وجاءت بفكرة بطاقة الصحفي المحترف الذي قطع الطريق أمام كثير من الدخلاء والمتطفلين، لكن في نفس الوقت تجاهلت سلطة الضبط الجانب القانوني لأن المشكلة اليوم ليست فقط في الصحفي غير المحترف أو الدخيل، لكن المشكل في المسير المتطفل على المهنة، أعتقد أن ملاك القنوات لم يطلعوا على قانون الإعلام الذي هو المرامي والأهداف حتى الحقوق والواجبات المنصوص عليها في دفتر الشروط. - الجزائر تواجه تحديات كبرى وهي بحاجة إلى الصحفي المتشبع بالوطنية لا أفهم كيف مالك أو مسير القناة يتجاوز حق الرأي العام، فيه قضايا أصبحت تثار عبر هذه القنوات وهي مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي، عيب كبير على مهنيي القطاع من المفروض أن يكونوا قدوة والحصان الذي يقود العربة وليس العكس، أصبحت تستعمل هذه المواقع كقاعدة لمعلوماتها دون الرجوع إلى المصادر الرسمية، ما يحز في نفسي أنها تعتمد على نشر الأخبار التي هي طابوهات وأخبار عن الجريمة، أمور لا تخدم الواقع الإعلامي والمهني لما نتحدث عن الصحافة يجب الحديث عن أخلاقيات المهنة. مأخذ آخر على سلطة الضبط هو جدي وعقلاني وقانوني، كيف غضت الطرف عن طبيعة هذه القنوات، تقول أنها قنوات ذات الموضوع الواحد إما اقتصادية أو رياضية أو فنية، كيف نراها كلها عامة تقدم الأخبار والبرامج وكيف قناة واحدة لها قناتين. هذا الأمر يجب أن تفصل فيه سلطة الضبط لأن القوانين واضحة، المحور الثالث هو تنظيم الإعلام في الجزائري سمعت وزير القطاع حميد قرين يتكلم مرارا عن التكوين لكني لا أرى إلا شرذمة قليلة جدا من هاته الصحف والقنوات التي تقوم بتكوين صحفيها، وعلى رأسها جريدة”الشعب” بدون مجاملة، لما نشاهد في السمعي البصري نجد التلفزيون الجزائري ليس له تكوين لصحفيه وتقنييه. - في هذه النقطة لا يمكن اعتبار القنوات الخاصة مصدرا للمعلومة؟ ليست مصدرا للمعلومة، تعريف القنوات التلفزيونية في العالم كله هي تقديم خدمة عمومية، البعض في الصحافة الخاصة سواء المكتوبة و خاصة المرئية لم يفهموا معنى الخدمة العمومية، هم يعتقدون أن هذه الأخيرة مرتبطة بالصحافة العمومية، و هذا أكبر خطأ وقعوا فيه كون الخدمة العمومية تسير مع العمل المنوط بالصحفي، وحين نستقي المعلومة من مواقع التواصل الاجتماعي ربما تكون صحيحة أو خاطئة، نحن لا نعتمد في الأصل على كل ما هو مواقع كالمدونات، والمواقع الخاصة ببعض الجمعيات، اللهم المواقع الرسمية للمؤسسات. ناهيك عن الفايسبوك والتويتر، خطأ كبير وقع فيه مسيرو القنوات، أعتقد جهلهم بالقانون من جهة والكرزماتية والكثير من النرجسية التي دخل فيها المسيرون والصحفيون. - اي دور يلعبه الإعلام العمومي في هذا المشهد المتفتح؟ أعتقد جازما أنه لا يختلف اثنان على أن الإعلام العمومي بشقيه المكتوب والمرئي أصبح أكثر مصداقية بكثير من الإعلام الخاص، كون الإعلام العمومي أصبح له هامش من الحرية في تناول المواضيع ولم تعد تلك الصحافة التي تسير وراء حارس البوابة وتحت شعارات، الكثير من الزملاء أصبحوا يطلعون على الصحافة العمومية، لأن فيها أكثر مصداقية وذات الأبعاد السياسية والجوهرية. أعيب على الصحافة الخاصة أنها أضحت صحافة متطفلة، تقتات من الإشهار وربطوا أمورهم به، لا يوجد إنتاج فعلي، لهذا وقعوا في المحظور أي السقوط الحر، في السمعي البصري بكل صراحة هناك فرق شاسع بين الإعلام المرئي العمومي والخاص، لا يقارن بالرغم من النقائص الفادحة الموجودة في التلفزيون العمومي، هذا الأخير ما يزال يحافظ على الخدمة العمومية وأخلاقيات المهنة واحترام المشاهد عكس الانزلاقات الخطيرة لبعض القنوات الخاصة استثناء لقناة أو اثنتين يمكن القول أنها تسير على درب التلفزيون الجزائري. التلفزيون الجزائري مدرسة قائمة بذاتها تخرج منه كبار المخرجين، الإعلاميين، ومهندسين لا ننكر هذا الأمر، له عقود يمارس هذه المهنة ربما ما نعيبه عليه كأكاديميين وإعلاميين كلاسيكي في الطرح بعض مسؤوليه يتخذون قرارات جزافية ولا يستشيرون، بعض البرامج لا ترقى إلى مستوى تطلعات المشاهد، الصحفي دائما واضع خط أحمر لا يريدون الخروج من القوقعة للوصول إلى المجتمع وإيصال الرسالة، أما من حيث العمل والصورة والتقنية هو مدرسة. ^ما الفرق بين مصطلح الإعلامي والصحفي؟ الصحفي هو من يتعاطى الكتابة الصحفية في أصولها، أما الإعلامي هو من يتعاطى الصحافة وفي نفس الوقت يكون كاتبا صحفيا، بمعنى يرقى إلى مستوى أعلى، كما أن الإعلامي يكون ملما بقضايا كثيرة ومخضرم، يمكن أن يكون محلل ويكون له باع في الصحافة واجتاز على عدة مراحل، هناك من يربط الإعلامي بالسمعي البصري وهذا خطأ، أما الصحفي يكون في الغالب متخصصا في جانب من الجوانب، ويكون عبارة عن مخبر وناقل للمعلومة. ^ما تقولون بمناسبة اليوم الوطني للصحافة ؟ هذه المناسبة أعطيها بعدا كبيرا، خاصة المراسل الصحفي في الجزائر هو تقريبا مهمش وأطلب من زملائنا الصحفيين خاصة بعض الشباب المغرورين، أن لا ينظروا إلى الصحافة على أساس النجومية، الصحافة هي مهنة المتاعب ومهنة شريفة جدا، النجومية تأتينا من تلك الابتسامة التي نشاهدها في الشارع لما يثني علينا الغير ويشكروننا على تعاطي بعض المواضيع. أتمنى لبعض المغرورين والمغرورات لاسيما في القنوات الخاصة، أن يضعوا أرجلهم وأرجلهن على الأرض، الكثير منهم يعتقدون أنهم غير مطالبين بالنزول إلى الميدان للبحث عن المعلومة، وتقصي الحقائق، هذا أكبر خطأ سيضعهم على المحك وسيسقطون في القريب العاجل، لأن الصحفي الحقيقي بدايته تكون في الميدان. النجومية تأتي بالممارسة والاحترافية، وتناول المواضيع التي تخدم المجتمع والوطن وليست التافهة، الإعلام هو الوسيط بين الحاكم والمحكوم . أدعو بصريح العبارة كل مالكي ومسيري القنوات خاصة، مديرو الأخبار والإنتاج أن يأخذوا هذا الكلام مأخذ الجد وأن لا يغامروا بالشباب، يجب عليكم تكوينهم لأنه لما تضع الشاب في نشرة الأخبار فأنت قد قضيت على مستقبله المهني، لأنه لا يملك الخبرة في الميدان، أتمنى أن يتجاوزوا هذه الأخطاء.