تمثل البطاقة الوطنية للصحفي المحترف كلمة السر أو كلمة المرور إلى القانون العضوي المتعلق بالإعلام، بل إنها هي البطاقة السحرية أو البطاقة المغناطيسية التي يمكن من خلالها أن ندخل البيت الإعلامي من الأبواب وليس من النوافذ التي عادة ما يتسلسل منها اللصوص أو الغرباء من الذين انتحلوا صفة الصحفي بعدما تحولت الصحافة إلى مهنة من لا مهنة له! وللأسف توجد الكثير من البطاقات المهنية المزيفة في الساحة الإعلامية، ولكن للأسف الشديد أيضا أن مثل هذه البطاقات الصحفية المهنية المزيفة هي التي ما انفكت تساعد أصحابها على فتح مختلف الأبواب الموصدة والتي سرعان ما تفتّح أمامهم من غير يكلفوا أياديهم عناء الطرق على الأبواب التي أصبحت توصد في وجه الحقيقيين من رجال الإعلام والصحافة الذين وهبوا صاحبة الجلالة أرواحهم وكل أوقات عمرهم التي قضوها في رحلة البحث عن المتاعب من أجل حق المواطن في الإعلام. تنص المادة السادسة والسبعون من القانون العضوي المتعلق بالإعلام على أن صفة الصحفي المحترف تثبت بموجب بطاقة وطنية للصحفي المحترف، تصدرها لجنة تحدد تشكيلتها وتنظيمها وسيرها عن طريق التنظيم. وعندما يشرف وزير الاتصال على تنصيب لجنة استشارية من قدماء الصحفيين، فإن معالي الوزير يكون منذ البداية قد أمسك برأس الخيط الذي يمكنه من إعادة بناء النسيج الإعلامي، بل إنه يكون قد قرر إتلاف جميع تلك البطاقات المهنية الصحفية المزيفة التي تتداول في الأوساط الإعلامية مثلما تتداول الأوراق النقدية المزيفة في الأسواق اليومية والمعاملات التجارية! يجب أن نسجل في البداية أن وزارة الاتصال تكون قد تأخرت كثيرا في تنصيب اللجنة الخاصة بتثبيت صفة الصحفي المحترف، خاصة وأن القانون العضوي المتعلق بالإعلام يرتبط بآجال قانونية قد كان يجب احترامها خاصة إذا ما كان الأمر يتصل بنص قانوني يلغى القانون السابق وكل ما يخالفه من الأحكام السابقة ذات الصلة بالتشريع الإعلامي. لقد نُشر القانون العضوي المتعلق بالإعلام في الجريدة الرسمية وألغى جميع الأحكام المخالفة له وخاصة قانون الإعلام السابق، وكان مثلما ورد في الباب الأخير المتعلق بالأحكام الانتقالية والختامية، يتعين على كل العناوين وأجهزة الصحافة الممارسة لنشاطها أن تتطابق مع أحكام هذا القانون العضوي خلال سنة واحدة ابتداء من تاريخ تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. لقد كان يتصل الأمر بمواعيد انتخابية تخص الهيئة الإعلامية الناخبة وقد حان يوم الانتخاب من غير أن يسجل الصحفيون أسماءهم في القوائم أو السجلات الانتخابية بل كيف يتوجه الصحفيون إلى صناديق الاقتراع الإعلامي من غير أن يكون هؤلاء الصحفيون يمتلكون بطاقة الناخب التي هي البطاقة الوطنية للصحفي المحترف التي تمكنهم من انتخاب ممثليهم المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة والتي تمكنهم أيضا من انتخاب ممثليهم في سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والسمعية والبصرية. ولكن قد فات الأوان بعدما أصبح من المستحيل أن تتطابق وسائل الإعلام مع الإطار القانوني الجديد ما لم تنصّب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة أو السمعية والمرئية التي ينص القانون العضوي المتعلق بالإعلام على أن ينتخب بالأغلبية المطلقة نصف أعضائها من الصحفيين المحترفين الذين يثبتون خمس عشرة سنة على الأقل من الخبرة في المهنة، في حين ينتقى النصف الآخر عن طريق التعيين من طرف رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة من الأعضاء غير البرلمانيين. غير أن الصحفيين وهم لا يمتلكون البطاقة الوطنية للصحفي المحترف، قد فاتتهم الفرصة من غير أن ينتخبوا سلطة الضبط وهي الهيئة المكلفة بتنظيم العمل الإعلامي. بل إن هؤلاء الصحفيين الذين لا يمتلكون البطاقة الوطنية للصحفي المحترف قد فاتهم أيضا أن ينتخبوا المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة التي ينص القانون على تنصيبه في أجل أقصاه سنة ابتداء من تاريخ صدور القانون، حيث تتشكل الجمعية التأسيسية للمجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة من الصحفيين المحترفين الذين يمتلكون البطاقة الوطنية للصحفي المحترف وهو ما يمكنهم من خلال تلك الجمعية العامة التأسيسية من تحديد تشكيلة المجلس وتنظيمه وسيره وهو المجلس الأعلى الذي يتولى الصحفيون إعداد ميثاق شرف مهنة الصحافة والمصادقة عليه. أعرف أن الكثير من الزملاء والإخوان الصحفيين غير ملمين للأسف الشديد بالأحكام المتعلقة بالقانون العضوي المتعلق بالإعلام، وقد اتضح هذا الجهل أو التجاهل منذ أن كان القانون عبارة عن مشروع عندما كانت لجنة الثقافة والاتصال تستمع إلى الصحفيين والأساتذة والخبراء المختصين في الإعلام. بل إن الجهل بالأحكام القانونية قد تواصل مع هؤلاء الصحفيين حتى بعدما صدر القانون في الجريدة الرسمية. وللأسف أن الأمر لا يعبر عن موقف معارض للقانون وذلك أمر مشروع ووجهة نظر مقبولة مادامت تمثل الرأي الآخر! ولكن للأسف الشديد أن هذه اللامبالاة السلبية إنما تؤكد أن الصحافة قد أصبحت حقا مهنة من لا مهنة له، مثلما أقول في الكثير من المرات. ولذلك أرى من الضروري من باب إعلام الإعلام ومن غير أن نستعمل بطاقة ورقية أو مغناطيسية قد تكون مزيفة ولا تمكننا من فتح هذا الباب، فإننا نطرق بأيدينا الباب الثالث المتعلق بسلطة الضبط والباب السادس المتعلق بالمجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة. إن سلطة ضبط الصحافة المكتوبة هي الجهة القانونية الوحيدة دون سواها التي تمنح التراخيص بإصدار النشريات على أساس الشروط التي يشترطها القانون العضوي المتعلق بالإعلام وهي الجهة القانونية الوحيدة أيضا التي يخولها القانون أن تسحب التراخيص من أصحابها وتوقف الجرائد وتمنع الناشرين من الطبع في حالة الإخلال بالشروط والالتزامات. وقد ورد الباب الثالث من القانون العضوي المتعلق بالإعلام تحت عنوان سلطة ضبط الصحافة المكتوبة حيث ينص القانون على إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، وهي سلطة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وتتولى بهذه الصفة تشجيع التعددية الإعلامية والسهر على نشر وتوزيع الإعلام المكتوب عبر كامل التراب الوطني والسهر على جودة الرسائل الإعلامية وترقية الثقافة الوطنية وإبرازها بجميع أشكالها والسهر على تشجيع وتدعيم النشر والتوزيع باللغتين الوطنيتين بكل الوسائل الملائمة والسهر على شفافية القواعد الاقتصادية في سير المؤسسات الناشرة، مثلما تمنع تمركز العناوين والأجهزة تحت التأثير المالي والسياسي والإيديولوجي لمالك واحد، وتقوم بتحديد قواعد وشروط الإعانات والمساعدات التي تمنحها الدولة لأجهزة الإعلام، وبالسهر على توزيعها، مثلما تفرض احترام المقاييس في مجال الإشهار ومراقبة هدفه ومضمونه، وتستلم تصريح الحسابات المالية للنشريات الدورية من غير تلك الناتجة عن الاستغلال، وتجمع كل المعلومات الضرورية من الإدارات والمؤسسات الصحفية للتأكد من ضمان احترام التزامات كل منها، بحيث لا يمكن أن تستعمل هذه المعلومات التي تجمعها سلطة ضبط الصحافة المكتوبة لأغراض أخرى غير أداء المهام التي يسندها إليها هذا القانون العضوي. لقد نص الفصل الثاني من الباب السادس من القانون العضوي المتعلق بالإعلام على إنشاء المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة حيث يكون كل أعضائه منتخبين من قبل الصحفيين المحترفين ويستفيد من دعم عمومي لتمويله. وتتولى الجمعية التأسيسية تحديد تشكيلة المجلس حيث يعد النصوص المتعلقة بالقانون الأساسي والنظام الداخلي والميثاق الشرفي للممارسة الإعلامية والتي يؤدي خرق قواعدها الأخلاقية إلى عقوبات يحدد المجلس طبيعتها ويأمر بتنفيذها ويوضح كيفيات الطعن فيها من قبل الصحفيين قبل أن يجرّ الصحفيون أنفسهم إلى المحاكم! بالتأكيد أن اللجنة الاستشارية التي أشرف وزير الاتصال على تنصيبها من قدماء الصحفيين، ليست هي اللجنة التي تحدد تشكٌيلتها وتنظٌيمها وسٌيرها عن طرٌيق التنظٌيم والتي تصدر البطاقة الوطنية التي تثبت بموجبها صفة الصحفي المحترف. وعلى الرغم من الطابع التقني للجنة الاستشارية التي جعلت الصحفيين الآخرين يحتجون على تركيبتها البشرية والقطاعية، فإننا نأمل تجاوز الحواجز الوهمية بين الأجيال الإعلامية والقطاعات المهنية من عامة وخاصة ومن ورقية وسمعية أو بصرية. خاصة وأن الأسرة الإعلامية يجب عليها أن تتوحد وتجند وتطهر الصفوف من الدخلاء على المهنة ومن كل المزيفين ومنتحلي صفة الصحافة. ولنبدأ في تطبيق القانون ولتكن المادة القانونية التي تثبت صفة الصحفي المحترف هي أول مادة تطبق من القانون العضوي المتعلق بالإعلام. إنها هي المدخل الحقيقي للقضاء على الفوضى الإعلامية التي حولت القطاع إلى إقطاع ورجال لأعمال الوهميين إلى رجال إعلام مزيفين !!!… إذا كانت قد ضاعت سنة من غير أن يتم تنصيب لجنة ضبط الصحافة ومن غير أن يتم تنصيب المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة، فلا يجب أن نضيع سنة أخرى في الحديث عن لجنة البطاقة الوطنية للصحفي المحترف، بل يجب أن ننتقل إلى الجانب العملي مادامت هذه البطاقة تمكن الأسرة الإعلامية من تحقيق سلطتهم التأسيسية التي سوف تنتقل بهم من تأسيس الإعلام إلى الإعلام المؤسس الذي يتم في إطار المؤسسات الإعلامية التي نفتقر إليها حيث أننا نستطيع صباح كل يوم أن نحصي أكثر من مائة جريدة يومية في الجزائر، لكننا هل نستطيع أن نحصي مؤسسة إعلامية واحدة خاصة بعدما تعددت الجرائد الورقية التي تحولت هي الأخرى إلى قنوات فضائية تفتقر هي الأخرى إلى سلطة للضبط في المجال السمعي البصري على غرار سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وإلى مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة التي أصبحت تمارس خارج الأحكام القانونية والقواعد الأخلاقية. إبراهيم قارعلي إعلامي وبرلماني سابق/مقرر لجنة الثقافة والاتصال