في مثل هذا اليوم من سنة 1988، أعلن رمز النضال الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات قيام دولة فلسطين المستقلة من الجزائر، التي أثبتت بأن وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة - التي هي كذلك قضية كل العرب والمسلمين وكل الأحرار في هذا العالم - ليس مجرد خطابات رنانة وشعارات جوفاء، لكن موقف ثابت تتحمل تبعاته بكل مسؤولية. إن التزام الجزائر بمساندة القضية الفلسطينية ومساندة شعبها الشقيق في كفاحه من أجل استرداد أرضه المسلوبة من طرف العصابات الصهيونية المدعومة من القوى الكولونيالية التقليدية والمعاصرة - التي زرعت هذا الكيان العنصري الإرهابي - لا يعبر عن مرحلة عاطفية عابرة أملتها أحاسيس ظرفية، لكنه التزام يستمد روحه من أبعاد متعددة لا تختصر في الدين والانتماء فقط ولكن تعني كذلك التمسك بمبادئ الإنسانية جمعاء التي ترفض الظلم والعدوان من أيّ كان وفي حق أي كان. لهذا، فإن الاصطفاف خلف الشعب الفلسطيني هو واجب وأمانة حملتنا إيّاها مبادئ ثورة أول نوفمبر المجيدة التي خاضها الشعب الجزائري من أجل التخلص من استعمار استيطاني استدماري لا يختلف في شيء عن الاستعمار الإسرائيلي الذي مازال يقوم بممارسات تذكرنا بممارسات الاستعمار الفرنسي الذي سلب أرضنا قبل ذلك وأهداها لعصابات المدمرين (المعمرين)، كما يحصل اليوم تماما مع الشعب الفلسطيني، الذي طرد من أرضه إلى مخيمات اللجوء على يد العصابات الصهيونية المدعومة من الإنجليز آنذاك تنفيذا لوعد مقيت (بلفور) - أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق - ومن الخطإ الاعتقاد أن وعد بلفور انتهى بمجرد إنشاء هذا الكيان الصهيوني، فبعد تسليم الأرض بدأت مهمة حماية هذا الكيان ورعايته إلى اليوم. ويتواصل تأييد تطرفه ومروقه على الشرعية الدولية ويستمر عبر كذلك عبر التغطية على ممارساته الإجرامية الإرهابية في حق الشعب الفلسطيني. لا أحد يشكك في أن الحق سيعود إلى أصحابه طال الزمن أم قصر، فإسرائيل بإمكاناتها الدعائية والمادية الضخمة ودعم كبار العالم لها، فشلت على مدار 60 عاما في إلغاء الفلسطيني من القاموس، بل أن أحفاد من شردتهم ونكلت بهم وعملت كل شيء من أجل أن ينقرضوا، هم الذين يقارعونها اليوم بالحجارة وحجارة الطفل الفلسطيني هي التي تقضّ مضجع إسرائيل وتحرجها، وهذا يكفي للتأكيد أن المشروع الصهيوني في المنطقة لم ينجح وأن الغطرسة والطغيان عمرهما قصير مقارنة بحسابات أعمار الأمم والشعوب وأن الذي يبقى ويستمر هو الحق، لأنه لا يحتاج إلى استعراض العضلات، لأنه كأشعة الشمس يمكن أن تغمض عينيك لكي لا ترها ولكن لا يمكن أبدا أن تحجبها عن الآخرين. في الأخير، هناك حقيقة لابد من التذكير بها وهي أن الجزائر لحقها الكثير من الأذى وحيكت ضدها الكثير من الدسائس والمؤامرات بسبب مواقفها الثابتة تجاه القضايا العادلة عموما والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، ومواقف أخرى رافضة للحملة النيوكولونيالية الجديدة ودبلوماسية الاحتجاج التي انتهجتها الجزائر ولا تزال أزعجت وتزعج. في حين أصبحت فيه الإهانة في العلاقات الدولية تأخذ المزيد من المساحة ولم يكن ذلك لولا وجود قابلية أكبر للإهانة، وبالفعل من يهن يسهل الهوان عليه، كما قال المتنبي في أحد أشعاره.