أعطى قانون المالية التكميلي أهمية قصوى لمحاربة الغش الجبائي والجمركي، وتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج، و ما يترتب عنها من تداعيات تضر بحركة التداول المالي والاستثمار المباشر المنتج للثروة والعمل، وهو استثمار يعد البديل الأوحد للإقلاع الاقتصادي الوطني، والخروج من حالة الندرة والكساد إلى الإنتاج الموسع، الذي لا يكتفي بتلبية الحاجيات الوطنية، بل التصدير إلى أبعد أفق باستغلال ما يمنحه اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي من مزايا و إغراءات تزيل جزئيا أو كليا الاكراهات الجمركية. ويشجع هذا الاتجاه انضمام الجزائر إلى الفضاءات التجارية الحرة والمناطق الاقتصادية، منها المنطقة العربية للتبادل الحر في انتظار المنظمة العالمية للتجارة. وشددت التدابير الجديدة في قانون المالية التكميلي الذي يمنح الأولوية الكبرى للاستثمار على الاستيراد، ورشادة النفقات العمومية وصرامتها على علاقة التقاسم الوظيفي بين المؤسسات والهيئات المعنية بمكافحة الغش والتهريب، دون ترك المسؤولية واقعة على واحدة دون أخرى تطبيقا للقاعدة السلبية ڤأنا الكل في الكل'' أو هذا من اختصاصي وصلاحياتي و لا أقبل أحدا مشاطرتي فيه. وظلت هذه القاعدة تتبع في مراحل سابقة بصفة لم تسمح بمحاربة الغش الجبائي والتهرب المالي. وبرزت شروخ وفجوات حولت من خلالها رؤوس أموال كبيرة للغاية بصفة غير قانونية للخارج، محدثة نزيفا حقا في العملة الوطنية. وظهرت الإدارات والمؤسسات التي تعمل على انفراد في محاربة الجرائم الاقتصادية، التي تفشت في فترات سابقة كالطاعون، عاجزة عن تأدية المهمة على أحسن حال وأوفر ظرف. وكشفت عن محدوديتها في تطهير السوق من هذه الآفة التي نخرت الاقتصاد الوطني من الداخل و أضرّت بسيولة السوق المالية. ولم يعد مقبولا الاستمرار في هذا الوضع غير الطبيعي بالمرة، والتمادي في النظر إليه بنظرة استخفاف واستصغار كأن شيئا لم يكن، وزادت من الطرح البديل الذي يفرض تكاثف الجهود و تقاسم المسؤولية بين الهيئات المعنية بمحاربة الغش والتهرب الجبائي والجمركي والمالي، رغبة السلطات العمومية في تطهير المحيط الاقتصادي من السماسرة والمتطفلين، وبناء اقتصاد سوق حقيقي شفاف يكون فيه التنافس بين المؤسسات على ما هو أنفع وأجود بعيدا عن التحايل والانحراف. وعزز هذا الطرح الأزمة المالية العالمية التي تطغى بثقلها على اقتصاديات المعمورة بلا استثناء، وحتمت على الجزائر انتهاج الواقعية والصرامة في النفقات وسد فجوات تحويل رؤوس المال بلا وجه قانوني وشرعي. وهنا جاءت التدابير الجديدة من أجل تعزيز العمل المشترك للسلطة النقدية والبنوك والجمارك ومصالح التجارة والضرائب في تطبيق قانون قمع الغش، ومحاولات تبييض الأموال بطرق ملتوية، وتهريب الرساميل. وهي مسألة تلمس في التجارة الخارجية أيضا أوصت التدابير بتجاوزها بمهنية واقتدار، تشترك فيها البنوك لا سيما بنك الجزائر الخارجي الذي صار طرفا أساسيا في عملية الاستيراد واختيار السلع الأنسب و الأفيد وليس ڤقش بختة ڤ وڤصنع تايوانڤ. لم تعد البنوك في ظل التدابير الجديدة مجرد ممولة للاستيراد من خلال القروض، لكنها صارت شريكا في صفقات الاستيراد و اختيار البضائع ذات الجودة العالية بأقل كلفة، حماية للسوق الوطنية من الأشياء التي لا جدوى منها. لم يعد الاستيراد بين البائع والمشتري لكن تساهم فيه البنوك التي دخلت على الخط. وترافق المستورد الجزائري بمنح القرض والاستشارة حول الخدمة والسعة التي للجزائر الحاجة الملحة لها و تحمل قيمة استراتيجية. وبهذه الطريقة يصبح للبنوك دور متعاظم في استقامة أمور التجارة الخارجية ومتابعتها مباشرة، بصفة تضمن السير الحسن للعملية الاقتصادية وضمانها من الغش والتهرب المالي تحت أي شكل وذريعة.