«الإسلاموفوبيا» مفهوم يَعني حرفيا الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، إلاّ أنه في الواقع نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين. السّياق التّاريخي يُرجع مؤرّخو الحقبة الاستعمارية أول استعمال لمفهوم «الإسلاموفوبيا» - الذي يعني «رُهاب الإسلام» أو الخوف المرضي من الإسلام - إلى بدايات القرن العشرين. فقد استعمل علماء اجتماع فرنسيون هذا المفهوم لوصف رفض جزء من الإداريين الفرنسيين ومعاداتهم للمجتمعات المسلمة التي كانوا يتولون إدارة شؤونها في زمن الاحتلال، ويُفترض أن يتعايشوا معها ويندمجوا في أنساقها الاجتماعية، نظرا لما تُمليه المهام الإدارية والسياسية المسندة إليهم. والواقع أنَّ ذلك الرفض وتلك الكراهية مصدرهما عنصري بالدرجة الأولى، ثم ثقافي ونفسي مردُّه إلى الخطاب الاستعماري نفسه الجاهل بالإسلام والمخوف منه ومن المسلمين، بحكم سابقِ ريادةِ الحضارة العربية الإسلامية للعالم في القرون الوسطى. الاسلاموفوبيا والعنصرية.. وجهان لعملة واحدة ازدهر مفهوم الإسلاموفوبيا في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، وتحديدا إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 التي وقعت في الولاياتالمتحدة وتبناها تنظيم القاعدة الارهابي، وأحدثت تحوّلا نوعيا في واقع العلاقات الدولية واحتُل إثرها بلدان إسلاميان هما العراق وأفغانستان. وقد أعاد ذلك طرح إشكالية المواجهة بين الإسلام والغرب التي بشَّر بها عددٌ من المفكرين الغربيين منذ نهاية الحرب الباردة، إذ روّجوا لبروز الإسلام باعتباره عدوا جديدا للغرب بدلا عن الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفياتي، وروَّج بعضهم لفكرة انتهاء «الخطر الأحمر» الشيوعي وبروز «الخطر الأخضر» الإسلامي. في عام 2005، دخل مفهوم الإسلاموفوبيا إلى المعاجم الفرنسية التي عرفت الإسلاموفوبيا كالتالي: «شكل خاص من الحقد موجّه ضد الإسلام والمسلمين، يتجلّى بفرنسا في أفعال عدائية وتمييز عنصري ضد المهاجرين المنحدرين من أصول مغاربية». إذن، يبدو التّداخل جليا بين المشاعر العنصرية ضد المهاجرين وكراهية الإسلام. ويُحيل هذا المعطى على الربط الآلي بين الانتماء العرقي والانتماء الديني. اليمين المتطرّف..خطاب تحريضي ضد المسلمين نما مع ظهور الإسلاموفوبيا - في كثير من الأقطار الغربية - خطابٌ سياسي يميني متطرّف يسعى بشكل حثيث إلى استثمارِ الوضع الدولي المترتب على هجمات 11 سبتمبر، وما اتّسم به من خطابٍ إعلامي معادٍ للإسلام، والواقع الاجتماعي في الغرب وما يُميزه من مشاكل الهوية والاندماج خاصة بالنسبة للمسلمين والعرب. وفي ضوءِ هذه العوامل، نشأ شعورٌ عنصري مناوئ للمسلمين والعرب وللإسلام، أذكاهُ الجهل المستحكم بالإسلام لدى فئات واسعة من المجتمعات الغربية، وخطابٌ محرض لدى بعض وسائل الإعلام وآخر متهافت وجاهل بالإسلام لدى أكثر المنابر الإعلامية اعتدالا. سعت الأحزاب اليمينية المتشدّدة و»الشّعبوية» إلى استثمار المناخ اللاحق على هجمات 11 سبتمبر في تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين وتوظيفه لغايات انتخابية، فظهرت شعارات منها أسلمة أوروبا والتهديد الإسلامي الخفي، وغير ذلك من الشعارات التي وفّرت لليمين المتطرف خطابا مسموعا عوضه عن ضعف خطابه السياسي ومحدودية البدائل الاقتصادية والاجتماعية التي يُقدمها. تجلّت نتائج هذا الخطاب في تنامي الأعمال العدائية ضد المسلمين والعرب وفي حق المساجد ومقابر المسلمين التي تعرضت للتدنيس في أكثر من مناسبة، كما ظهرت مجموعات من شبان اليمين تعتدي بشكل منظم ومنهجي على المسلمين في شوارع وأزقة المدن الأوروبية كلما سنحت لها سانحة. تأجيج خطاب الكراهية وأجّجت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2007 موجة الكراهية ضد المسلمين، وبات اليمين المتطرّف يُروّج لفكرة ظالمة مفادها أنّ الهجرات القادمة من شمال إفريقيا والشّرق الأوسط هي سبب الأزمة، وأنّ هؤلاء المهاجرين باتوا يُزاحمون الأوروبيين الأصليّين في الحصول على فرص ويُكلّفون الميزانية العمومية نفقاتٍ باهظة، وفي نفس الوقت يبنون مستقبلهم في بلدانهم الأصلية عبر استثمار ما يجنونه في المهجر. ومع موجات اللّجوء الكبرى القادمة من سورياوالعراق ودول آسيوية عبر تركيا عام 2016، ازدهر خطاب الكراهية من جديد، وكشفت قراراتُ عددٍ من الدول بإغلاق حدودها مع اليونان ودول البلقان نزعة دفينة للشعور القومي الذي سبق له أن جرَّ على أوروبا ويلاتٍ لا تُحصى.