الصّدمة المالية لم تحد من استمرار وتيرة النّشاطات الاستثمارية خيارات متكاملة ومنسجمة في ظل ترشيد النّفقات وحسن تدبير الشّأن العام حافظت الجزائر على توازنها الاقتصادي والمالي في سنة 2016 بعد سنتين من انعكاسات أزمة انهيار أسعار البترول. ولم تمنع الصّدمة المالية الخارجية استمرار وتيرة النشاطات الاستثمارية، التي تواصلت طيلة السنة التي شهدت إنجاز مكاسب أخرى تعزز الحصيلة الوطنية للتنمية الشاملة. لم يكن هذا التوجه من فراغ إنما كان نتيجة اعتماد خيارات متكاملة ومنسجمة تحت عنوان ترشيد النفقات، وحسن تدبير الشأن العام وفقا لورقة طريق ذات أولويات ناجعة. كانت سنة 2016 مليئة بمكاسب اقتصادية معتبرة بالرغم من إلقاء الصدمة المالية الخارجية بتداعياتها على الاقتصاد الوطني وانعكاساتها السلبية على مؤشرات الأداء، الذي سجّل ديناميكية ولو بوتيرة متواضعة على مسار بناء اقتصاد متنوع وإنتاجي غير مرتبط عضويا بالمحروقات. المنتدى العالمي للطّاقة واجتماع «أوبيك» ينعشان السّوق وبالفعل برزت مؤشّرات خضراء في قطاعات أساسية بعد أن دخلت مرحلة الخطر، وأهمّها النجاح الكبير الذي حققه المنتدى العالمي للطاقة الذي احتضنته الجزائر، خاصة من خلال الحضور المكثف والنوعي، فكان مناسبة جديرة بالتوقف عند نتائجها لانعقاد اجتماع كبير لمنظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبيك»، تحوّل من لقاء غير رسمي إلى اجتماع رسمي توصّل إلى اتفاق الجزائر المتضمن توافق الأعضاء على تقليص الإنتاج لامتصاص الفائض في السوق، وإنقاذ معادلة الأسعار من اتجاهها للانهيار الذي بدا في منتصف سنة 2014. وأجمع الأطراف كافة على أنّ الدور البارز والفعّال الذي قامت به الجزائر على مختلف المستويات كان بمثابة القاطرة التي أخرجت المنظّمة من دوامة اختلافات عميقة، كادت أن تدفع بها إلى الهامش بينما بدأت آثار التراجع الكبير لسعر برميل النفط تطال اقتصاديات العديد من البلدان بما فيها ذات القدرة الإنتاجية الهائلة. وكانت السنة التي تطوي آخر أيامها منعرجا انفتح على أفق رحب تمّ تتويجه بتكريس اتفاق الجزائر في اجتماع فيينا أواخر نوفمبر بمشاركة بلدان من خارج «أوبيك» ليحقّق سعر البرميل إثر ذلك قفزة ملموسة متجاوزا 55 دولارا، وزاد النجاح قوة بقبول البلدان المنتجة داخل وخارج المنظمة الالتزام باحترام ورقة الطريق، خاصة ما يتعلق بالحصص الموزعة لتخفيض الإنتاج بإشراف لجنة المتابعة. وفي هذا الإطار، لاحت في أفق السوق البترولية ملامح تعافي الأسعار التي تشكل حولها إجماع بضرورة تجاوز الخلافات بين بعض الدول، ومن ثمة إعادة تصحيح المعادلة وفقا لمصالح المنتجين والمستهلكين، خاصة وأن الشركات البترولية العالمية الكبرى تراجعت في الاستثمار، وأدركت أن تحسّن اتجاه الأسعار يقود إلى انتعاش الاستثمارات وبالتالي تنخرط في الديناميكية التي لعبت فيها الدبلوماسية الجزائرية طيلة أكثر من سنة دورا حيويا لتقريب وجهات النظر، وتذليل الصعوبات التي كانت في بعض الأحيان شائكة، وتطلبت حرصا ومتابعة على أعلى مستوى لإبعاد خيار التوافق عن أي خطر وانجازه في الميدان. الجزائر تلتحم بفضائها الإفريقي عرف الثلاثي الأخير من السنة احتضان الجزائر لتظاهرة تحمل دلالات قوية، ويتعلق الأمر بمنتدى الاستثمار والأعمال الإفريقي الذي دارت أشغاله من 3 إلى 5 ديسمبر بالمركز الدولي للمؤتمرات، مبرزا مدى الإرادة التي تتمسك بها الجزائر لتعزيز التوجه نحو الأسواق الإفريقية من خلال إطلاق مسار التصدير خارج المحروقات. وكانت الفرصة مواتية للمتعاملين الجزائريين من كافة القطاعات للاحتكاك بنظرائهم من مختلف مناطق القارة السمراء من أجل بناء مشاريع بمختلف الصيغ التشاركية في الاستثمار والتصدير، خاصة وأن الجهاز الاقتصادي المحلي يتوفر على إمكانيات ذات جودة وتنافسية في عدد من القطاعات، تتقدّمها الصناعة التحويلية الغذائية والكهرومنزلي والالكترونيك والأدوية والعروض السياحية الجذابة، إلى جانب الصناعة الميكانيكية الناشئة وفروع أخرى يمكن الرهان عليها في التوغل في أدغال الأسواق الإفريقية إذا ما رافقتها البنوك وأدوات التعريف والتسويق، خاصة منها الممثليات الدبلوماسية التي تمثل الحلقة الحاسمة في انجاز تلك الأهداف. وبالفعل التحمت الجزائر بفضائها القاري الإفريقي من خلال إطلاق بوابة التصدير، وتأسيس مشاريع استثمارية ينتظر أن تتجسد في المدى القصير بانخراط المؤسسات الجزائرية في العملية تحسبا لمواجهة التحديات المصيرية التي تفرضها عولمة الاقتصاد وهيمنة الشركات العابرة للحدود مدعومة بدولها التي تضع الأسواق الناشئة في صدارة أولوياتها، ومن ثمة عرقلة أي بروز لمنافسين لها، الأمر الذي يحتم على المتعامل الجزائري الارتقاء إلى مستوى تلك التحديات بإدراك مدى التحولات الاقتصادية التي تمثل فيها المبادرة وتحقيق القيمة المضافة، ودراسة الأسواق العنصر الحاسم. وكان المنتدى - خارج ما أثارته بعض التصرفات غير السليمة - أرضية حقيقية تنطلق منها المؤسسة الجزائرية باتجاه أسواق هي في المتناول، ويمكن كسب ثقتها باعتماد الاحترافية والانفتاح محليا وإقليميا ضمن مجال المبادرة المفتوحة، والشعور بالمسؤولية الاقتصادية في مثل هذا الظرف الذي يضع المتعامل والمستثمر وصاحب المؤسسة دون تمييز بين العام والخاص في مقدمة جبهة إنتاج الثروة واقتصاد النفقات وحسن إدارة المشاريع والصفقات.
حركية مشاريع السّياحة في انتظار مردوديتها وشكّلت السياحة في هذه السنة محور اهتمام من أجل تمكين القطاع من تدارك الوتيرة المطلوبة للنمو ومساهمته في تحسينه من خلال إعادة تصويب المعادلة غير المتوازنة بين ارتفاع جانب تصدير السياح مقارنة بجلبهم إلى السوق الجزائرية. وتشهد هذه الأخيرة جملة مشاريع إنجاز لمؤسسات وهياكل فندقية ومنتجعات، إلى جانب إطلاق عمليات تأهيل إعادة تهيئة سلسلة من المؤسسات والمركبات العمومية بتخصيص موارد مالية ينبغي أن تصب في صلب المشاريع وإخضاعها للمتابعة والتدقيق. وعلاوة على تسليط الضوء على العقار السياحي ومناطق التوسع التي عانت من ممارسات أعاقت تطور القطاع واستهجنها بعض القائمين على القطاع، تعزّزت المنظومة السياحية بهياكل بمختلف جهات البلاد في انتظار أن تكتمل أخرى جار إنجازها، سوف توفر عند تقاطعها جميعا سوقا تنافسية تنعكس على جودة الخدمات التي تحتاج إلى ترويج فعال يثمّن المؤشرات الايجابية لالتقاط الخيط المفقود في السوق العالمية للسياحة، حيث تحقق بعض الوجهات التي تنافسها وجهة الجزائر بكثير عوائد مالية هائلة يمكن انتزاع جانب منها إذا ما تحولت السياحة إلى الطليعة بتحسين الخدمة وضمان الوفرة وتنافسية الأسعار. قانون المالية وإنعاش النمو تميّزت السنة المالية 2016 بضمان التوازنات الكلية رغم تراجع الإيرادات، ولم يتم اللجوء إلى اعتماد قانون مالية تكميلي في إشارة لسلامة الوضعية المالية، خاصة من حيث القدرة بالعملة الصعبة وضعف المديونية الخارجية التي عاد الحديث عنها في هذه السنة، لكن إذا ما تمّ اللجوء إليها فبحذر وضمن رؤية إستراتيجية واضح المعالم تفاديا لآي انزلاق قد تقود إليه قرارات غير محسوبة. في ظل كل هذا المناخ المتداخل بين توجهات تدفع نحو الانتعاش على درب النمو بفضل خيار الاستثمار ومواصلة تجسيد المشاريع التي انطلقت، وأخرى تطلق إشارة حمراء للإنذار المبكر نتيجة قوة الصدمة المالية الخارجية وتداعياتها، خاصة منها انكماش احتياطي العملة الأجنبية وتراجع قيمة العملة الوطنية في السوق الموازية للصرف بشكل فاق كل توقع، أثار قانون المالية الجديد جدلا واسعا على مختلف المستويات من المواطن إلى الخبراء مرورا بالإعلام، الذي شكّلت أحكام ذلك القانون مادة يومية لوسائله بالنظر لتشدد بعضها. وشكّل اعتماد سعر برميل النفط ب 50 دولارا نقطة تحول في فلسفة إعداد قانون المالية، بحيث يضع الجهاز الاقتصادي أمام مسؤولياته والحد من الاعتماد المفرط على إيرادات النفط. لذلك فإنّ قانون المالية خارج أحكامه الصادمة للمواطن من خلال بعض الرسوم والأعباء يضع المتعامل الاقتصادي في منعرج البقاء والديمومة أو الاختفاء إذا لا يوجد مستقبلا أي لجوء لإعادة تقييم والمشاريع أو نجدة المؤسسات المتعثّرة أو تغطية اختلالات في التسيير. وألقى قانون المالية منذ الخريف وبمجرد ظهور أولى الأحكام في مسودّة المشروع بظلاله على المشهد في ظل تخوفات البعض وتردّد البعض الآخر، قبل أن يتم ضبط الوثيقة في إطارها المنسجم مع خيار ترشيد النفقات، وعقلنة استعمال الموارد المتاحة وليس التقشف الذي يعطل مسار النمو، ولا ينبغي أن يتسلل إلى الساحة بفضل انتباه ويقظة المتعاملين والمؤسسات الذين يستفيدون من الظرف رغم صعوباته، ومطالبون بتحقيق الأهداف المسطرة بإنتاج القيمة المضافة، وتجسيد المشاريع الإنتاجية ضمن الرؤية المحددة لضامن انتقال سليم ومتين إلى العام المقبل، الذي يرتقب أن يكون المحك لمدى قدرة النسيج الاقتصادي بكافة أجنحته الصناعي، الفلاحي، الخدماتي، السياحي والمالي على تجاوز المرحلة دون فقدان للتوازن.