عادت كرة القدم الجزائرية الى الواجهة في المنافسات الدولية في المدة الأخيرة، بفضل العمل المنظم والاستراتيجية التي تم اعتمادها، حيث أثمرت المجهودات الكبيرة التي بذلت بتأهل المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة الى المونديال، وكذا تألق المنتخب الوطني للأكابر في التصفيات المؤهلة لكأس العالم وهو الآن على بعد خطوة واحدة لتحقيق حلم الجزائريين في رؤية »الخضر« للمرة الثالثة في أكبر تجمع عالمي لكرة القدم المقرر في جنوب إفريقيا. وبعودة كرة القدم الجزائرية الى هذا المستوى، يمكن القول أنه تم تحقيق مقولة خير خلف لخير سلف، لأن هذه الرياضة أعطت الكثير للجزائر منذ سنوات عديدة، وكانت في القمة دائما. فالتحدث عن كرة القدم في الجزائر، فلا بد أن نذكر فريق جبهة التحرير الوطني الذي ساهم في اسماع صوت الثورة التحريرية في مختلف أنحاء العالم، كونه كان يضم خيرة اللاعبين آنذاك في البطولة الفرنسية، على غرار كرمالي ومخلوفي، معوش، سوكان 1 و ,2 إليكان، بوبكر، زيتوني... الذين تركوا الشهرة والمال وتوجهوا الى تونس لتشكيل فريق جبهة التحرير الوطني، الذي لعب في العديد من دول العالم لإسماع صوت الثورة التحريرية وكانت محطات تاريخية عديدة لهذا الفريق الرمز. وبعد الاستقلال ساهم هؤلاء اللاعبين، أي عناصر فريق جبهة التحرير الوطني في اعطاء أرضية صلبة لكرة القدم في الجزائر باستمرارهم اللعب في الفرق بالجزائر والتدريب معا، قبل أن يتفرغوا للتدريب بصفة كلية في السبعينيات، أين بدأت الثمار الأولى للنتائج المحققة في كرة القدم الجزائرية... ميدالية ألعاب البحر المتوسط... وكان أكبر انجاز لكرة القدم في الجزائر، الفوز بالميدالية الذهبية لألعاب البحر الأبيض المتوسط عام ,1975 حيث كان الفريق الوطني تحت قيادة المدرب رشيد مخلوفي الذي كان مهندس التتويج في مباراة تاريخية بملعب 5 جويلية أمام المنتخب الفرنسي، وكان الفريق الوطني يضم لاعبين ممتازين على غرار بتروني، كاوة، منقلتي، سرباح، إيغيلي، معزيز، عدو. فقد قام هذا الفريق بعمل كبير ودورة مميزة، كانت بمثابة التتويج الكبير الأول لكرة القدم الجزائرية على الصعيد الدولي، وكانت الانطلاقة الفعلية من الناحية النفسية التي ستعطي فيما بعد الدفع القوي للأندية والفريق الوطني معا في تحقيق انجازات أخرى. خاصة وأنه بعد عام فقط استطاع عميد الأندية الجزائرية (مولودية الجزائر) من تحقيق أول كأس إفريقية للجزائر عام 1976 في أمسية لا تنسى في ملعب 5 جويلية أمام حافيا كوناكري، وكان بطل السهرة مرة أخرى اللاعب عمر بتروني، كما حدث في عام ,1975 عندما سجل هدف التعادل في الدقيقة الأخيرة. واستمرت النتائج الباهرة، بدأت بودار تشكيل فريق وطني قوي في نهاية السبعينيات ببروز العديد من اللاعبين المميزين على غرار بلومي، عصاد، بن شيخ، سرباح، مرزقان الذين يطبقون كرة جميلة في أنديتهم وكذا في الفريق الوطني الذي تألق في الألعاب الإفريقية لعام ,1978 أين تمكن من تحقيق الميدالية الذهبية في دورة كرة القدم عندما فاز على نيجيريا ب (10) وتحت قيادة المدرب الكبير رشيد مخلوفي، حيث كانت استمرارية منطقية للعمل المنجز، خاصة وأن »الخضر« أكدوا على ذلك في ألعاب البحر الأبيض المتوسط بسبليت، أين تألقوا بشكل باهر وأقصيوا في الدور النصف النهائي للمنافسة، لكن كانوا أحسن فريق كرة قدم جميلة في مختلف النواحي. أول مونديال في اليابان وفي نفس السنة حضرت الجزائر لأول مرة في المونديال على مستوى الأواسط، أين استطاع المدرب كرمالي من تحقيق هذا الانجاز بفريق كان يتشكل من لاعبين لهم مستوى كبير أمثال بويش، ياحي، منادي، عصماني... ولعب مباريات جيدة وتأهل الى الدور الثاني. وبعد عام من لعب مونديال طوكيو للأواسط، تمكن الفريق الوطني من تحقيق تأشيرة لعب أول أولمبياد له، وكان ذلك في 1980 بموسكو، وصعد الى الدور الثاني بقيادة المدرب خالف محيي الدين، وكان أحسن لاعب في المنتخب الوطني لخضر بلومي، الذي أبهر المتتبعين بفنياته العالية. وحقا، كانت ثمار العمل تتضح مع مرور السنين وكانت في منحى تصاعدي، فقد توج هذا العمل حيث تمكن الفريق الوطني من توقيع أول انجاز مؤدي الى مونديال الأكابر، حيث تمكن من الفوز على نيجيريا في الدور الأخير من الاقصائيات ذهابا وإيابا، وتأهل الى مونديال إسبانيا عام ,1982 وكان طاقم التدريب مكون من روغوف، سعدان ومعوش، في حين أن خالف هو الذي قاد الفريق الوطني في كأس العالم، أين حقق زملاء ماجر، بلومي، عصاد، زيدان إنجازا تاريخيا حين فازت الجزائر على ألمانيا في المباراة الأولى، ولولا المقابلة المرتبة بين ألمانيا والنمسا لكانت الجزائر قد تأهلت الى الدور الثاني. واستمرت الانجازات والمستوى الكبير للنخبة الوطنبة، حيث أن الفريق الوطني حافظ على مستواه وبقي في قمة الهرم على المستوى القاري وكسب التأشيرة الثانية المؤدية الى المونديال المكسيكي لعام ,1986 وكان قد سحق نظيره التونسي في الدور الأخير ب (41) و (30) بفضل عصاد، مناد، بلومي، ماجر، قندوز، قاسي سعيد، وبقيادة المدرب رابح سعدان، وخلافا للمشاركة الأولى، فإن الفريق الجزائري لم يقدم دورة مميزة، رغم أن المقابلة التي أجراها أمام البرازيل تبقى في ذاكرة الملايين من المتتبعين للكرة في العالم، لأن اللعب البرازيلي في تلك المباراة كان من الجانب الجزائري. تتويج قاري باهر عام 1990 وبعد أن أخفق الفريق الوطني في تحقيق التأهل للمرة الثالثة على التوالي الى المونديال، رغم المستوى الكبير الذي كان يميزه، تم التركيز على كأس إفريقيا التي نظمت لأول مرة بالجزائر عام ,1990 فالفريق الوطني كان يضم آنذاك كل من ماجر، مناد، عماني، سرار، أدغيغ، شريف الوزاني، مغارية الذين أبهروا المتتبعين بقيادة المدرب كرمالي، وفازت الجزائر بأول لقب قاري لها على مستوى المنتخب الوطني للأكابر، وكان النهائي أمام نيجيريا صعبا، تمكن الهداف وجاني من توقيه هدف الفوز ليكتب اسم الجزائر بأحرف من ذهب على سجل هذه المنافسة، رقم واحد في القارة السمراء. واجتاز المنتخب الوطني بعد ذلك فترة صعبة، رغم أنه كان يتأهل باستمرار لنهائيات كأس إفريقيا للأمم، إلا أنه لم يحققق انجازات كبيرة ولم يصل الى المونديال لفترة طويلة، قبل أن يعود بقوة في السنتين الأخيرتين ويطرق أبواب كأس العالم بقوة، بفضل تشكيلة مثالية تضم لاعبين ممتازين أمثال: بوقرة، صايفي، بلحاج، حليش، قواوي، غزال، يبدة، زياني، مغني، بزاز، وبقيادة المدرب رابح سعدان. ويستعد الفريق الوطني لخوض مباراة مصيرية بمصر أمام المنتخب المصري في وضعية جيدة للفريق الجزائري الذي يحتل المركز الأول في المجموعة ويحوز (3) نقاط كفارق على نظيره المصري، وعزيمة الفريق الجزائري قوية للعودة بتأشيرة التأهل من القاهرة يوم 14 نوفمبر. وفي نفس الوقت يجري الفريق الوطني لأقل من (17) سنة دورة مونديالية من الطراز العالي، حيث أكد مرتبته الثانية قاريا، وأبدع في مباراته الأولى أمام إيطاليا رغم خسارته (10) بفضل فنيات رائعة للاعبيه أمثال شرشار وبزاز وخليفي وحمار، ولعب مباراة ثانية جيدة أمام الأوروغواي، لكنه خسر مرة أخرى، لكن الغاية هي أن هذا الفريق سيكون له شأن كبير في المستقبل بفضل استراتيجية تعتمد على التكوين، كون فريق أقل من (17) سنة يعمل منذ (3) سنوات في أكاديمية الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، وهذه الخطة أعطت ثمارها حتى أن عدة مسؤولين على المستوى العالمي تحدثوا عن آداء المنتخب الجزائري في هذا المونديال الجاري بنيجيريا، وعلى رأسهم رئيس الكاف عيسى حياتو الذي لم يضيع الفرصة للتحدث عن الفريق الجزائري وامكانياته الكبيرة. حصاد وفير للأندية ولم تكن انجازات الكرة الجزائرية على مستوى المنتخبات فقط، وإنما كانت الأندية دائما في الموعد بداية من تألق المولودية الجزائرية عام 1976 بتحقيق كأس إفريقيا للأندية البطلة. ثم جاء دور شبيبة القبائل عام 1981 التي توجت بنفس اللقب بفضل تشكيلة قوية كانت تضم فرقاني، بلحسن، عبد السلام، وسار فريق وفاق سطيف على نفس الدرب وحقق الكأس الافريقية الثالثة للجزائر في عام ,1988 بقيادة المدرب مختار عريبي ولاعبين كبار على غرار سرار، عجيسة، زرقان وفي نفس السياق واصلت شبيبة القبائل تألقها وتوجت عام 1990 بكأس إفريقيا ثانية بلوزاكا، قبل أن تتوج بكأس إفريقيا للأندية الحائزة على الكأس في عام ,1995 وكذا (3) كؤوس متتالية لكأس الكاف (2002 ,2001 ,2000) لتكسب (6) كؤوس قارية. في حين أن مولودية وهران ووداد تلمسان توجا بكأس الأندية العربية بفضل مشوار مميز وكبير. وفي عامي 2007 و 2008 عاد وفاق سطيف الى الواجهة وتمكن من التتويج بكأسين متتاليتين لكأس الأندية العربية في طبعتها الجديدة، مجسدا عودة الكرة الجزائرية الى الواجهة بقوة، والكل الآن ينتظر تأكيد ذلك باقتطاع الفريق الوطني تأشيرة المونديال واجراء وفاق سطيف لنهائي كأس الكاف.