إحساس قوي، حضور قوي وثقافة عالية، هي بعض ما يمكن وصف به الشاعر عبد الرحمان أمالو، الذي بدا لي وكأنه شعاع ظهر وسط ظلام يكتسح الساحة الثقافية التي أصبح فيها المال ومن يكثره هو الأقوى. المتنقل بين صفحات كتابه »كلمات، آلام« يشعر بعاطفة قوية وصادقة، فالكلمات تعكس آلاما يعاني منها المجتمع من وحدة، عزلة، صمت قاتل، تهميش ومعاناة، نقلها الشاعر عبد الرحمان أمالو بكل رقة وصدق ومازاد الكلمات قوّة تلك اللوحات التي ترافق كل أشعاره، فتجد أن الخط يتراقص مع الكلمة ليعطينا خلطة سحرية تكون من القلب وإلى القلب. ولأنه شاعر فرقته، جعلته يفكر في طريقة لجعل شريحة تعيش على هامش المجتمع تستمتع بما يكتب وما ينظم من أشعار، فكانت الكلمات والآلام أيضا في قرص مضغوط، موجه أساسا إلى فئة المكفوفين، فئة نبيلة اهتم بها الشاعر عبد الرحمان أمالو بكل التفاصيل، فكانت الموسيقى من تأليفه وأيضا التقديم كان للمنشط براديو البهجة توفيق رمانة، الى جانب صوت نسائي أراد من خلاله إيصال رسالته بأصوات عذبة، تصل مباشرة الى قلوب المكفوفين الذين وحسب الشاعر عبد الرحمان أمالو يعانون الكثير في وسط لا يعترف بهم كأشخاص يملكون القدرة على التغيير والمساهمة في تشييد وبناء الوطن، فكان حرمانهم سببا في ظهور القرص المضغوط ''كلمات، آلام''، وحتى تسّخر التكنولوجيا في تبليغ الرسالة وسط التسارع الذي يعيشه كل واحد منا في كل يوم، فلا أحد منا يمكنه الجلوس وقراءة شعر أو كتاب، فكان القرص المضغوط لتخفيف حدة الضغوط الاجتماعية والمعيشية التي نعيشها. ولعل أهم ما لفت انتباهي وفاجأني هو تحدث الشاعر في كتابه ''كلمات ، آلام'' عن العزلة والوحدة التي يعيشها المثقف، وصف حالة الاغتراب الثقافي الذي جعله يلجأ الى الصمت والعزلة، لأن لغة التواصل مع الآخر منعدمة، نحن كقراء تعودنا التحدث عن عزلة ووحدة المدمن، المرضى وأشخاص كثيرون من المجتمع، ولكن أن نقرأ أو نسمع عن وحدة النخبة، فهذا ما قل سماعه أو قراءته. فالمثقف الصادق أصبح على الرف وكأنه حدث في لا مكان ولا زمان، لأن اللغة اليوم هي لغة المال والأرباح حتى الثقافة أصبحت عند كثير من الناشرين والمنتجين مجرد وسيلة إقتصادية تدر الكثير من المال، لذلك علينا أن نضم صوتنا إلى صوت الشاعر عبد الرحمان أمالو، لنوجه الشكر الجزيل الى دار النشر ''نونو'' التي ساهمت في إخراج هذا العمل الشعري الرائع الى الواقع وجسدته في كتاب ''كلمات وآلام''. هذا الكتاب الذي كتب باللغة الفرنسية وترجم إلى الانجليزية ومن المتوقع ترجمته أيضا إلى الألمانية العربية والأمازيغية، شارك به الشاعر عبد الرحمان أمالو في المهرجان الإفريقي للشباب الذي احتضنته الجزائر العاصمة مؤخرا، إلى جانب معرض الكتاب الذي أقيم هذا الشهر بالمركب الأولمبي محمد بوضياف، وقد نوّه الشاعر على الإقبال الذي عرفه الكتاب الذي بيعت نسخ منه بالتوقيع الى جانب الحضور القوي للشخصيات الرسمية الذي يعتبر بمثابة تشجيع لكل ماهو صادق ونقي. الشعر الحر الذي يقدمه الشاعر عبد الرحمان أمالو، وإن كان بالفرنسية ويترجم إلى الأمازيغية، فهو عذب وتشعر بصدقه في كل كلمة من كلماته، لذلك أتمنى أن تترجم أشعاره إلى العربية، كي لا يحرم القارئ للحرف العربي من نشوة الكلمة التي أخرجها الشاعر من أعماق آهات المجتمع، فالحرف إن كان عربيا، لاتيني أو أمازيغي، إن كان في يد مثل يد الشاعر عبد الرحمان أمالو، فسيكون بكل صوره بصيص أمل لكل مثقف يريد الرقي الأحسن وسيكون مرآة لا تعكس إلا الحقيقة الصادقة لمجتمع يبحث عن ذاته في صمت قاتل.