أصبحت الساحة الأدبية في الجزائر في السنوات الأخيرة تعيش على وقع العديد من الأزمات والصراعات التي لاتخدم بالضرورة الأدب والأدباء بل تؤثر على مستقبل الساحة الأدبية حيث تشكلت تكتلات مختلفة في العديد من الولايات، خلقت حالة من التصادم داخل الساحة ولعل أكبر أزمة شهدها اتحاد الكتاب الجزائريين الذي يعيش المخاض على وقع صراعات تافهة، ولعل الأسماء غير الفاعلة أصلا في الساحة الأدبية، هي من تخلق هذه الصراعات، وفي هذا الإطار اقتربت جريدة ''البلاد'' من بعض الأسماء ''الفاعلة '' في الساحة الأدبية الجزائرية وطرحت سؤال الراهن والمستقبل في الساحة الأدبية الجزائرية. يوسف شقرة، رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين الراهن الأدبي في الجزائر يعيش المخاض.. بداية الراهن الأدبي في الجزائر يعيش المخاض والتطور في الوقت ذاته وبالتالي البحث عن موقع وموضع ينطلق منه بثبات وثقة لأن الاضطراب الحاصل أثر كثيرا وذبذب المشهد وعرقل الحراك فصرنا نسمع الاتهامات ونرى التصادم والخصام وبالتالي صار القاعدة والعمل والبناء هو الاستثناء، إن الكم الهائل اليوم من المنتوج الأدبي الذي طفا على المشهد في السنوات الثلاث الأخيرة دلالة على عودة الثقة والاستقرار إلى النفس المنهكة وهو مايحمل بشائر الأمل والفرح في مستقبل مشرق خاصة أن المنابر مفتوحة ومتعددة وصارت الأصوات الأدبية تحقق نتائج إيجابية في كثير من المسابقات وحصلت على العديد من الجوائز العربية والدولية ورسمت لها وللجزائر حيزا هاما وافتكت اعترافات مهمة وكونت لنفسها مكانة محترمة تثير اهتمام المختصين الذين أعادوا النظر في كثير من الأحكام والمفاهيم وخلاصة القول أنني بصفتي رئيسا لاتحاد الكتاب الجزائريين متفائل جدا جدا.. الشاعر عبد الحميد شكيل الإقصاء والتهميش يسيئان إلى المشهد الثقافي.. الساحة الثقافية الجزائرية غنية في مناحيها الإبداعية والفكرية وأعني أن النص الأدبي وبقية الأجناس متوفرة وتمتاز بالسمو والجمال والثراء، والبعد الفلسفي والجمالي لكن الذي يشوه هذه اللوحة وينال من سموها هو ذلك الجو الموارب الذي يعمل البعض على جعله قاعدة ثابتة وأقصد ذلك الأسلوب الهجين والشائن الذي لايتماشى ومفهومه الثقافي ومتفرعاته، إن الإقصاء والتهميش والصراعات المفرغة من أبعادها المبدعة كلها تسيء إلى هذه المشهدية وتنال من نمو المشهد وازدهاره خاصة في سياق التحولات التي يشهدها العالم..، علينا أن نفعل هذا المشهد بالمحبة والتواصل والحوار الايجابي، إن الصراعات القائمة في المشهد الثقافي الجزائري هي في أصلها صراعات جماعات لاصراعات قناعات، وعلينا أن نؤسس لثقافة النخب لاثقافة العصب، وبذلك يمكن للمشهد الثقافي أن يخرج من حالة الركود والإقصاء ونذهب معا إلى فضاء المحبة والإبداع الجمالي. أم سارة لسود - قاصة من عنابة غياب النقد أثر سلبا على الساحة الأدبية.. الثقافة ليست مسلوخة عن البيئة العامة فهي تكاد تكون ترجمانا أمنيا لهذه البيئة، ففي ظروف التفاعل الحيوي المقرون بالمبادرات والتجريب يأخذ الفعل الثقافي طابعا حيويا ويتداعى مع المتغير تداعيا إيجابيا، ففي بعض الأمم المتطورة والمتقدمة كل رواية تصدر يسمع عنها كل الناس وتتداوله الأيادي إلا عندنا.. حيث يكتب الكتاب والشعراء فلا يقرأ لهم إلا النخب، وتنظم الملتقيات فلا يسمع بها إلا المختصون حتى أصبح الشعراء يقرأون للشعراء والروائيون يقرأون للروائيين وفي ظل غياب النقد، يطفو على الساحة مرض الهدم حاملا معاول تقزيم كل مبادرة ونكران مودة الكلمة، دعما لتوجيهات أو مساندة خادعة لما يراد له أن يمر ومع ذلك فإن الكلمة حق لاينطفئ. الشاعر مسعود حديبي علينا أن نفتخر بهامش الحرية الذي نتمتع به.. مسعود حديبي هو أحد شعراء السبعينات الذي يكتب بكل صدق وأمانة، كما أنه أحد الشعراء الأكاديميين الحداثيين الذين يدعون إلى التغيير، وقال لنا بدوره إن الساحة الجزائرية راهنا ومستقبلا سؤال شائك، ويحتاج إلى بعض الحذر في الإجابة، وهذا لكون الساحة الأدبية الجزائرية غنية بشتى أنواع الإبداع الذي يضاهي المشهد الأدبي مشرقا وغربا، وما تفتخر به الساحة الأدبية الجزائرية هو هامش الحرية الذي تتميز به عن غيرها، وهي حرية تحسد عليها رغم أن الساحة الأدبية الجزائرية تعاني من غياب النقد، والتشرذم الحاصل في الوسط الأدبي والذي - للأسف - يخضع في كثير من الحالات إلى حسابات الربح والخسارة.. لكن في النهاية أنا متفائل بمستقبل الساحة الأدبية الجزائرية رغم الاختلافات الراهنة التي نتمنى أن تكون ثراء قبل أن تكون تصفية حسابات ومواقف ''عصب وعصابات ''.. نهاد مسعي - أستاذة بجامعة أم البواقي الحركة الأدبية تعيش ديناميكية مستمرة.. في الحقيقة الأمر نجد أن محاولة النبش في مشهدية الراهن الأدبي الجزائري يكشف لامحالة عن سعي لمواصلة سفر الإبداع لكتابة نص الهوية والوقوف عند زادها المعرفي لذلك تتلاحق الإبداعات وتتدافع لتشكل ديكورا يمزج بين أقلام مختلفة ذات توجهات فكرية متباينة تبوصل بوحها وتدشن دلالتها، والحركة الأدبية اليوم في دينامكية مستمرة نحو أفق معرفي وجمالي لكنها لم تنل بعد القدر الكافي من العناية الاهتمام على صعيد المتابعة النقدية، فعزاؤنا إسقاط فعل المقروئية على هذه الحركة لإضاءة لذة الكتابة وقلق الأسئلة. الكاتب عبد المجيد فريقع راهن اليوم هو نتاج الأمس والمصالحة الثقافية ضرورة أعتقد أن الساحة الأدبية في الجزائر تعكس وضعا بائسا لا يختلف بشأنه اثنان وهو نتاج مقدمات بكل تأكيد فمنها مايتعلق بالسياسة الثقافية العامة في البلاد التي تضع المثقف والأديب في آخر اهتماماتها ومنها ما يتعلق بالأديب نفسه فأي مستقبل لأديب لا يقرأ باستمرار ولا يجاري التحولات التي تطرأ على البنى الثقافية والسياسية والفنية، وإني اكتفي هنا بمقاربة سطحية لواقع الساحة الأدبية والقول إن الراهن الأدبي في حاجة إلى إرادة سياسية تشجع المواهب وتثمن الملكية الفكرية وتفتح الآفاق أمام المثقف للانخراط في الشراكة الاجتماعية بمفهومها الواسع ولعل غياب حركة نقدية دائمة كان له الأثر البالغ أيضا في تقهقر النص الشعري وتدني العملية الإبداعية الفنية بشكل عام وقبل هذا وذاك فإن الرهان على مستقبل الساحة الأدبية دون ثالوث الموهبة والثقافة الأدبية والبيئة المشجعة يبقى مجرد كلام لامعنى له فالأمر إذن يحتاج إلى مصالحة ثقافية يسعى كل واحد منا إلى الاضطلاع بمسؤوليته بعيدا عن المداهنة وإلقاء الورود وعقلية الإقصاء.. هذه العدوى التي انتقلت من السياسة إلى الأدب، أعتقد أن أي اثنين عاقلين لا يختلفان في الحكم على الساحة الأدبية الجزائرية بالضعف والهوان في الوقت الراهن وهو بدوره يعكس ضعفا عاما في جل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرهما ولذلك فإن الحديث عن الواقع الأدبي وحده ضرب من العزلة أو البلادة السخيفة فحال الأدب كحال السياسة. الشاعرمحمد قاري - رئيس الفرع الولائي ل ''إ. ك.ج '' لا خير في مجتمع يشجع على فتح دكان ولا يشجع على فتح مكتبة إن الحديث عن الثقافة في الجزائر يدفعنا إلى الذهاب بعيدا والرجوع قليلا إلى الوراء من خلال واقع الثقافة في الجزائر، فلو تتبعنا ورجعنا إلى الوراء بعد الاستقلال وظهور أسماء في الساحة الأدبية حاولت أن تعطي صورة لامعة في الساحة الأدبية وتفعيل الجو الثقافي على المستوى العربي فكانت الحالة السائدة في البلاد نحاول من خلالها إثبات الوجود الثقافي، فكانت تلك الإصدارات والمجلات الأدبية والملتقيات تعكس راهنا ثقافيا لابأس به، ثم تحول هذا المشهد الثقافي إلى انحطاط كان سببه الحالة السياسية للبلاد انعكست سلبيا على الحالة الثقافية على المجتمع، فعدم الاستقرار والعنف انعكس على صورة المبدع والمثقف الجزائري حتى في كتاباته، طموحاته وحتى المشاريع الثقافية التي كانت في غرفة التبريد، ثم أتحسس هذا المشهد الثقافي خاصة تلك الانجازات الثقافية العربية التي تفتخر بها الجزائر. فتلك الإصدارات والأسابيع الثقافية من خلال الجزائر عاصمة الثقافة العربية أعطت صورة جميلة للثقافة في الجزائر.. هي إذن فاتحة خير للبلاد وللمثقفين وللجزائر، وخلاصة القول أن راهن الثقافة في الجزائر كان يبعث على الخير والاستمرار في صنع جيل مثقف لا يؤمن بالعنف والفشل، إذ لا خير في مجتمع يشجع على فتح دكان ولا يشجع على فتح مكتبة أو مقر جريدة أو مجلة.. الشاعر خضير مغشوش الثقافة الجزائرية مصابة بالعقم.. أعتقد بأن مشكلة الساحة الأدبية في الجزائر هي هذه ''الشيخوخة '' التي أصابتها في الصميم، فهناك جيل ما بعد الاستقلال وجيل السبعينات وجيل الثمانينات ثم جيل بداية التسعينات.. وهنا توقفت الساحة الأدبية عن إنجاب أدباء جدد تتوفر فيهم كل مواصفات الجدية والجودة والموهبة التي كانت تتوفر لدى كتاب الأجيال السابقة، فالأدباء المبتدئون الحاليون لا يحملون رؤى فنية يمكن أن تصقل مواهبهم مستقبلا إلا فئة قليلة جدا لا تكاد توجد، وهو ما يدفعنا إلى إطلاق إشارات تشاؤم حول مستقبل الساحة الأدبية، كما أن فكرة '' لا جدوى الأدب '' قد بدأت تتسرب إلى عقول الكثير من مبتدئينا، وهي مشكلة تضاف إلى المشكلات التقليدية مثل عدم إتقان اللغة والموسيقى الشعرية والرؤى والصور الإيحائية. وبالتالي فأنا أدعو مديريات الثقافة والجمعيات الناشطة في المجال الأدبي إلى الاهتمام بالناشئة والعمل على اكتشاف جيل آخر جيد ومتكون يخلف هذه الأجيال السابقة حتى يمكن أن تخلف جيلا قادما يدفعنا إلى التفاؤل بميلاد ساحة أدبية غير رديئة مستقبلا. القاص حسن بومعيزة المثقفون والأدباء وقعوا ضحية الصراعات بديهي أن الساحة الأدبية ليست بمنأى عما آلت إليه أوضاع البلاد بصفة عامة، ولذلك فقد طالتها الهزات العنيفة التي عصفت بالمجتمع نتيجة التحولات الكبرى التي أعقبت أنها انهيار الكتلة الاشتراكية، وكان يمكن أن يكون ذلك التحول الكبير والمثير بصدد للنهوض والانبعاث بما يتيحه من زخم متنافي للأفكار والقيم أثناء التحول وإعادة التشكل، غير أن الذي حدث لم يكن لا بالقدر ولا بالكيفية المرغوبة والإيجابية، ذلك أن المثقفين والأدباء وهم بمثابة ''الحودي '' الذي يوجه عربة الحصان ويؤثر في مسارها وقعوا ضحية الصراعات العقائدية والإيديولوجية مما جعلهم يفرقون في متاهات لم تفض إلى إبراز كتلة أو قوة قادرة على القيادة والتوجيه والتغيير وقد أدى ذلك إلى التشرذم نتيجة التصادم الناتج عن الاختلاف وقد حول الكثير من المثقفين إلى لقمة سائغة للزير المتناحرة نتيجة الخلافات الإيديولوجية وأعتقد أنها مرحلة طبيعية في إطار التحول وهي مرحلة حرجة تبحث عن إطار وشكل جديدين، وأعتقد أن الدور قد آل إلى الطبقة المثقفة وإلى المفكرين ليقودوا القافلة وليكونوا قوة مؤثرة توجه المسار الثقافي في الاتجاه السليم المراعي لخصوصية المجتمع، وخلاصة القول أن هذه الأسماء الأدبية أجمعت بشكل أو بآخر على أن الساحة الأدبية الجزائرية دخلت في المدة الأخيرة في متاهات لاتخدم الأدب، وهو ما انجر عنه غياب النقد الأدبي وبالتالي أصبحت الساحة كسفينة بلا شراع فهل من منقذ؟..