قدم الأستاذ المؤرخ زهير إحدادن قراءة سياسية نادرة عن بيان أول نوفمبر .. وهذا من خلال تشريحه المفصل لمحتوى هذه الوثيقة التاريخية التي تصنف من ضمن المحطات المرجعية بالنسبة للتوجهات الإيديولوجية التي تحملها. في أبعادها ومغزاها. ولأول وهلة يتجسد التوجه القائم عند إحدادن وهو التيار الثوري الذي ولد من رحم حزب الشعب.. والذي أبدى تشددا في فرض خيار الكفاح المسلح ضد الفرنسيين بالرغم من الخلافات الحادة مع المركزيين الذين كانوا يراهنون على الوسائل السلمية التي ثبت مع مر الأيام أنها لن تفيد .. ولا تؤدي إلى أي نتيجة تذكر. وهكذا إنتصر التيار الثوري.. على التردد.. وعزم على إشعال فتيل الثورة.. في يوم من أيام منتصف ليلة 31 أكتوبر.. كان فيه الفرنسيون يحيون فيها ما يعرف ب»لا توسان«.. ولا يسعنا اليوم إلا التأكيد على حقيقة وهي أن التيار الثوري في حزب الشعب كان طلائعيا في تصوره لما تكون المرحلة القادمة.. وهذا من خلال انتهاج العمل المسلح السبيل الوحيد لاسترجاع الوطن. كل هذا أدى إلى ميلاد جبهة التحرير الوطني التي كانت بوتقة إنصهر فيها الجميع أي كل الجزائريين الذين يؤمنون بمبدأ مقارعة الاستعمار إن آجلا أو عاجلا.. من هنا بدأت مرحلة جديدة في المسيرة الوطنية للشعب الجزائري. كان الأمر صعبا للغاية انطلاقا من اكتشاف خبايا »المنظمة الخاصة« لكن الإصرار كان أكبر في تجاوز هذا الوضع والخروج من حالة الجمود والنزاعات إلى أفق جديدة وحية لفرض واقع جديد.. يختلف اختلافا جذريا عن سابقيه المتميز »بالولاء للقائد« وحتى هناك من إعتبر ما كان يحدث »بعبادة الشخصية« عطل كثيرا الذهاب إلى الحلول الجذرية والراديكالية. وبيان أول نوفمبر هو وثيقة مرجعية في هذا الشأن إختصر المسافات في أخذ القرار الحاسم والفاصل وهو القطيعة مع استعمار استيطاني بشع لم تر البشرية مثله.. ولم يعاني أحد مثل ما عانى الشعب الجزائري على أيدي عساكره من إعدامات واغتيالات، واختطافات ونفي وترحيل وتهجير وتدمير. هذا ما جعل شلة من الشباب تضع حدا لمثل هذه الممارسات اللا إنسانية .. وتسارع لإعلان الثورة.. من إلتحق بها أهلا وسهلا به ومن تأخر يتحمل مسؤوليته التاريخية أمام ما ينتظر الجزائريون... واضعين حدا للنقاشات السياسية العقيمة.. والتحليلات غير الموضوعية والآراء التسلطية التي أخرت إنطلاق الموعد الحاسم. وما تزال حتى يومنا هذا تلك النظرة المحترمة والمقدرة للمسؤولية التاريخية التي تحملها التيار الثوري بداخل الحركة الوطنية الذي جعل الجميع يستفيقون ويتفطنون للأخطاء المرتكبة بحكم عدة اعتبارات أنذاك .. فالثورة جاءت بالاستقلال والتنمية الوطنية الشاملة لتجسيد العدالة الاجتماعية.