باب البوكوس، سيدي عبد الرحمان، الداموس معارك بطولية محفورة في الذّاكرة حملت تسميات عدة، تأثّرت بمختلف الحقب التاريخية، كانت مقرّا عسكريا لمراقبة القبائل الثائرة بجبل الظهرة والونشريس، معقل الثوار إبان الحرب التحريرية عرفت معارك بطولية لازالت راسخة في الذاكرة الجماعية. إنّها مدينة الشلف التي تتوقّف عندها صفحة مدن وتاريخ لرسم معالمها، ورصد مسارها العمراني والحضاري. تقع مدينة الشلف شمال غرب الجزائر وتمتاز بثروات هائلة وبخصوبة أراضيها الزراعية، ومع العلم فإن واد الشلف من أكبر وأطول واد في الجزائر، يأخذ منابعه العليا من سلسلة الأطلس الصحراوي بجبال عمور، وهو النهر الذي يشق طريقه نحو الشمال عبر سلسلة الأطلس التلي، ويصب في البحر الأبيض المتوسط بالقرب مدينة مستغانم وتكون مياهه قد قطعت مسافة تزيد عن 700 كلم. سميت الشلف بعدة أسماء منها «كاستليوم تانجتانيوم: ومعناها القلعة الطنجية، عمر الأمازيغ ولاية الشلف منذ القدم كما تثبته آثار ما قبل التاريخ. أسّس الفينيقيون منطقة تنس (كارتن) في القرن الثامن قبل الميلاد، تأثرت المناطق الساحلية والسهول بالنفوذ القرطاجي في القرن الثالث قبل الميلاد في الوقت الذي كانت فيه الولاية تحت قيادة المماليك الأمازيغية ماسيسيل وماسيل قبل الإحتلال المباشر لها من قبل الرومان سنة 33 قبل الميلاد وبقيادة الإمبراطور أوغست أوكتاف، قام بتأسيس مستوطنة «كارتينا « بمساعدة جنود الفرقة الثانية الرومانية مع يوبا الثاني، وكانت منطقة الشلف مصدرا فلاحيا هاما لموريطانيا القيصرية، وتمت السيطرة الرومانية عليها كما كانت مدينة الشلف كانت مقرا عسكريا لمراقبة هذه القبائل المتمردة القاطنة في الجبل الظهرة والونشريس، فحافظت على استقلالها. وقد بنيت في قلب مدينة الشلف كنيسة في القرن الثالث بعد الميلاد، ولا زالت آثار رومانية في بلدية عين مران وكذلك بقايا كنيسة النصرانية، وهي أقدم كنيسة في إفريقيا أسست عام 324 م، ويناسب هذا الحدث هاما في تاريخ العالم. وفي هذا العام حمل الأباروم للمرة الأولى في مقدمة الخيالة بقسنطنطين في معركة ANDRINOPLE يوم 3 جويلية 324 في القرن الخامس بعد الميلاد أصبحت الشلف أهم جزء مكون للمملكة الأمازيغية للونشريس، وهم أهل تواضع وحسن وأخلاق ومحبة لبعضهم البعض، ولباسهم قشابة المصنوعة والمنسوجة من الصوف، وأكثرهم يلفّون العمائم البيضاء على رؤوسهم. فشلف مدينة بين بساتينها المنتشرة، وهي خصبة ذات نهر طويل وأشجار وبساتين وحدائق وفواكه كثيرة مختلف الألوان. هذه البلاد التي تصدر الفواكه وتحف بها البساتين، وفي عام (675 - 682) بعد الميلاد سيطر المسلمون على المنطقة تحت قيادة أبو المهاجر دينار، ومن خلال هذه الفترة قسمت المنطقة إلى دوائر الساحل بايلك الجهة الشرقية والغربية مع خليفة شلف، وعمّرت المنطقة من طرف قبائل زناته ومعراوية، وتولى الحكم لبنى رستم والحماديين و بنوزيان. هذا إلى أن تم احتلال المنطقة من طرف الأسبان الذين إرتكبوا مجازرا وحشية، والحاقدين على الإسلام والمسلمين وأن هذه المأساة لم تكن تحدث لولا عامل الخيانة. تدخّل عروج هذا الرجل البطل الذي استطاع هو أخيه خير الدين والمجاهدين من أهل البلاد و تم تحرير المنطقة من الأسبان سنة 1517 م، والذي كان يحكم آنذاك «تنس» على يحي الثاني الموالي للإسبان، استطاع عروج أن يعد العدة بقوة ضخمة دارت معركة بينه وبين عروج عام 1518 م. وامتازت هذه الفترة بالقوة وتوحيد رقعة البلاد، والقضاء على الأسبان، ومن هذه الأحداث وهذه التطورات نحاول أن نكتب على الماضي لنزيح الستار عنه لعله يجد حالته بين الحاضر والمستقبل. الغزو الفرنسي احتل الفرنسيون سيدي فرج في 12 جويلية 1830 م وتحصنوا بها، هيّئوا هجوما منظما فكانت معركة حامية استبسل فيها الجزائريون على مراكزهم إلا بعد ان حصدت نيران أعدائهم أرواحهم وفرقت صفوفهم، فكانت المقاومة فقد تولّى قيادتها الأمير عبد القادر، وأصلح خلل الجهة العربية ثم نهض منها من ثمانية آلاف فارس وألف من المشاة، فلقية محمد بن علال في وادي الشلف في أربعة آلاف جندي ومع بومعزة في الظهرة والونشريس. عرفت المنطقة عدة معارك قام بها الأمير عبد القادر وبني مناصر في سهل الشلف، حيث قام سان أرنو بحرق المواطنين داخل المغارات، منها محرقة شعبية الأبيار في منطقة الظهرة والتي تعود إلى 12 أوت 1845 م. وكذلك معركة الفراشيح التي راح ضحيتها 1200 شهيد والذي استدرج السكان إلى المغارة، حاول الاستعمار فرض رؤية استعمارية وتفكير مغاير تماما لرؤية وتفكير مجتمعنا. ثورة أول نوفمبر 1954 كان شعب الجزائر يتابع الأحداث في الميدان لأنهم كانوا يعانون من سياسة التجهيل والأمية، وكان أغلبية السكان محرومين من التعليم لم يقبل سوى 500 طالب جزائري بجامعة الجزائر من مجموع 5 آلاف طالب فيها، وحد نفسه من الناحية الثقافية الاستعمارية ممزقا بين الثقافة العربية الإسلامية. أصبحت فرنسا المسيحية تتصرف حسب هواها في شؤون المساجد والقضاء، فلا تعين إلا من رغبت فيه ويخدمها، الشلف عاشت أحداث كثيرة وقعت في ربوعها، انخرط سكانها في الثورة وكانت تنتمي إلى الولاية الرابعة التاريخية. عاش المجاهدون المعارك في ضواحي التنس والشلف والونشريس، فالتحركات الدائمة والإتجاهات مجهولة من أجل الاتصالات السرية التي كان يجريها رجال الاتصالات بين مناضلي الجهة في تفجير الثورة بهذه المنطقة، شرع الجميع في العمل الثوري بتنظيم القرى والمداشر. والقيام بعمليات تخريبية وقطع الطرقات لمنع العدو من التحرك بسهولة وعمليات أخرى عسكرية شارك فيها مجاهدو المنطقة، والتحق بالجبل الكثير من المجاهدين في مرحلة التنظيم و الانطلاقة في الثورة المسلحة. كان الإعلام الفرنسي يحاول دائما وأبدا تصوير الجزائر على جنة هادئة ساكنة بسكون شعبها ورضاهم، وتسليم أمورهم لعدوهم. لكن الشعب الجزائري بإخلاصه لثورته وإيمانه الراسخ وبعدالة قضيته قدم أغلى ما يملك فداء لهذه الأرض الطاهرة جامعا كل الإمكانيات المادية والروحية، فرغم عدم تكافؤ وسائل الكفاح بين الطرفين وخاصة الإلعامية منها ورغم الحصار الإعلامي المضروب على الجزائر، والمثل يقول: لا يضيع حق وراءه طالب. بقي الشعب الجزائري صامدا رغم نقص الإمكانيات، كافح العدو بعزيمة وبالإيمان حتى النصر، فكانت معارك كبرى في هذه الجهة منها: معركة باب البكوس. معركة سيدي عبد الرحمن. معركة تيطويلت. معركة الداموس. معركة بوحرب.