دعا محمد لكصاسي محافظ بنك الجزائر، البنوك الوطنية إلى تمويل مشاريع الاستثمار ولعب دور مصرفي موسع دون البقاء أسيرة شباك الدفع. وذكر في تقييم الوضعية المالية الاقتصادية خلال السداسي الأول من العام الجاري، أن الظروف الراهنة مساعدة بكثير للبنوك لتأدية هذه الوظيفة باقتدار وتحدي مكسرة حالة التردد والمخاوف المبالغ فيها. وتترجم ذلك الوفرة المالية التي سجلتها البلاد نتيجة السياسة المنتهجة منذ سنوات المبنية على نجاعة النفقات ورشادتها إلى جانب ما اتخذته من تدابير سدت بموجبها المديونية الخارجية التي كادت أن ترهن القرار الوطني والسيادة وتضع المستقبل محل المساومة والابتزاز. فقد بلغت مداخيل الجزائر من المحروقات 41,71 مليار دولار بدل 26,94 مليار دولار خلال السداسي الأول من السنة الماضية، وهي مداخيل عززها ارتفاع سعر البرميل في السوق الدولي بالغا في المتوسط 111,5 دولار بعد مرحلة تراوح فيها ما بين 74,95 دولار و99,09 دولار. وسجل فائض احتياط الصرف 133,235 مليار دولار مع نهاية جوان الأخير بدل 90,960 مليار دولار من نفس الشهر للعام الماضي. وبقي ميزان المدفوع مستقرا في التوازن وتسجيل فائضا بقيمة 22,21 مليار دولار. وعرفت الكتلة النقدية زيادة معتبرة، وهي تستمر في سحب فائض صافي الأرصدة بالخارج. وكل هذه العوامل تساعد البنوك على الانطلاق في تمويل المشاريع ومنح القروض للاقتصاد الوطني بدل الاتكالية شبه المطلقة على الخزينة، ويكون هذا الأمر ممكن التجسيد وفي أوفر الأحوال بالنظر إلى السيولة المالية للبنوك، إضافة إلى مداخيل صندوق ضبط الموارد التي يذهب جزء منها إلى البنوك، وهي مداخيل في غاية الأهمية زادتها اعتبارا وقوة ارتفاع سعر البترول. وحسب لكصاسي، فإنه بات من الضرورة بما كان أن ترافق المؤسسات البنكية الصيرورة الاقتصادية وتلعب دور الشريك الكامل في التمويل اعتمادا على مدخراتها وأنشطتها الاستثمارية دون الاتكالية المفرطة على مدخرات الزبائن مثل ما هو يجري حتى الآن. ووعد محافظ بنك الجزائر بتنظيم منتديات مستقبلا حول موضوع التمويل البنكي الذي يبقى أولوية مطلقة في الظرف الراهن والآتي، وتكون هذه الملتقيات مع البنوك المعنية الأولى والأخيرة بهذه المهمة المصرفية الإستراتيجية، امتداد للقاءات سابقة نظمت مع هيئات أمريكية أعطت نتائج لا تقدر بثمن. وبينت اللقاءات السابقة حاجة البنوك الملحة لسياسة مصرفية أخرى تمول عبرها الاقتصاد من خلال سيولتها الخاصة وليس من فائض ادخار الزبائن غير المؤمن في كل الأحوال، وأظهرت أن هذه السياسة هي التي تسمح للبنوك الجزائرية التي تخوض إصلاحات جذرية، من لعب وظيفة مصرفية موسعة تحتاجها لمواجهة المنافسة المشتدة على آخرها، وهي منافسة كرستها الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في انتظار الانضمام إلى منظمة التجارة. صحيح أن البنوك الخاصة والأجنبية لا زالت بعيدة عن تمويل المشاريع الاستثمارية، وهي تتولى وظيفة منح القروض الاستهلاكية المشجعة على اقتناء صناعة أجنبية أكثر من العمليات المصرفية الموسعة. صحيح أن البنوك الأجنبية لا تعدو أن تكون مؤسسات مالية مرافقة للشركات التي تنشط في الجزائر تشجع متعامليها وزبائنها على اقتناء سلعتها عبر القروض الموجهة إلى الاستهلاك بدل الإنتاج. لكن الانتعاش المصرفي في الجزائر وترقية البورصة بدخول متعاملين من الوزن الثقيل يحتم على البنوك الأجنبية اقتحام المجال الاستثماري بمنح قروضا للإنتاج والمشاريع الكبرى، وهذا ما يفرض منافسة حادة على المؤسسات الجزائرية المالية التحضير لها من الآن قبل فوات الأوان. ------------------------------------------------------------------------