في البداية نقول لماذا استخدمنا مصطلح العلاقة الجدلية بين طرفي المعادلة الأمنية (الأمن الواقعي – الأمن الإنساني)، لأن المنطق الجدلي الهيجلي يفترض أن محصلة تطور الأفكار يأتي بعد الفكرة ونقيضها thèse –anti thèse-synthèse) )، ويعتبر الأمن الإنساني في هذا السياق هو نتيجة طبيعية لتطور الدراسات الأمنية النقدية بفضل مجهودات العديد من الباحثين أمثال: أرنولد ويلفرز وأولي ويفر، وتوماس شيلينج، وباري بوزان، وديفيد بالدوين وغيرهم، بالاضافة الى المجهودات البحثية لمدرسة فرانكفورت ومدرسة كوبنهاجن ومدرسة UNDP، وكذا مساهمة الاتجاهات النظرية والحوارات الأكاديمية في صياغة النماذج المعرفية المفسرة للإشكاليات والمعضلات الأمنية، بداية من الواقعية والواقعية الجديدة الى الليبرالية الى ما بعد الوضعية. الإشكالية ان الإشكالية التي يمكن إثارتها في هذا الاتجاه، هو أنه اذا قبلنا من الناحية النظرية «الامن الإنساني « كمقاربة نقدية أو منظور جديد يستوعب التهديدات اللاتماثلية والتحديات الأمنية الجديدة، ويصلح لتفسير الحالات الناشئة بعد نهاية الحرب الباردة (غياب الردع، التهديد العسكري)، خصوصا مع زيادة الاهتمام العالمي بقضايا التنمية الإنسانية والسلم الديموقراطي والأخطار البيئية التي تهدد كوكب الأرض والتوازن الايكولوجي، وندرة المياه وقضايا اللاجئين. فهل يمكن من الناحية العملية والاستراتيجية التخلي عن افتراضات المدرسة الواقعية في صياغتها لمفهوم الأمن وارتباطه بالدولة والسيادة والمصلحة القومية والدفاع الوطني في مواجهة التهديدات الخارجية. ولتوضيح أكثر هذه المعضلة نطرح التساؤلات الفرعية التالية: - لماذا تفضل الدول الأخذ بالأمن الدولاتي الواقعي مقارنة بنتائج تطبيق أبعاد الامن لإنساني؟ - ولماذا تتراجع في كل مرة مجهودات تحقيق الأمن الإنساني في حالة الشعور بتنامي التهديدات الخارجية؟ - وهل يمكن مواجهة التهديدات اللاتماثلية عن طريق مركزية الامن الدولاتي والدفاع الوطني؟ @ وهل هناك حدود فاصلة يمكن ان تحقق التوازن بين طرفي المعادلة الأمنية بحيث لا ترجح كفة الامن الواقعي على حساب الامن الإنساني أو العكس؟ الفرضيات ترجيح كفة الامن الإنساني لمواجهة التهديدات الداخلية، أكثر من الدفاع الوطني ان الدول التي تعيش في ظل بيئات إقليمية مضطربة وغير مستقرة وتنتشر فيها حالات الانفلات الأمني أو التفكك الدولاتي تعطي الأولوية للاعتبارات الأمنية والدفاعية وصيانة حدودها الإقليمية أكثر من اهتمامها بالأمن الإنساني. •ان الدول والحكومات التي تعرف ردود أفعال داخلية مرتبطة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي الداخلي من احتجاجات واضرابات، فإنها تلجأ الى تغليب الاعتبارات التنموية وترجيح كفة الامن الإنساني لمواجهة التهديدات الداخلية، أكثر من الدفاع الوطني كلما زادت المخاطر والتهديدات العسكرية الخارجية للدول كلما تمت التضحية بالأمن الإنساني والتمسك أكثر بالأمن الواقعي وتحسين القدرات الدفاعية والردعية للدولة. تعريف الأمن ان مفهوم الأمن ليس مفهوما جامدا ساكنا وانما يتغير ويتطور بحسب الظروف والمستجدات ويخضع أيضا لطبيعة التهديدات ونمط الصراعات التي تتغير من زمان الى أخر فالأمن حالة ديناميكية مركبة لا تتصف بالجمود. يعرف قاموس أكسفورد الأمن على أنه: ''الحالة التي يكون فيها المرء محمي من الاخطار، ويشعر بالأمن... والتحرر من الحاجة، الخطر، القمع، أو غياب التهديد‘‘. أما في مجال العلوم السياسية، يعرف توماس شيلينج (Schelling) الامن على أنه ''الحفاظ على الدولة حرة، وضمان فاعلية القيم والمؤسسات الرئيسية فيها‘‘، وقصد شيلينج بالقيم ''ما تمثله الدولة مع ما تريد تحقيقه والحفاظ عليه‘‘. أما اشهر التعريفات التي قدمت للأمن فهو تعريف ارولوند وولفرز (Wolfers) الذي عرفه على إنه:''إنعدام وجود تهديد للقيم المركزية للدولة‘‘ ثم عدله ليصبح ''تقليل احتمالية تهديد القيم المركزية‘‘. ويعرف الامن لدى الواقعيين الدفاعيين على أنه:»إزالة كافة مصادر التهديد». مفهوم الأمن بحسب الواقعيين زيادة الإنفاق العسكري والتسلح ضمن أولوياتها لضمان أمن الحدود أنصار الواقعية يركزون في تحديدهم للأمن على التهديدات الخارجية وأن الطرف المستهدف من هذا التهديد هو الدولة ونظامها السياسي وسيادتها واستقلالها، وبالتالي فمواجهة هذه التهديدات يكون عن طريق القوة العسكرية ( القوة الصلبة ) وتسعى الدولة في هذا التجاه الى زيادة الانفاق العسكري والتسلح، وتضع ضمن أولوياتها ضمان أمن الحدود من العدوان الخارجي ولا تهتم كثيرا بالاعتبارات التنموية والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. مفهوم الأمن بحسب الليبراليين أما المدرسة الليبرالية فتحاول أن تعطي منظورا واسعا للأمن عن طريق التنويع في مصادر التهديد وكذا توسع مجال القيم المعنية بالتهديد، فبالنسبة لمصادر التهديد فلا تنحصر فقط في الجانب العسكري الخارجي وانما قد تكون داخلية بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة والوضع السياسي غير المستقر، وعليه فالمدرسة الليبرالية حاولت إعطاء أبعاد أخرى لمفهوم الأمن ساهمت في تطوير الدراسات الأمنية النقدية. الامن الإنساني نتيجة لتطور الدراسات الأمنية النقدية الأمن الإنساني كمقاربة نقدية تركز على الإنسان ككيان بشري محب للبقاء والعيش يأتي مفهوم الأمن الإنساني في سياق النظرة النقدية لمفهوم الأمن التقليدي الواقعي الذي يركز على أمن الدولة وحماية حدودها من أي اعتداء خارجي، بينما الأمن الإنساني كمقاربة نقدية تركز على الإنسان ككيان بشري محب للبقاء والعيش الكريم، وعليه فأي سياسة أمنية يجب أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق أمن الفرد، بجانب أمن الدولة، فالأمن الإنساني هو أحد المفاهيم التي برزت على مستويين: المستوى الرسمي من خلال تبني بعض الحكومات والدول والمنظمات الدولية والإقليمية لهذا المفهوم. المستوى الأكاديمي من خلال مناقشة بعض الباحثين والأكاديميين للمخاطر التي تهدد الأمن الإنساني. أولا: التحوّل في مضامين ومدلولات الأمن يعد التحوّل في مفهوم ومضامين الأمن نتيجة منطقية لتغيير المشهد الدولي ما بعد الحرب الباردة، وهو ما أدى إلى إعادة النظر في كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية، فمن ناحية لم يعد الفعل والتأثير في العلاقات الدولية، حكرا على الدولة القومية إذ أصبح هناك فاعلين دوليين من غير الدول، كالمنظمات الحكومية الإقليمية والدولية، والمنظمات غير الحكومية، ومن ناحية أخرى تحول في مصادر التهديد فلم يعد التهديد العسكري الخارجي هو المصدر الوحيد لتهديد أمن الدول ( ). 1: اتساع نطاق مفهوم الأمن لقد ظلت الدولة هي الفاعل المركزي والوحيد في الدراسات الأمنية بحسب المدرسة الواقعية، والموضوع الأساس هو المحافظة على السيادة الوطنية، لأنها هي الضامن الوحيد لأي اعتداء خارجي، وفي سياق التصور الواقعي لمفهوم الأمن: قدم «باري يوزان» « Barry Bozan» دراسة تؤيد منطق أن معظلة الأمن (Dilemma de la sécurité) صالحة فقط للصراعات التي تشهدها الجماعات الإثنية، أو على مستوى عالمي أشمل، كما عبر عنه صمويل هنتنجتن ب: «صدام الحضارات» كنوع من تناقض الأفكار الثقافية( )، وفي نفس الاتجاه ذهب تيار ما بعد البنيوية (Poste structuraliste) في توجيه أطروحات نقدية في المضامين التقليدية لمفهوم الأمن، ويدعو إلى إعادة النظر ليس في وسائل التهديد ومصادر التهديد، بل في الوحدة الأساسية للتحليل، أو ما يعبر عنه بالطرف المعني بالأمن، هل هو الدولة فقط أو المجموعة أو الفرد، وهذا ما ينسجم مع المنظور ما بعد الحداثي « Post moderne» الذي يرى بأن الأمن يجب أن لا يقتصر على رفاهية الدولة وحمايتها، بل يفترض أن يهتم بالفرد والمجموعة ويعزز رفاهيتهم ( ) وهو الطرح الذي ذهب إليه «موليير» «Muller» حين تكلم عن ثلاثة مستويات للدراسات الأمنية، عن طريق تحديده للأطراف المعنية بالأمن، والقيم المعنية بالتهديد عن طريق الجدول التالي( ): الكيان موضوع الأمن القيم المهدّدة الدولة، السيادة والقوة المجموعة، الهوية الفرد، الرفاه والبقاء جدول يوضح مستويات التحليل في الدراسات الأمنية المصدر: عادل زقاع إعادة صياغة مفهوم الأمن، لبرنامج البحث في الأمن المجتمعي متحصل عليه من: http://www.geocities.com/adalzeggagh/recont.htm?20079 وانطلاقا من التقييمات السابقة يذهب كل من «باري بوزان» «Barry BOZANl» و» اولي ويفر» «Ole Waver» إلى أن التهديدات التي تواجه المجتمع هي التناقضات على مستوى الهوية، اللغة، المعتقد، الثقافة، القضايا الإثنية، فتظهر مجموعات تواجه مجموعات أخرى بهويات ومرجعيات إثنية مختلفة مما يؤثر على التماسك الاجتماعي والسلم الأهلي، وهو ما أصطلح عليه باري بوزان « Barru Bozan» بالأمن المجتمعي( ) الذي يتحقق من خلال تجاوز «المأزق المجتمعي» وتوفير الأمن للمجموعات والاقليات التي تتمتع بهويات مستقلة. لكن المشكلة أن تجاوز هذا «المأزق المجتمعي» قد يتعرض فيه الفرد (الإنسان) إلى تهديد حريته وكرامته وانتهاك حقوقه ورفاهيته، في حين أن المجموعة قد تتمتع بهوية مستقرة، وتماسك اثني. المقاربة النقدية للأمن تركز على توفير عناصر الصحة والتغذية والرفاهية مما استدعى الأمر النزول إلى المستوى الثالث في التحليل في الدراسات الأمنية الذي يركز على الفرد كوحدة للتحليل، وهو ما ذهبت إليه المقاربة النقدية للأمن بعيدا بحيث تركز على توفير عناصر الصحة والتغذية والرفاهية والكرامة بالإضافة إلى الأبعاد الشخصية، وهو ما أصطلح عليه بالأمن الإنساني( ). لقد ساهم مفهوم الامن الانساني في اتساع نطاق محور التركيز، من أمن الحدود إلى حياة الناس والمجتمعات، داخل تلك الحدود، وفي ما يتجاوزها، فالفكرة هي أن يكون الناس آمنين، لا أن تكون الأراضي الواقعة داخل الحدود آمنة فحسب من العدوان الخارجي، لأن التصور التقليدي لعقيدة الأمن تلقى المسؤولية الكاملة على الدولة لوحدها في حماية أمن الدولة، بينما الأمن الإنساني هو مسؤولية مشتركة بين جميع الناس، الذين يرغبون في العيش الكريم والمشترك، فالأمن الإنساني يركز على «المخاطر المصاحبة للانتكاس»، فهو يعترف بالظروف التي تهدد البقاء على قيد الحياة، وتهدد استمرار الحياة وكرامة الإنسان( ). 2: الأمن الإنساني في مواجهة الأمن الواقعي الدولاتي نظرا لاتساع نطاق مفهوم الأمن والتحول الحاصل في طبيعة التهديدات الأمنية في فترة ما بعد الحرب الباردة، وتحول وسائل ومصادر التهديد، والتحول في نمط الصراعات التي كانت سائدة سابقا ما بين الدول والتي أصبحت داخل الدولة نفسها، مابين المجموعات المتناقضة عرقيا ولغويا واثنيا. مما جعل مواجهة مثل هذه التهديدات الجديدة عن طريق استخدام القوة العسكرية، أمر غير وارد، أو أن تكاليفه ونتائجه السلبية أكبر من أهدافه المعلنة. غير أن أنصار أمن الدولة (الأمن بالمنظور الواقعي)، مازالوا يؤكدون على ضرورة التفوق العسكري للدولة في مقابل حماية مصالحها القومية ولو على حساب التنمية والتعليم والصحة، وهي الفكرة التي تبناها سابقا آدم سميث «Adams Smith» حيث يرى «أن الاختيار بين الدفاع والثورة يستدعي الانحياز إلى الدفاع»( ). ينطلق أنصار المنظور التقليدي في تعريفهم للأمن من فكرة ارتباط الأمن بالصفة القومية، والذي يحيل مباشرة إلى ضرورة وجود الأمة الدولة الراعية لسيادتها، والراعية لأشكال التهديدات الممكنة الآتية من دول أخرى، سواء كانت دولا مجاورة أو بعيدة وهذا يعني افتراض أن العلاقات بين الأمم، الدول هي في أحد أوجهها علاقات تنافر يكون فيها الاعتداء أحد الأشكال الممكنة للسلوك كالاحتلال، السيطرة، الهيمنة، التوسع، الوصاية، وبالتالي تجمع جميع دول العالم بأن أمنها القومي أكثر الأمور قداسة في حياتها إلى حد أن يستدعي تهديد أمنها حالة من الحرب الفعلية»( ). يذكر عبد الوهاب الكيلاني في الموسوعة السياسية تعريفا للأمن القومي بأنه «تأمين سلامة الدولة من أخطار داخلية وخارجية قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي»( ). بناء مخططات أمنية دفاعية تقوم على تعزيز القوة العسكرية فمن خلفية الأمن الوطني انطلق أنصار أمن الدولة، في بناء مخططات أمنية دفاعية تقوم على تعزيز القوة العسكرية لتأمين الحدود والمؤسسات والحيلولة دون التعرض لأي اعتداءات خارجية فرضتها طبيعة البيئة الدولية السائدة أثناء الحرب الباردة، غير أن إفرازات الوضع الدولي الجديد انعكست على الدراسات الأمنية في ضرورة تبني مفاهيم ومدلولات جديدة تكون أكثر قدرة وأكثر تفاعلية على المستوى الإبستومولوجي والمنهجي في التعامل مع التهديدات الأمنية الجديدة، والترتيبات التي نشأت عقب انتهاء الحرب الباردة. بظهور أحداث 11 سبتمبر 2001 وبروز الإرهاب العابر للحدود، وعن طريق استخدام طائرات مدنية كصورايخ باليستية في تهديد الأمن الداخلي لأقوى دولة في العالم، وتبنى سياسة الحرب على الإرهاب، التي تعتمد بالأساس على استخدام القوة العسكرية في ملاحقة الإرهاب والإرهابيين مما أعاد الاعتبار لمفهوم الأمن الواقعي، وثار جدل عميق حول هل يمكن التنازل عن أمن الدولة لحساب الأمن الإنساني؟ وما هي الحدود الفاصلة بين تحقيق الأمن الداخلي والدفاع الخارجي؟ وكيف يتم التوفيق بين أمن الدولة وأمن الإنسان؟ ولمن تعطى الأولوية هل لأمن الدولة أو لأمن الإنسان؟. مما سبق يتضح أن هناك تصورين سائدين على الأقل في الدراسات الأمنية يدفع كل منهما الآخر إلى تأكيد الانطباع بان هناك فصل من حيث الممارسة بين الأمن الدولاتي والأمن الإنساني، غير أن الأمن الإنساني كمقاربة نقدية جديدة لا يحل محل الدولة، فكل منهما يعتمد على الآخر، فالأمن بين الدول يظل شرطا ضروريا لتحقيق أمن الناس، ولكن الأمن الوطني (القومي)، أمن الدولة وحدها لا يكفي لضمان أمن الناس، وعليه فالدولة مطالبة بتوقير شتى أنواع الحماية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأفراد، وخاصة إذا كانت الدولة سلطوية ومتعسفة وقمعية( ). فالأمن الإنساني لا يتوقف عند حدود استخدام القوة العسكرية وتأمين الحدود بل يتجاوزها إلى أبعد من ذلك إلى استخدام القوة الناعمة أو اللينة (The soft Power)، في ضمان الأمن، كالتنمية الشاملة وخلق بيئة تمكينية لحياة الإنسان وتوسيع اختياراتهم نحو العيش بطرق أفضل وضمان كل وسائل الحماية التي تحترم القيم والمثل العليا للكرامة الإنسانية. إن التعارض الظاهري بين أمن الإنسان وأمن الدولة يثير التساؤل حول العلاقة التي تربط، أمن الإنسان بالمفاهيم الأخرى المتمحورة حول الإنسان، من قبيل التنمية الإنسانية وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، رغم أن المفهوم يتجاوز النظرة التقليدية لأمن الدولة فهذا لا يعني تهميش دور الدولة. ففي التحليل النهائي، الدولة هي المسؤولة عن توفير الأمن للمواطنين خاصة في ظل تعقد مصادر تهديد أمن الأفراد في ظل العولمة. والأمن الإنساني من هذا المنظور هو مكمل لأمن الدولة بتركيزه على الإنسان، وبمعالجة المخاوف التي لم تعتبر تهديدا لأمن الدولة( ). ويستهدف توسيع منظور التنمية البشرية بتركيزه على المخاطر المتعلقة بالمعوقات وتخطى مفهوم النمو التكافئي. 3: الأمن الإنساني مقابل التدخل العسكري الإنساني: تعتبر السيادة خاصية جوهرية من خصائص الدولة وهي التي تمنحها القدرة على ممارسة السلطة وبسط هيبتها على إقليمها وقد اهتم فقهاء القانون الدستوري بمسألة السيادة نظرا لخطورة انتهاكها، فالدولة تتصرف في نطاق إقليمها على صعيد المجتمع الدولي بناء على قواعد القانون الدولي العام، الذي تعتبر فيه السيادة العمود الفقري، وهو الأساس الذي تقوم عليه الدولة الحديثة( ). فالسيادة تعني قدرة الدولة الفعلية على تأكيد ذاتها في المجال الدولي، بحرية كاملة، دون الخضوع إلى سلطة خارجية، غير أن موضوع السيادة يتعرض لانتهاكات وخروقات سياسية وأمنية واقتصادية في ظل تحولات العولمة وإفرازاتها وأصبح الحديث عن القيم المرنة للسيادة، وليس القيم الصلبة غير قابلة للاختراق، وفي هذا الإطار تطرح إشكالية التدخل العسكري الإنساني كتهديد لسيادة الدولة كقيمة مقدسة لا يجوز المساس بهيبتها، تحت ذريعة مبدأ عدم التدخل الذي تم استبداله بمبدأ التدخل العسكري لأغراض إنسانية، وهذا ما لاحظناه جليا في فترة التسعينيات من القرن الماضي، الذي تم فيه التبرير للتدخلات العسكرية القسرية في حالة كوسوفو سنة 1998، ورواندا ويورندى سنة 1995، والصومال سنة 1991، وتدخل حلف الناتو في ليبيا سنة2011 واسقاط نظام القدافي، ففي هذه الحالات كانت هناك مذابح وانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، يمارسها طرف ضد آخر أو تمارسها الأطراف ضد بعضها البعض، كما كان الحال في رواندا بين الهوتو والتوتسي، فيما رأت قوى كبرى، أن من واجبها التدخل تحت مظلة الأممالمتحدة، أو حلف الناتو، لوقف هذه الانتهاكات ثم إعادة بناء السلم الاجتماعي في هذه البلدان، وقد كان هذا التدخل قسريا دون رغبة الأطراف محل التدخل( ). فكوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة تكلم في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الرابعة والخمسون وذلك يوم 20 سبتمبر 1999 عن تصورين للسيادة « Conception de la souveraineté «، فواحد متعلق بالدولة والآخر بالأفراد، استثناء لأزمة كوسوفو، ونزاعات تيمور الشرقية، حيث قال: «سيادة الدولة هي أكثر من أساسية، ولكنها تعرف إعادة النظر في مضمونها، بسبب قوى العولمة، والتعاون الدولي، فاليوم يجب الاعتراف، بأن الدولة هي في خدمة الشعب، وليس العكس وفي الوقت نفسه، سيادة الأفراد، تكون من خلال مجموعات حقوق الإنسان، والحريات الأساسية لكل فرد»( ). وهذا الكلام جاء على خلفية تدخل قوات حلف شمال الأطلس في كوسوفو سنة 1998، حيث أكد كوفي عنان في السياق نفسه بأن «الأكيد هنا أن أي مبدأ قانوني، حتى وإن تعلق بمبدأ السيادة، لا يسمح له بأن يقوم بتنفيذ جرائم ضد الإنسانية( ). مصير الوضع الإنساني المتردي في الأراضي الفلسطينية المحتلة فأصبح مبدأ التدخل العسكري الإنساني يستخدم لأغراض سياسية وتوسعية مرتبطة بصراع النفوذ وتناقض المصالح وانتهاك السيادة وليس من أجل تحقيق الأبعاد الإنسانية، وإلا ما مصير الوضع الإنساني المتردي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي لم تتحرك آلية التدخل العسكري الإنساني من أجل فرض النظام وإعادة الوضع الإنساني إلى حالته الطبيعية. الأمن الإنساني يربط ما بين التنمية والامن إن مفهوم الأمن الإنساني يتطلب عملية تفكير جدية في إعادة بناء العلاقات الدولية من منظور وحدة الجنس البشري في مواجهة التحديات التي تفرضها الطبيعة، والتي يعود جزء كبير منها إلى العبث واللامسؤولية، التي يتعامل بها الإنسان مع البيئة، مما أنتج ظواهر تبعث على القلق، ولها نتائجها السلبية على ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان المحيطات الثلجية القطبية والانحباس الحراري، واتساع ثقب الأزون، والتفجيرات النووية في قاع البحار، وكل هذه الظواهر كفيلة بأن تغير البيئة تغيرا دراميا وتفرز نتائج كارثية بكل المعاني( ). فالأمن الإنساني يتحقق في سياق مجهودات التنمية الإنسانية المستدامة والحكم الراشد وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمعاملة الرحيمة مع الطبيعة لأنه جهد إنساني مشترك تقوم به الدولة والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية والإقليمية، من أجل تقرير رفاهية الإنسان وتقوية أسباب العيش بكرامة وحرية. ثانيا: التحول في طبيعة التهديدات الأمنية: التهديدات اللاتماثلية والمقصود بالتهديدات اللاتماثلية: بالاستناد إلى نص تقرير «هيئة التقديرات» في البنتاغون، ترتسم ملامح وخصائص الحرب اللامتماثلة كما يلي(9): 1-ليس هناك ميدان يتقابل فيه المتحاربون أمام بعضهم مواجهة أو بالالتفاف. 2-يلي ذلك أن «السلاح»ليس»متماثلاً»حتى وإن اختلفت درجات قوته. 3-ليست هناك صلة بين فعل ورد فعل تجري ممارسته على ساحة معينة يدور فوقها اتصال. 4-يترتب على ذلك أن حفظ السلاح وفعل السلاح هنا خارج حساب أي منطق أو تصور يمكن توقعه. ومع أن الحشد وسرعة الحركة والمفاجأة أساليب مطلوبة في كل أنواع الحروب... إلا أنها في حالة الحرب اللاتماثلية، مطلوبة أكثر لأنها لازمة لمدرسة التفكير فيما لا يمكن التفكير فيه مما لا يحكمه قيد أو أحد 5-إن هذا النوع من الحرب ليس مقيداً بمذاهب في الحرب مصنفة، إنما هو يلتقط الرسائل التي يفكر فيها بمصادفات الظروف، لكنه عندما يقابلها بالمصادفة يدرسها بعناية، مما يجعل التنبؤ المسبق بأعماله مهمة شاقة وعسيرة. 6-هذا النوع من الحرب جاهز بطبيعته لأعلى درجات المخاطرة لأن الخسارة بالنسبة إليه في الحالتين واحدة، وبالتالي فإن أعلى المخاطر تتساوى عنده مع أقلها؟ 7-وهذا النوع من الحرب يمارس دورة بخلطة مزيج قوي المفعول بين ما هو «مادي» وما هو «نفسي»، وذلك أكثر ما يخدمه في الأساليب «اللامتماثلة» التي يستعملها. 8-يمتاز العدو في هذه الحرب بروح معنوية عالية لدى أفراده وتكنولوجيا متقدمة في عملياته، واستعداده لأقصى المخاطر بجعل ما لا يجوز التفكير فيه وارداً كما يجعله ممكناً حتى ولو كان في المقاييس الطبيعية من المستحيلات أو من ضروب الجنون. 9-كما تقتضي هذه الحرب «إرادة قوية» و«تنظيماً جديداً» و«صبراً» يراقب على مهل، لأنه ليس رد فعل يتحتم عليه (لدواع كثيرة)، أن يواجه فعلاً حيث يتوقع الطرف الأخر أن يجيء (زماناً ومكاناً). وثمة من يضيف خصائص أخرى للحرب المتماثلة(10): 10-إن الخصم في الحرب اللامتماثلة لا يقوم بعملية «اضرب واهرب» كما في حروب العصابات، فهو موجود داخل المجتمعات، وربما يقوم بأدوار مختلفة، أي أنه ضمن تشكيل المؤسسات وبالتالي فإن أهدافه حساسة ولا متناهية، وفي الوقت نفسه لا يمكن إصابته بشكل مباشر لأنه يبقى ضمن النظام الاجتماعي قبل تنفيذه لأي عمل، أو حتى بعد التنفيذ، وبهذا الشكل يمكن اعتبار الخصم جزءاً منك طوال فترة الصراع اللامتماثل. 11- الحرب اللامتماثلة هي حرب ممتدة. إذ لا يمكن القضاء على الخصم بشكل نهائي. وبالتالي هي سلسلة من الجولات والجهد المتواصل والرقابة في محاولة للحد من عمليات التحول تجاه الإرهاب من غير أن يوجد ضمان أكيد لنهايتها طالما أنها تقوم على عدم التماثل. أي أنها تقوم على مبدأ خصب لإظهار العدو ولتأكيد الذات من قبل الخصوم اللامتماثلين. وتشكل حرب المعلومات واحدة من أهم مرتكزات إستراتيجية الحرب اللامتماثلة. والبعد المعلوماتي في الصراع خاصية مشتركة بين أنماط الحروب، لا يقتصر فقط على الحرب اللامتماثلة. وقد أصبح هذا البعد حاضرا منذ أن أوجدت الثورة المعلوماتية ما يسمى بالمجال المعلوماتي العالمي الموحد. وحول خطورة هذا البعد في الصراع نشير إلى تأكيد الخبراء والمحللين العسكريين الأمريكيين والروس والصينيين إلى حجم الضرر الذي قد يلحق باقتصاد البلد، جراء حدوث خلل جوهري في الأداء الوظيفي لمنظومة الحواسيب الموجودة بكثافة في كافة التنظيمات القيادية الحكومية والمؤسسات المالية والمصرفية. ضرر يمكن مقارنته من حيث العواقب باستخدام السلاح النووي، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج كارثية في بعض الحالات على مستوى حياة السكان. قد يؤدي بدوره إلى الاستياء العام والثورة الاجتماعية، وسقوط الدولة أحياناً، وغالباً ما يترافق ذلك مع وقوع ضحايا بشرية. فالخسارة في المجابهة المعلوماتية يمكن أن تشكل ظروفا ومقدمات ليصبح فيها البلد الخاسر متخلفا كثيرا عن ركب الدول ويتحول إلى بلد هامشي. بعبارة أخرى يحصل المنتصر على إمكانات غير محددة للتحكم بالدول المهزومة في الصراع المعلوماتي. الهزيمة المعلوماتية البلد الخاسر فيها يتحول الى عنصر هامشي إن التهديدات الأمنية بالمنظور الواقعي، كانت تعني حماية الحدود الإقليمية بواسطة القوة العسكرية، وحمايتها من القوات المعتدية، أما في ظل مفهوم الأمن الإنساني، فقد تحولت التهديدات واتسعت لتشمل مخاطر التلوث البيئي والإرهاب العابر للحدود الوطنية، والتحركات السكانية الضخمة والأمراض المعدية والفتاكة من قبيل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والجريمة المنظمة، وتجارة المخدرات، الهجرة السرية، وأوضاع القمع والحرمان طويلة الأمد( ). فالدولة نفسها المسؤولة عن تحقيق الأمن، أصبحت الآن تواجه بأنماط عدة من التهديدات، والتي ليست بالضرورة مصادر عسكرية، وقد عجز المنظور التقليدي للأمن من التعامل مع تلك القضايا، إذ أن التهديد في معظم الأحيان غير مرئي أو واضح، كما أن القوة العسكرية لا تصلح كأداة لمواجهة تلك الأنماط من التهديدات، التي تفوق آثارها المدمرة، آثار التهديد العسكري المباشر، فتشير الإحصاءات أنه خلال العقد الماضي تم إنفاق 240 بليون دولار، على علاج مرض الإيدز، والأخطر من ذلك أنه لا يمكن لأي دولة أن تغلق حدودها، أو أن تستخدم القوة العسكرية للحيلولة دون انتشارها، والخلل الاقتصادي والسياسي في أي مجتمع لم يعد يقتصر على المواطنين فقط، بل تمتد آثاره خارج الحدود الوطنية، في صورة تلوث وأمراض وأوبئة، وإرهاب، ولاجئين، ومن ثم يتطلب التعامل معها تعاونا على المستوى العالمي، وبأدوات مختلفة ). فالتهديدات الأمنية الجديدة أفرزت أنماطا مختلفة للصراعات إذ أصبحت معظم الصراعات داخلية بين الجماعات والأفراد وليست بين الدول، فتشير الإحصاءات إلى أنه من بين 61 صراعا شهدها عقد التسعينيات من القرن العشرين كان 58 صراعا منها صراعا داخليا، أي بنسبة 95% تقريبا من العدد الإجمالي للصراعات، و90% من ضحايا تلك الصراعات من المدنيين وليسوا عسكريين، ومعظمهم من النساء والأطفال، فالصراعات أصبحت بين الجماعات وليست بين الدول، والضحايا فيها من المدنيين، كالنزاعات المسلحة في إفريقيا، والصومال ورواندا وليبيريا. ويتسم هذا النمط من الصراعات الداخلية بشدة التعقيد والتشابك وارتباطها بخلفيات، وجذور ممتدة وغاية في التعقيد بالإضافة إلى الاستخدام المتزايد للعنف والانتهاك الشديد لحقوق الإنسان( ). في سياق تحول أنماط الصراعات وطبيعة التهديدات، التي صاحبت نهاية الحرب الباردة، فتشير الإحصاءات إلى أنه خلال عام 1990 وحتى 2001 شهد العالم 57 صراعا رئيسيا داخل 45 دولة في مختلف أنحاء العالم، كانت حكومة الدولة أحد أطراف النزاع، دارت النسبة الأكبر من تلك الصراعات خلال الفترة ما بين 1990 وحتى 1993 كان أكثرها في عام 1993، حيث بلغ عدد الصراعات الداخلية التي شهدها العالم 36 صراعا، وفي عام 2001 كان هناك 24 صراعا داخليا، نصفهم مستمر بحد أدنى ثمان(08) سنوات تقريبا، ومن بين العشرين دولة الأقل في دليل التنمية البشرية لعام 2002، توجد 16 دولة منها تعاني من صراعات داخلية( ) فالسمة الأساسية للصراعات هي أنها أصبحت تدور داخل حدود الدولة، والضحية هم مدنيون وليسوا من العسكريين. ثالثا: التحول في مصادر التهديد ظلت مصادر التهديد التقليدية سائدة خلال فترة الحرب الباردة وما قبلها، وكانت متعلقة أساسا بالأطماع الخارجية، واختراق الوحدة الترابية، والنزاعات الحدودية، وكانت الدولة تواجه هذه التهديدات بزيادة الإنفاق العسكري على التسلح وتعزيز القدرات الدفاعية من أجل حماية سيادتها القومية ومصالحها الحيوية، وهذا ما ذهب إليه كل من «بوك» Bock و»بروكوفيتز» BrokoVitz، بالقول «بأن حماية الدولة من الخطر الخارجي تعني صيانة السيادة والوحدة الترابية وسلامتها»( ) وفي السياق نفسه ذهب هانس مورغينتو بأن أمن الدولة: «هو سلامة التراب الوطني ومؤسساته»( ). أما الآن في ظل البيئة الجديدة والتحول في بيئة النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة أصبحت مصادر التهديد ليست قادمة من دول أخرى بقدر ما هي نابعة من داخل الدولة نفسها، كمخاطر التلوث البيئي، والإرهاب العابر للحدود الوطنية، والتحركات السكانية السريعة، الأمراض المعدنية، ومشاكل الأقليات والحركات المتمردة، والهجرة السرية وندرة المياه والاقتحامات التكنولوجية والإعلام»( ). وعليه فقد أصبح التهديد غير معرف وغير محدد المعالم، والقوة العسكرية وحدها لم تعد قادرة على مواجهة التهديدات الأمنية الجديدة، من قبيل سرعة انتشار الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، والإرهاب العابر للحدود والتلوث البيئي وفيروس نقس المناعة البشرية. وهذا الأمر يتطلب تعاون دولي من أجل مجابهة مثل هذه المخاطر الجديدة والتهديدات التي تجاوزت الدول كوحدات مستقلة. وأصبحت مسؤولية جميع المنظمات الدولية والإقليمية، والمنظمات غير الحكومية محلية أو عالمية، التي يجب أن تشعر بالمخاطر والتهديدات المشتركة جراء مشكلات التلوث البيئي والانحباس الحراري أو انتشار الفيروسات القاتلة مثل الإيدز وأنفلونزا الطيور. رابعا: التحول على مستوى الفاعلين (النشطاء) فلم تعد الدولة هي الجهة الوحيدة الفاعلة في إدارة القضايا الأمنية والوفاء بالتزامها في المحافظة على الأمن، إذ أصبحت الجهات الفاعلة متنوعة ومتعددة النشاط، كالمنظمات الدولية والإقليمية، والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني لها دور فاعل ومحوري في تحقيق الأمن، كما هو الحال بالنسبة لفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) إذ أصبحت الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تلعب أدوار حاسمة في التوعية والتوجيه نحو تطور المرض وطرق انتشاره وانعكاساته الجانبية على الفرد والمجتمع. كذالك الأمر بالنسبة لحضر الألغام الأرضية وتعبئة الجهود على نطاق واسع دعما لحقوق الإنسان. فالفعل والتأثير في العلاقات الدولية لم يعد حكرا علي الدولة، إذ أثبتت أحداث 11/09/2001 بروز نشطاء جدد وفاعلين آخرين يمكن لهم إعاقة نشاط الدولة ودلك في ظل مايعرف بالدولة العاجزة( ). وعليه يمكن استنتاج صعوبة مقاربة الأمن بالمنظور التقليدي وذلك بالنظر للغموض الذي يكتنف طبيعة الفاعلين المعنيين بالأمن فلم يعد بالإمكان الاعتماد على المأزق الأمني بالمفهوم الواقعي الناتج عن سباق التسلح والحرب الباردة، من إعطاء تفسيرات لطبيعة التحديات الراهنة التي تعرف تحولا على مستوى الفاعلين ( ). خاتمة ساهمت التهديدات اللاتماثلية وغير التقليدية في زيادة حجم المخاطر والقيم المهددة للأمن الإنساني وزيادة مستوى الانتكاس من خلال الأوضاع الإنسانية المتدهورة (لاجئين، هجرة قسرية، أمراض وأوبئة، أوضاع بيئية مشوهة، الإرهاب العابر للوطنية، الجريمة المنظمة، الأجسام المفخخة، الغازات السامة...الخ). - كما فرضت هذه التهديدات قيودا وتحديات أمام الطموحات النظرية للأمن الإنساني، وتراجعت مستويات إنجازه في الوقت الذي بدأ يتشكل على المستوى الأكاديمي والمستوى الرسمي جهوزية عالية لإحلال وترسيخ الأمن الإنساني في مقابل الأمن بالمنظور التقليدي، الذي يركز على حماية حدود الدولة، ولكن آليات الحرب اللاتماثلية غلبت المنظور الواقعي في الدراسات الأمنية على مقاربة الأمن الإنساني الذي يبقى طموح نظري يفتقر لإرادة حقيقية تعزز متطلبات إنجازه، غير أننا لا ننكر التحول النوعي الذي عرفه حقل الدراسات الأمنية من خلال النقاشات النقدية لمفهوم الأمن التي كانت سببا على الأقل في نقل مستوى التحليل من الدولة إلى الفرد. أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بومرداس