في تغير مفاجئ بعد حملة عدائية ضد الجزائر طيلة الشهرين الماضيين، على خلفية مباراة في كرة القدم، نفس القنوات التي كانت وراء هذه الحملة وأشدّها عنفا وتطرفا، تفسح المجال واسعا أمام ''عقلاء'' مصر، لتذكير المغرّر بهم، وكم كانوا كثيرين، بأن مباراة في كرة القدم ينبغي أن توضع في حجمها الطبيعي، وأن لا تستغل مهما كانت نتيجتها، لنسف ماض طويل مشترك بين البلدين يعود إلى تاريخ النضال، الذي كان يفترض أن يعلو وسط الأحداث المأساوية التي عرفها البلدان قبل أشهر قليلة مضت. ولقد كان للواء ''صلاح خيري''، أحد رموز النضال المصري، وأحد العارفين بهذا التلاحم بين البلدين منذ عقود طويلة مضت، تعود إلى حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان له كلام آخر ذو شجون عن هذا الماضي الذي قال عنه أن ولا أحد من قوى الشرّ الإستعمارية استطاعت أن تمسّه أو تدنّسه، مستغربا حدّة وعنف الحملات الأخيرة التي نبشت في هذا الماضي وحاولت تشويهه وسبّ وشتم من قدموا أنفسهم قربانا لاسترجاع الشعوب حريتها من المستعمر. اللواء صلاح خيري، أسهب كثيرا في الحديث عن ما قدمته مصر للجزائر خلال كفاحها المسلح ضد المستعمر الفرنسي، كما تحدث بنفس الإسهاب عن موقف الجزائر الذي وصفه بالرجولي ومساندتها لمصر أثناء حرب الإستنزاف، ليس ردا للجميل يقول نفس المتحدث في حوار أجراه مع إحدى الفضائيات المصرية، وإنما لقناعة الجزائر بأن هذا هو دورها العربي القومي في الوقوف إلى جانب شقيقتها مصر من خلال أولا تمويل عملية تسليح الجيش المصري بعد أن فقد كل شيء في حرب ,1967 ثم إرسال مجموعة لواء كاملة ومجموعة صاعقة لدعم قتال الجيش المصري في حربه ضد الاحتلال الإسرائيلي. هذا النضال التاريخي المشترك يفترض أن يشكل نموذجا حيا يحتذى به، وأن يكون حيا في قلوب شباب البلدين، يؤكد على ذلك اللواء خيري، وأن يتدعّم حاليا من خلال ربط علاقات أكثر مع كل المؤسسات في البلدين بدء بالمؤسسة العسكرية مثلما ينصح من خلال تبادل الزيارات والمعرفة والآراء والثقافات العسكرية، وأن تشمل أيضا ميادين أخرى كالإقتصاد والثقافة والسينما والمسرح لتفكيك ما وصفه بأنه عقدة توجد هنا وهناك. وتحاشى اللواء التطرق إلى أنه بسبب ''ماتش كورة'' سارعت مصر إلى قطع التعاون الفني والرياضي مع الجزائر، رغم شهادته في نفس الحوار على أن الجزائر لم تتوقف عن تكريم المصريين في كل مرة تتاح لها الفرصة وبالأخص الفنانين والممثلين الذين ردوا الجميل بسيل من الشتائم لبلد المليون ونصف مليون شهيد. وتحيزا للرواية المصرية القائلة بأن الإعلام الجزائري الذي وصفه بأنه غير مسؤول، هو من بدأ الحملة العدائية!!؟؟ قال اللواء المصري أنه ما كان على الإعلام المصري الرد بكل أشكال الشتم والسب التي قادها معلقون رياضيون ومسّت العرق والدين والجنس على حدّ قوله، ناسيا أو غير مدرك أن من بدأ كان أحد رموز الفتنة في الإعلام المصري عندما شتم علنا ماضي وتاريخ الجزائر دون أن يجد الرد الفوري على هذه الشتائم لا من قبل الرسميين المصريين ولا حتى من قبل قبل ''العقلاء'' في مصر أمثاله، ونعتقد أنهم كثيرون على الأقل من جيله، الذين يقدرون حق تقدير عمق الروابط وقيمتها التاريخية، فضلا عن ذلك، فإن حملة العداء لم يكن وراءها بعض الإعلاميين في مصر فقط، وإنما كل الإعلاميين وكل القنوات الرسمية وغير الرسمية، وهذا ما زاد الطين بلة، وعلى حد تصريح الصحفي المصري الشهير حمدي قنديل ''هناك أزرار في الدولة يتم الضغط عليها للتحكم في الإعلام، مثلما حدث في قضية مصر والجزائر، فيتم الضغط على أزرار للتسخين والتبريد والتجميد، وعلى هذا النحو تتحرك ماكينة الإعلام كلها حكومي وخاص، فلا يوجد فرق بينها في مصر ولا يوجد لكلمة الحرية فيها''.. وجاء هذا التصريح في حوار أجرته احدى الصحف المصرية مؤخرا. ومرة أخرى، دعا اللواء صلاح خيري إلى ضرورة عودة العلاقات الطبيعية بين الشعبين الجزائري والمصري من خلال قول كل الحقيقة، في إشارة منه إلى إخفاء الجانب المصري لواقعة الإعتداء على حافلة الفريق الجزائري في مصر يوم 12 نوفمبر الماضي، والإعتذار وتقديم التعويضات ونفس الشيء عن الجانب الجزائري إذا ثبت حدوث تجاوزات، على حد تعبيره، وتعويض الخسائر التي لحقت بالمصريين في الجزائر، ثم تتم المصالحة بين البلدين ويقترح تدخل الجامعة العربية لترميم ما يمكن ترميمه، بمساعدة رموز الثورة في البلدين. كنا نتمنى أن يسود صوت العقل وأن يعلو على صوت التراشق والشتائم المتبادلة، والتي فاقت كل الحدود من الجانب المصري وأن يتدخل العقلاء قبل هذا الوقت من أمثال اللواء صلاح خيري الذي فضل أن يختتم الحوار الصحفي بدعوته للقيام بعمل مشترك لإزالة كل أسباب التوتر لتخطي عقبة ''ماتش كورة'' وليست أزمة عربية، على حد تعبيره.