مازالت الحملة الإعلامية المصرية الشرسة وغير المسبوقة على الجزائر على خلفية التأهل التاريخي لزملاء زياني إلى مونديال 2010 على حساب "الفراعنة" محط استغراب ودهشة الكثيرين في الوطن العربي الذين نقلت مواقع عديدة منها تلك المحسوبة بولائها وانحيازها للمصريين أرءهم في الموضوع، وارتأت " المساء" ان تعرضها على قرائها بأمانة. الإساءة إلى الخصم لتبرير الفشل عبد الجبار العتابي أحد الإعلاميين البغداديين الذي جس نبض الشارع العراقي تحدث في هذا الشأن مع المدرب والأستاذ في كلية التربية الرياضية بجامعة بغداد الدكتور صالح، الذي قال: "في بعض الأحيان تكون هناك عملية تحويل الجوانب السلبية التي يعاني منها الطرف الذي تعرض للخسارة، أي إسقاط الفشل عنه وتحويل ذلك إلى إساءة للخصم، وذلك لم نكن نتمناه ان يحدث في كرة القدم خاصة بين دولتين كبيرتين كمصر والجزائر وهما يعلمان ان الرياضي مطالب بان يلتزم بالروح الرياضية العالية، وكرة القدم فيها فوز وخسارة، ولكن يبدو ان الخطأ الكبير الذي وقع فيه المصريون أنهم ذهبوا إلى المباراة الفاصلة وكأنهم متأهلون الى المونديال، ولهذا فإنَّ خسارتهم سببت صدمة كبيرة لهم وللجماهير وللمسؤولين في البلد". وأضاف: "ان الطرفين المصري والجزائري يتحملان مسؤولية المشكلة التي حدثت لأنَّ وصول الأمور الى هذا المستوى من التأزم لا يخدم الطرفين، ولهذا فإن الحل يتمثل في أن يعتذر المصريون للجزائريين بأسلوب دبلوماسي، وكذلك يفعل الجزائريون، لان الاسمين أكبر من كل ما حدث والرياضة هدفها التقارب وليس التشتت".
الرياضة عامل توحيد،، لكن واتخذ اللاعب الدولي السابق ومدرب نادي دهوك العراقي باسم قاسم نفس سكة سابقه، حيث قال: "لا يختلف اثنان ان الرياضة توحد ولا تفرق خاصة إذا كان الطرفان المتباريان مثل الفريقين المصري والجزائري لما لهما من تاريخ كبير في كرة القدم، ولكن يبدو ان هذه المباراة طغى عليها الشد ولعب الإعلام عبر مواقع الانترنت التي تتميز بحرية أكبر، في الطرح ونقل الأفكار، في إشعال الشرارة الأولى التي انطلق بعدها حريق التشنج ليمتد نحو الإعلام الملتزم ومن ثم الى شخصيات معروفة أخذت تدلو بدلوها عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وتصاعدت وتائرها بعد المباراة. وتابع موضحا: "وان كنا نهنئ المنتخب الجزائري بالتأهل إلى المونديال فاننا نطالب العقلاء ان يحتكموا إلى لغة المنطق في تسوية الأمور بالشكل الذي يعيد الأوضاع إلى حالتها الطبيعية، وفي الوقت نفسه ان يتحمل الجميع مسؤولية ما حدث سواء من الجانب المصري أوالجزائري، فالمصلحة العربية فوق كل مصلحة".
الصدمة بخرت الأحلام من جهته، كان إياد الصالحي مدير تحرير الشؤون الرياضية بجريدة المدى العراقية، يرى القضية من زاوية بدت الأقرب للواقع عندما قال: "حقيقة ان ردة الفعل المصرية بين الأوساط الشعبية في القاهرة وبقية المدن على خسارة منتخبها بطاقة التأهل الى المونديال كانت بحاجة إلى تدخل عاجل وخطاب معتدل لترويض النفوس الغاضبة لاسيما ان الجمهور المصري كان يرى في جيل ابو تريكة والحضري والكابتن حسن قمة النضوج بعد مشوار طويل في الملاعب يؤهلهم لولوج مونديال جنوب افريقيا (مكافأة) الخدمة ثم طي صفحة الملاعب بعدها، لكن الصدمة في ام درمان بخرت كل الأحلام، وفي الطرف الآخر وجد بعض المشجعين الجزائريين المتعصبين فوز منتخبهم دافعاً للثأر، وفلتت من أفواههم عبارات غير لائقة برغم ان بعض الإعلاميين في الجزائر كان دورهم مهنياً عندما ناشدوا من انحرف عن جادة الإعلام النظيف الكف عن بث سمومهم في رئة الرياضة النقية بين البلدين". وأضاف: نعم، المنحرفون لا يتورعون من أجل تمرير غايات نفسية في ظروف تحتاج الى التهدئة واتخاذ مبادئ الحكمة والتعقل عندما وصل قارب الأزمة الى ضفة خطيرة لحرق سفن العلاقة الوطيدة بين الشعبين الأصيلين المصري والجزائري، وأرى ان الصحفي في جميع شؤون العمل الإعلامي يجب ان يكون على الحياد سواء يكتب في المجال الرياضي أم السياسي أم الاقتصادي لأنه ليس طرفا في أزمة ما، بل ناقلا للحقيقة ومحللا لنتائجها في التقارير أوالأخبار أوالتحقيقات، فكيف بمن لا يفقه بضوابط وحدود الإعلام ويمتطي صهوة التهور؟ وأتمنى ان يكون سيناريو ام درمان ذكرى للاتعاظ نتوقف عندها للحظات، نوقد شمعة توحيد الخطاب العربي الكروي بما ينسجم مع مفهوم الرياضة كرسالة إنسانية في حد ذاتها تنطوي على رموز وجدانية في منافسات شريفة علينا مواصلة تثقيف الشعوب مضامينها السامية في المجال الذي نكتب فيه.
"حنابلة" الكرة أما القاص والإعلامي فؤاد العبودي فاختار لغة لا مجال فيها للمجاملة بقوله: "المعروف عن المصريين انهم "حنابلة" في حب كرة القدم، وانحيازهم يكاد يقلب المنضدة على الخصم مع ان أية نتيجة لمباراة كرة قدم لا بد ان تحمل سمة الروح الرياضية سواء كانت النتيجة سلبًا أوإيجابا، المصريون لا يعرفون هذا التقليد تمامًا بدليل ما نشاهده في خصومة مشجعي الزمالك والأهلي وهما فريقان محليان يخصان مصر لوحدها في الدوري، إلا ان التشنج والخروج عن المألوف يصل إلى أهم الشخصيات، فترى أحد الفنانين الذي ينظر إليه الناس (ملائكيا) يخرج عن طوره ويصرخ، وربما يشتم، وهذا ما حدث خلال مباراة الجزائر ومصر، لذلك ليس غريبًا ان تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في المباراة وانعكاساتها السياسية وتداعياتها الخطرة على أسلوب التعامل مع النتائج الكروية". وأضاف: "من حق المرء تشجيع فريق بلاده ولكن ضمن مجريات اللعب في المستطيل الأخضر بشرط ان لا يتعدى ذلك التشجيع استعمال القناني لضرب مشجعي الفريق الخصم أوتوجيه الاهانات للاعبيه، لأن هذا الأسلوب يتنافى بالتأكيد مع تقاليد الروح الرياضية".
...كانوا غارقين في الأحلام وفي نفس السياق، تكلم الصحفي الرياضي أمير ابراهيم فقال: "من المؤسف ان تتحول الأفكار والآراء ووجهات النظر من الطرفين الشقيقين إلى حرب كلامية وكأن الدنيا قامت ولم تقعد خاصة من جانب الأشقاء المصريين الذين لم يستسيغوا فكرة الخسارة كخسارة بل أنهم تعاملوا معها على انها إهانة كبيرة تعرضوا لها وكأنه لم يمر بكل تاريخ المنتخب المصري إلى خسارة مثل هذه، والحقيقة هي أنهم صدموا بالحقيقة بعد ان كانوا غارقين في الأوهام التي منحها لهم الفوز بهدفين في المباراة التي جرت في القاهرة والتي ظروفها لا تشبه ظروف المباراة الحاسمة التي جرت في السودان متناسين في الوقت ذاته ان المنتخب الجزائري له شخصيته الكروية المعروفة على الأصعدة كافة". لكنه عاد ليعبر عن أسفه للمسار الذي أخذته هذه القضية: للأسف الشديد نقول أيضًا ان ما حدث ليس بجديد على الساحة الكروية العربية وهناك العديد من الذكريات غير الجميلة، ولكننا نأمل ان تكون هنالك جلسة حوار بين الجانبين المصري والجزائري ووضع النقاط على الحروف والتعامل مع الأمور بروح رياضية عالية آخذين بنظر الاعتبار ان الحرب الكلامية ما هي إلا بابًا ينفذ منه أعداء العرب سعيا الى زيادة الفرقة والتناحر وخلق أزمات نحن في غنى عنها".
تأهل بجدارة واستحقاق عاليين الشاعرالعراقي المعروف أمين جياد لم يتوان في توجيه سهام انتقاداته للإعلام المصري والشخصيات التي انساقت وراءه، قائلا: "كان فوز الفريق الجزائري على الفريق المصري بجدارة واستحقاق عاليين، وهذا ما أثار حفيظة المنتخب المصري ومشجعيه الذين تمادوا كثيرا عبر وسائل إعلامهم على الجزائر كدولة، ولا أدري لماذا انجرت وراء ذلك اتحادات أدبية وفنية وثقافية، ومن الغريب ان نسمع عن مقاطعات للجزائر في الأمور الفنية، بل وصل الأمر إلى أعلى المستويات حين قال الرئيس المصري انه لايسمح لأحد بالتجاوز على كرامة المصريين، وهذا يدل على مدى انجرار رئيس دولة وراء لعبة كرة قدم بين فريقين عربيين، مما أجج الوضع وأخذ مداه السياسي قبل الرياضي، وشمل ذلك تصريحات لمسؤولين مصريين طالبوا بمحاسبة السياسيين الجزائريين وكأنهم لا يعرفون خطورة الأمر، حتى ان بعضهم وصف الحالة هذه وكأنها حرب بين دولتين". البادئ أظلم وشاطر الكاتب السياسي عبد الامير العبودي رأي أمين جياد وذهب إلى أبعد من ذلك بتبريره لرد فعل بعض المشجعين الجزائريينبالخرطوم تجاه عدد من "أنصار الفراعنة"، حيث قال: "حين انتهت المباراتان الأخيرتان بين مصر والجزائر كنا نتوقع ان يسكت الإعلام المصري ولا ينبس ببنت شفة، أولا لما حصل في القاهرة حين استقبلت جماهير العروبة والقومية في مصر الإخوة الجزائريين بالحجر والمدر وبالتهديد والوعيد، وكأن الوفد الجزائري لم يقرأ قبل قليل لافتة بطول عشرة أمتار في مطار القاهرة تقول (ادخلوها بسلام آمنين)، فلم يهنأ لاعبو الجزائر بلحظة أمن واحدة حتى وهم محاطون بالدرك والجند المدججين بالسلاح كأنهم في معركة أوقبيل هجوم .......))، وحصل ما حصل وأخذ المصريون النقاط الثلاثة وبفارق هدفين في المباراة، بعد ذلك كيف يتوقع المصريون من الجزائريين ان يعاملونهم ؟ هل بأخلاق الأنبياء، فلا اعتراض ولا صوت ولا...". وأضاف: "ما قام به الجزائريون مثلما يزعمون كان نتيجة طبيعية لفعل قام به المصريون (والبادىء أظلم)، كما ان الجزائريين لم يرشقوا المنتخب المصري ب (الطوب)، كل ما قام به الجزائريون انهم تصرفوا برجولة كاملة أوقفت المد (الفرعوني) المستهتر وطاروا الى جنوب افريقيا.. وماذا بعد ؟ ان يتدخل الرئيس ومجلس الوزراء والسفراء ووكلاء الوزارات والمدراء العامون والفنانون و..... (كأن الدنيا انقلبت)، خسرت مصر، فلتخسر مصر، ولتفز الجزائر، لأن الجزائر بلد عربي شقيق، أما نستحي من (عبد الناصر)، ماذا نقول له يوم يتجمع العرب هناك (عند رب العرب)، المصريون ما زالوا يعتقدون ان مصر ام الدنيا والناس سمسم وان منتخبهم الأصلح للذهاب الى كأس العالم، أصلح الله النفسية المصرية بالتواضع.
إعلام اللف والدوران وتحت عنوان "إعلام اللف والدوران" كتب ن.الخرشيدي صحفي في "السي ان ان" مقالا فتح من خلاله النار على الفضائيات المصرية: "تلتقي القنوات الفضائية المصرية جميعها، في وجود شرطي مراقب واحد عليها تجلى بوضوح من خلال قطع المكالمات الهاتفية في وجه المتدخلين المصريين الذين لا يشاطرون وجهة نظره". وتحولت جلسات "النقاش" لهذه الفضائيات إلى ممارسة الرقابة بغباء كبير...قطع المكالمات لم يكن حالة استثنائية في قناة واحدة أواثنين، بل تحول إلى ظاهرة يمكن للإنسان عديم الملاحظة أن يقف عندها، وهو ما يعكس حالة الجرعات الزائدة "الأوفر دوز" التي وقعت فيها هذه الفضائيات المصرية وأفقدتها كل المصداقية خارجيا وحتى داخليا. ويكون المواطن المصري هو الآخر قد اكتشف حقيقة الإعلام الذي تبثه القنوات الخاصة، والذي لم يساهم في معرفة الحقيقة بقدر مساهمته في التعتيم على المصريين حول ما جرى فعلا في الواقع. ونتيجة ذلك أن هذه القنوات صنفت المصريين ليس وفقا لميولاتهم وأفكارهم، وهو ما كان يمكن تقبله، لكن تم تصنيفهم حسب درجة "الولاء الأعمى" لسياسة جمال وعلاء مبارك وليس لمصر، وهو ما أسقط كل الأقنعة وعرى الفضائيات المصرية من كل مصداقية...أبعد من ذلك تم شطب مداخلات مصريين تمت على المباشر خلال إعادة بث الكثير من الحصص لهذه الفضائيات وذلك حتى يتغلب صوت الشتائم على الأصوات المنصفة والموضوعية".
مصر بحاجة إلى ان تراجع نفسها بعد ان افتضح أمرها وكان سيف الناقد السياسي محمد النعمان من الشارقة أكثر حدة، حيث قال في البداية: "رب ضارة نافعة.. فمصر بحاجة إلى أن تراجع نفسها بعد أن افتضح أمرها أمام العالم وليس العرب وحدهم، وعليها أن تفيق من حالة تخدير عمرت طويلا، وأن تفهم اليوم أن حكاية أم الدنيا خرافة، وأن الريادة ليست العيش على التاريخ، وعالم اليوم لا يؤمن إلا بما تقدم من إضافة للانسانية، ومصر انتهت، فهي تعيش حالة إفلاس سياسي وفكري وإعلامي وفني ورياضي.. والجزائريون الذين خرجوا من أزمة دامية دامت عشرين عاما، حفظوا الدرس جيدا، وأعادوا بناء دولتهم، ورتبوا شؤون بيتهم الداخلي، وحددوا أهدافا للعودة من جديد إلى واجهة العالم". وأضاف موضحا: "وليس أدل على ذلك من إقامة جسر جوي لنقل أكثر من 10 آلاف من أبناء الجزائر البسطاء الذين أطلق عليهم الإعلام المصري والمستفيدون من ريع نظام مبارك البلطجية في أقل من ثلاثة أيام، وهو ما يؤكد قدرة هذه الدولة التي اعتقد بعض أعدائها أنها انتهت.. واختار الحزب الوطني المصري نجوم الفن والسينما ورجال الأعمال ليباهي بهم في الخرطوم، ولم يذهب أبناء مصر الطيبين، وهنا الفرق، بلد كالجزائر هدفه رياضي وإسعاد شبابه، وبلد مثل مصر هدفه سياسي وقد باع جلد الدب قبل صيده، ولما انهزم قال كرامتي هدرت.. تلك هي الفضيحة. وختم مؤكدا فشل زعماء الكذب في مصر في مسعاهم قائلا: "أسألكم هل رأيتم مواطنا مصريا من صعيد مصر يدلي برأيه، كل الذين كانوا يتزعمون حملة الإساءة إلى الجزائر في قنوات استعادة الكرامة المهدورة هم المستفيدون من النظام، أما بسطاء مصر فيؤدون للأسف دور الكومبارس والمتفرج.. ومن دون شك فإن التجني على الجزائريين وشتمهم ونعتهم بأسوإ ما يحفل به قاموس السب ظلم لشعب رفع رأس الأمة العربية بتضحياته وليس لقيطا وإرهابيا ومجرما وسفاحا وقاطع طريق. ولأن الجزائر كبيرة لم ترد على سفاهة من أساءوا لمصر والعرب قبل الجزائر. باختصار الجزائر أفشلت أكثر من مشروع كانت مصر تسعى لاستثمار فوزها على الجزائر لتمريره.. فمتى تخرج مصر من الوهم، وإذا كان الله أوصانا بالأمهات خيرا، فخير لنا أن نهتم لأمر أم الدنيا. وبرافو للجزائريين الذين جعلوا أهل السودان يكتشفون حيويتهم وشهامتهم ونبلهم وصدقهم وحبهم للانتصار.