ضمت جمعية الثامن ماي 1945 صوتها إلى الأحزاب والمنظمات الجزائرية المنددة بخرجة وزير الخارجية الفرنسي كوشنير، معتبرة أنها مدرجة في سياق سياسة المغالطة وقفز على الحقائق والهروب إلى الأمام، بدل مواجهة الواقع الاستعماري كما هو، والاعتراف جهرا بجرائمه وإبادته الممارسة بدم بارد وتباهي على مدى أزيد من قرن من الزمن الكولونيالي. وأكدت الجمعية في بيان استنكار وقعه رئيسها خير الدين بوخريصة، بشدة لهجة، أن أقوال »المستر كوشنير ليست غريبة عن توقعاتنا، إنها لا تشرف فرنسا وشعبها والمبادئ التي قامت عليها جمهوريتها«. وواصلت في تنديدها بإخفاء الحقيقة التي يتقنها الساسة الفرنسيون بدهاء ويذهبون في كبريائهم إلى حد محاولة إعطاء الدروس للآخرين، أن الشوفينية المبالغ فيها التي أظهرت هذه المرة لدى كوشنير تنمّ عن شيء واحد هو عدم هضم الاستقلال الوطني والسيادة المنتزعة بالدم والدمع بقيادة رعيل الثورة التحريرية الذين صغرت أمامهم الأشياء الأخرى وكبرت الجزائر في أعينهم، ولم يحيلوا عنها قيد أنملة. وعلى هذا الأساس انتزعت الأسرة الثورية حق الاعتراف من الجزائريين وكسبت ثقتهم ومصداقيتهم، وفي كل مرة ينتفض الجزائريون ضد كل محاولة المساس بالشرعية الثورية والذاكرة الوطنية التي تتمادى أقلام الكثير من الفرنسيين وألسنتهم في التطاول عنها لغرض معروف، وهم الذين تباهوا بجرائم وادّعوا أنها تسقط بالتقادم، وصرحوا بملء فيهِم أن للاستعمار رسالة تحضر وتمدن، وذهبوا عكس توجهات دول استعمارية كثيرة سوت المشكلة مع مستعمراتها السابقة فاعتذرت وعوضت، مُقرِرة طي صفحة الماضي دون تمزيقه. وحدها فرنسا تسبح عكس التيار، وتستمر في إدارة ظهرها للجرائم الفضيحة الفظيعة التي اقترفتها بلا رحمة ضد الجزائريين وساستها لم يتمالكوا في ترديد أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان.. آخرهم كوشنير الذي روّج في تصريحه لأكاذيب غايتها مغالطة الرأي العام الفرنسي المطالب بكشف الحقيقة الكاملة عن الجرائم ضد الإنسانية في الجزائر أثناء ليل الاستعمار، والاعتراف بها تمهيدا لعلاقات جزائرية فرنسية خالية من شوائب الماضي الكولونيالي الأسود. وذكّرت جمعية الثامن ماي كوشنير بهذه المرجعية، قائلة أن الجزائر حرة مستقلة، ولم تعد ملحقا لفرنسا، وهي مصرّة على مطلبها القار وحقها المقدس في انتزاع الاعتراف بجميع الجرائم الفرنسية المرتكبة على مدى 132 سنة، والتعويض، وهي لا تنوي التراجع عن هذا المطلب إلى يوم الدين. وكلام كوشنير وغيره لم يزِد الجزائريين سوى تمسكا بهذا المطلب الذي يدرج في قائمة أولويات الحاضر والآتي.