الفساد في الجزائر وغيرها ليس ظاهرة جديدة أو حدث استثنائي رغم اثاره الوخيمة على البلاد والعباد عموما، وان كان يستدعي مواجهته بكل الطرق والاساليب قصد محاصرته للقضاء عليه، أو على الاقل التخفيف من تداعياته المدمرة، قبل ان ينتشر في كيان المجتمع كالسرطان القاتل. ومع الكشف، وبكل جرأة، عن منابع الفساد والمتورطين في عمليات مشبوهة، خاصة تلك التي مست شريان الحياة الاقتصادية، مثلما حدث مع ابرز الاطارات السابقة لسوناطراك وقبلها مؤسسات مالية كبيرة وشركات عمومية وطنية ومحلية، وكذا عمليات تبييض للأموال، تكون الدولة الجزائرية قد اكدت للعام والخاص، انها لن تتهاون مع من تسول له نفسه الحاق الاضرار المعنوية قبل المادية بالبلاد، مهما كان مركزهم أو نفوذهم أو صلة القرابة التي تربطهم ببعض المسؤولين في مراكز حساسة في هرم السلطة. ومع استمرار فضح الجرائم الاقتصادية المرتكبة في حق الاقتصاد الوطني، بدأت تتكشف العديد من الحقائق المأساوية والغريبة في آن واحد، ولعل ابرزها ان المسؤولين الذين باعوا ضمائرهم للشيطان وانغمسوا الى حد النخاع في نهب ثروات البلاد بدون وجه حق، ليسوا من عامة الناس، أو بسطاء أو مستواهم المعيشي محدود، مثل اطارات سوناطراك أو إطارات بنوك وطنية أو في شركات كبرى أخرى، أين يتمتع فيها هؤلاء بالعديد من الامتيازات القانونية، التي تؤهلهم للعيش مرتاحين. لكن الجشع وعدم القناعة والميل الى الفساد، تعد جميعها بمثابة العملة الصعبة لهؤلاء، خاصة أولئك الذين يصرون على الاستمرار في نفس درب الفساد، والاكثر من هذا توريثه لأولادهم، مثلما أصبح شائعا لدى فئة من المفسدين، حيث لا يتوانى البعض من هؤلاء في توريط أولادهم في عمليات مشبوهة من خلال خلق ما يشبه شركات خاصة، تمرر إليها الصفقات بطرق غير مشروعة بتواطىء من الاقارب وهم عادة الآباء من مسؤولين على شركات عمومية، أين تلعب هذه الشركات الخاصة ''العائلية'' دور الوسيط بين المؤسسات العمومية وأخرى اجنبية مقابل عمولات تختلف نسبتها باختلاف حجم الشركات العمومية وهكذا.. الاولياء عموما أو الآباء يعتقدون أن طريقتهم التي تعتمد على الاحتيال على القانون هي الانجع لتأمين مستقبلهم ومستقبل ما أمكن من الاجيال القادمة، ناسين أو لعلهم غير واعين أو مدركين بأنه قد يأتي اليوم الذي تنكشف فيه اساليب وطرق الاحتيال والغش الممارس لتحقيق اكبر قدر ممكن من الغنائم، والامثلة موجودة، بل والاكثر من ذلك ماثلة للعيان وقبل اسابيع قليلة مضت. فضائح الفساد الأخيرة التي تم إماطة اللثام عنها من قبل الجهات العازمة على التصدي للفساد والمفسدين، لا تزال قيد التحقيق، وان كانت اولى المعلومات تكشف عن مدى الضرر الذي يكون بعض المسؤولين قد الحقوه بالشركات العمومية التي كانوا يسرقونها، ولعل ما خفي كان أعظم !! وحجم الضرر لن يكون ماديا فقط أي خسارة الملايير على الشركات المتضررة أو معنوية بزج المتورطين في السجون إن تبثت ادانتهم، إنما خسارة هؤلاء المسؤولين ستكون متعددة الاوجه، ولعل اكبر خسارة ان يورط الاب ابنه في عمليات وصفقات مشبوهة وان يكون المستبب في القضاء عليه وعلى مستقبله ومستقبل اجياله، وهو الذي كان يبحث على تأمين ذلك بالغش والتدليس وخيانة الامانة، أي بدل توريث القيم والاخلاق، فإن هناك فئة من المسؤولين لا تتوانى في توريث الفساد، وهي ظاهرة اصبحت منتشرة، ليست في الجزائر فقط وانما في دول عديدة يكون في البعض منها ابناء لرؤساء دول ذاتهم متورطون الى حد النخاع في نهب ثروات البلاد وجمع الملايير من الدولارات وتهريبها الى الخارج وابقاء شعوبها في فقر مدقع، والامثلة على ذلك عديدة خاصة في دول العالم الثالث.