"لا بد من ميثاق شرف وطني لمحاربة الفساد وتحقيق الحكم الراشد" *يجب إعادة النظر في منظومة التعيين في المناصب القيادية للشركات * نظام المحاسبة لا يتضمن آليات فعالة لتحقيق الشفافية في صرف الاعتمادات المالية أرجع تنامي ظاهرة الفساد في الجزائر إلى نظام المحاسبة المتبع ،معللا سبب ذلك بعدم وجود من يطالب القطاعات الوزارية بتبرير توقعات الإنفاق ولا يفرض عليها تقنيات محاسبة دقيقة كالتدقيق في مبالغ الفواتير،رؤيته الإقتصادية مكنته من اقتراح حل لاستنزاف الظاهرة كالإسراع في تطبيق المخطط المحاسبي و إعادة النظر في منظومة التعيين في المناصب القيادية للشركات ،إلى جانب إطلاق ميثاق وطني لمكافحة الفساد ،وعن القضايا المفجرة مؤخرا قال بأنه تحصيل حاصل ،لأن الجزائر تشتكي ضعف معايير الشفافية في تسيير القطاع الإقتصادي وضعف المساءلة الشعبية لأداء الحكومة ،مشيرا في نفس الوقت إلى أن مجلس المحاسبة هو مجرد هيئة استشارية ،لاتملك سلطة القرار في مجال السياسات الإقتصادية و الإجتماعية ،إنه صاحب الأفكار النيرة و القيمة ، الذي جعل أولى اهتمامه الشؤون الاقتصادية ألا وهو الخبير فيها بشير مصيطفى الذي سمح لنا بإجراء هذا الحوار المتكامل والشيق. 1- تعرف ظاهرة الفساد في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا مقارنة بالسنوات الماضية ما مرد هذا الارتفاع؟ ولماذا كشفت الملفات في هذا الوقت بالذات ؟. ظاهرة الفساد في الدول المتعلقة بمرحلة انتقال ترتبط دوما بحجم الإنفاق العمومي وحجم الصفقات ، وفي الجزائر لم يشهد تاريخ الوقائع الاقتصادية لهذا البلاد إنفاقا عاما كالذي شهده خلال العشر سنوات الأخيرة حيث تجاوز حجم الاستثمارات الحكومية سقف 300 مليار دولار ، وقد امتصت القطاعات ذات الطبيعة الإنتاجية المحدودة مثل الإنشاءات ، الطرق ، البناء ، الأشغال العامة ، النقل ، الدعم الحكومي المباشر لقطاع التشغيل والفلاحة والصيد البحري . وهكذا يصعب متابعة صرف تلك الأموال كما أن حجم الإنفاق الكبير يغطي أساليب الفساد . وهناك سبب آخر للظاهرة يتعلق "بنظام المحاسبة المتبع في الجزائر حتى الآن وهو نظام لا يطالب القطاعات الوزارية بتبرير توقعات الإنفاق ولا يفرض عليها تقنيات محاسبية دقيقة" كالتدقيق في مبالغ الفواتير مثلا . أما عن الكشف عن القضايا المتعلقة بالفساد في هذا الوقت بالذات ، فاحتمالات ذلك متعددة منها محاولة النظام السياسي الجزائري إثبات جانب الشفافية والبلاد في خضم المفاوضات متعددة الأطراف للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة ، وأيضا احتمال توسع رقعة الصراع بين أجنحة النظام الفعلي في البلاد إلى درجة استخدام أوراق الكشف عن التلاعبات والتجاوزات في حق المال العام لحسم ذلك الصراع . 2 - يرجع البعض تنامي الظاهرة إلي غياب الآليات القانونية وسياسة الردع،هل تشاطر هذا الرأي؟ نعم هناك أكثر من سبب واحد في تنامي هذه الظاهرة المقلقة ، في مقدمتها ظاهرة التسيب تسيير المال العام مدعومة بالوفرة المالية عقب انتعاش أسعار النفط خلال العشر سنوات الأخيرة ، ثم هناك التسيير الإداري للصفقات العمومية بعيدا عن الجدوى الاقتصادي ، ثم هناك نظام المحاسبة الذي لا يتضمن آليات فعالة لتحقيق الشفافية في صرف الاعتمادات المالية ، مع "فقدان مجلس المحاسبة لصلاحية القرار فيما يخص التعامل مع الملفات الخاضعة للمحاسبة"، وأخيرا هناك العامل البشري الذي يعني عدم خضوع الترسيم والتوظيف في المناصب القيادية في الشركات وخاصة الشركات العمومية لمبدأ النزاهة وحسن السيرة. 3 - مجلس المحاسبة ،هو هيكل بدون روح ،الدليل على ذلك هو أن هذا الأخير منذ سنة 2002 لم يصدر أي تقرير فيما يخص صرف المال العام؟ مجلس المحاسبة يعمل في إطار الصلاحيات المخولة له في القانون، الذي يحكم أداءه ومادام القانون المنشئ للمجلس لا يخول له صلاحية القرار أو تعويض الجهات القضائية يظل المجلس مجرد هيئة استشارية مثله مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي لا يملك سلطة القرار في مجال السياسات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية ، أما عن التقارير فهي محكومة بإمكانية نشرها وليس بمجرد صياغتها وتلك الإمكانية تخضع في الدول النامية عموما لاعتبارات سياسية أكثر من الاعتبارات الأخرى ذات العلاقة بالشفافية والحكم الراشد. 4 – ما هي الإجراءات الواجب إتباعها للحد من انتشار هذه الظاهرة ؟ أولا يجب الإسراع في تطبيق المخطط المحاسبي الجديد وهو مخطط أكثر ملائمة لدعم الحكم الصالح من المخطط الحالي ، وثانيا يجب إعادة النظر في منظومة التعيين في المناصب القيادية للشركات التي يجب أن تخضع لمعايير السلامة الخلقية والنزاهة وحسن السيرة ، وثالثا "يجب إطلاق ميثاق وطني لمكافحة الفساد وتحقيق الحكم الراشد يكون محل إجماع والتزام وطني من كافة هيئات ومؤسسات البلاد ذات العلاقة بالمال العام إدارة الاقتصاد "، ويأتي القضاء كحلقة مكملة في سياق نظام النزاهة حيث عليه تطبيق آلية العقوبات دون استثناء أو تمييز مهما كان نوعه. 5 - هل أن عملية استصدار قوانين كفيل بمحاربة الفساد آم ماذا؟ لا أبدا القوانين لا تكفي بل هي مكملة لمنظومة الحكم الصالح التي ترتكز على سلامة التوظيف في المناصب القيادية وتحقيق المساءلة البرلمانية وتطبيق أسلوب الحكومة في تسيير أصول القطاع العام ، القانون آلية لتوضيح الجزاءات والعقوبات وتوضيح الالتزامات والمستعجل الآن هو إطلاق ميثاق شرف وطني لمحاربة الفساد وتحقيق الحكم الصالح. 6 - كيف تنظرون إلي قضايا الفساد التي فجرتها المحاكم في الآونة الأخيرة وتورط فيها مسؤولون سامون في الدولة؟ هذا تحصيل حاصل لما قلته سابقا ، الظاهرة لها أبعاد سياسية وأخلاقية وليس فقط اقتصادية ومالية والملفات المفجرة مؤخرا يمكن أن يكون لها علاقة بصراع ما في منطقة ما من مناطق إدارة القطاع الاقتصادي . 7 - كان في وقت سابق قد أعلن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عن إنشاء لجنة وطنية لمحاربة الفساد. وعزا البعض هذا الإعلان إلى التنامي غير المسبوق للمحسوبية والرشوة ونهب المال العام،في نظركم انتم كخبير ،هل ترون أن اعتماد مثل هذه الإجراءات كفيل بالحد من الفساد؟ سبق وأن أعطيت رأيي في موضوع اللجنة المذكورة وقت الإعلان عنها ورأيي موثق في ما نشر لي من تصريحات ومقالات ، حيث قلت بأن مكافحة الفساد في بلد كالجزائر لا يمكن أن تكون بأساليب إدارية أو قانونية وحدها لأنها تعدت الحالات الفردية إلى ظاهرة آخذت في التطور لا سامح الله إلى ثقافة عامة وسط مجتمع المسيرين وأصحاب القرار . وعندما تتطور الظاهرة إلى ثقافة عامة في تلك الأوساط فإن قوة النفوذ تتغلب عن قوة الإدارة والقانون. وقد أثبتت الوقائع ما قلته حيث زادت وتيرة النهب العام بعد الإعلان عن تلك اللجنة مباشرة ، ولا بديل عن ميثاق وطني يحقق الإجماع الوطني حول محاربة الفساد والمفسدين. 8 – ما هو تعليقكم بخصوص التقرير الأخير لمنظمة الشفافية العالمية الذي صنف الجزائر بين 2006 و2009 من ضمن الدول التي تعرف بأعلى نسبة رشوة؟. هذا التصنيف ليس جديدا بل الجزائر متأخرة في سلم الحكم الصالح منذ فترة طويلة والسبب لا يعود فقط إلى تنامي ظاهرة الفساد بل إلى ضعف معايير الشفافية في تسيير القطاع الاقتصادي وضعف المساءلة الشعبية لأداء الحكومة والدليل على ما أقول هو غياب مرصد رقمي مستقل للحركية المالية للجزائر وغياب نظام إحصائي حر ومستقل عن أنظمة الحكومة الإحصائية.