التّشجير حزام أمان لمكافحة الاحتباس الحراري تحشد الجزائر كافة الموارد البشرية والطّبيعية لتجسيد التوجه نحو اقتصاد متنوّع يرفع قدرات الإنتاج الوطنية، ويتقاطع هذا المسعى مع الحفاظ على الجوانب البيئية لما تمثّله من أهمية بالغة. وتعتبر الثّروة الغابية الموزّعة على 4,1 مليون هكتار، من المجالات الحيوية غير المستغلّة، إذ يشكّل اقتصاد الغابات أحد مفاتيح التنمية الوطنية. عندما تمّ إعداد استراتيجية تخص قطاع الغابات إلى غاية آفاق العام 2035، تمّ لفت النّظر إلى أنّ أكبر خطر يهدّد الثّروة الغابية، التي تكتسي بالغ الأهمية لدورها الاجتماعي والبيئي والاقتصادي هو الحرائق. حقيقة تأكّدت في صائفة 2017، بعدما التهمت النّيران ما لا يقل عن 50 ألف هكتار في الجزائر، متسبّبة في خسارة أقل ما يقال عنها أنّها “ثقيلة وجسيمة”، حرائق جزم الأمين العام لفدرالية عمال الغابات والطبيعة والتنمية الريفية والبيئة عبد المجيد طكوك في تصريح ل “الشعب”، بأنّ 99 بالمائة منها، “مفتعلة وإجرامية”. الخسارة الجسيمة التي طالت الثّروة الغابية الوطنية، جاءت في وقت تراهن فيه الدولة على قطاع الفلاحة بشكل عام وقطاع الغابات تحديدا، للتوجه نحو اقتصاد بديل عن ذلك القائم على مداخيل الذهب الأسود، والأهم من ذلك، الانخراط في المسعى الذي كرّسه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وجعله ضمن أولويات برامجه، ممثّلا في البيئة والرّهانات المرتبطة بها. هذا الطّرح يعزّزه الحيّز الذي أفرده مخطّط عمل الحكومة الجديد للوزير الأول أحمد أويحيى المصادق عليه من قبل مجلس الوزراء يوم 6 سبتمبر 2017، إذ ركّز كثيرا على الطابع الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي للغابات، وكذا “التّجديد الريفي”، الذي يساهم في تكريسه بشكل فعّال وملموس ضمن الإستراتيجية الجديدة في قطاع الغابات لاستغلال هذه الثروة ما يخدم الاقتصاد الوطني والقاطنين بجوارها بتمكينهم من مناصب عمل توفرها النشاطات الجديدة، إذ ستوفّر غابات الاستجمام التي سيستفيد منها مستثمرون ضمن التوجهات الجديدة، وكذا السياحة البيئية، ضمن البعد الاجتماعي والبيئي، مناصب شغل هي الأخرى. وقد استفاد المستثمرون في مرحلة أولى من 9 غابات استجمام، 4 منها بولاية أم البواقي، و4 بالمسيلة و1 بقسنطينة، على أن يصل عدد الغابات الإجمالي إلى 200 فضاء. التّشجير لمكافحة التّصحّر وعزل الكربون وإذا كانت إستراتيجية الغابات الممتدة إلى آفاق 2035، والمندرجة في إطار توجّهات الحكومة الجديدة، التي تمّ إقرارها بعد الأزمة الاقتصادية في العام 2014، تعود إلى العام 2016، فإنّ استراتيجية رئيس الجمهورية بالمقابل بدأت في العام 1999، عندما أمر بمخطّط وطني ضخم للتّشجير يضم غرس مليون 250 ألف شجرة في حدود العام 2020، بلغت نسبة إنجازه إلى غاية اليوم 60 بالمائة بما يعادل 852 ألف و797 شجرة. ضمن هذا المنظور، يأتي الحيّز الذي خصّصته الحكومة، والذي شدّد على “مواصلة التكفل بالأملاك الغابية من خلال مخطّطات التّهيئة التي تشمل مساحة قدرها 200 ألف هكتار”، موازاة مع برنامج هام لإعادة التشجير يتضمّن 350 ألف شجرة منها 100 ألف أشجار مثمرة، مع مواصلة وضع أحزمة خضراء عبر الهضاب العليا بغرض الحد من زحف الصّحراء، دونما إغفال أحواض مصبّات السدود. فلماذا التّشجير؟ وضمن أي رؤية؟ لطالما ارتبط التشجير في الأذهان بمكافحة التصحر، فكرة ارتبطت بالسد الأخضر وأثبتت فعاليتها وهي حقيقة، لكن ما لا يعلمه البعض، هو مساهمته غير المباشرة في الاقتصاد الوطني بشكل فعّال. واستنادا إلى توضيحات المدير الفرعي بمديرية استصلاح الأراضي ومكافحة التصحر رجام خوجة، فإنّ “التّشجير يوفّر على الدولة نفقات معتبرة، وكانت ترصدها لحل مشكل الآبار الذي تكلف أموالا ضخمة”. إذ كلّفت عملية رفع سد غريب بولاية عين الدفلى مليار دج، فيما كلّفت عملية نزع التوحل بسد قرقوق بمعسكر 841 مليون دج، مع العلم أنّ مشكل التوحل يقلّل قدرة استيعاب مجموع 65 سدا، بحوالي 9 ملايين متر مكعب، ما يعادل تغطية حاجيات 22 مليون شخص سنويا، بمعدل 150 لتر يوميا، كما أنّ المياه المتدفّقة من الغابات لا تكلّف كثيرا على مستوى محطّات التّصفية، التي تقتصد فيها حاليا مليون أورو، مثلما هو الشأن بالنسبة لمحطة الشفة على سبيل المثال. وإلى ذلك يأتي الاهتمام بالتشجير، ضمن العناية التي توليها الدولة الجزائرية للبيئة، وفي هذا السياق، أكّد مدير حماية النباتات والحيوانات عبد القادر بن خيرة أنّ تحريك القطاع سريعا بات ضرورة، في ظل إشكالية المناخ ممثّلة في الاحتباس الحراري وما يرتبط بها، لاسيما تأثيرها على النّظام الايكولوجي، وتسبّب الظاهرة في الحرائق التي كانت مهولة هذه الصائفة في الجزائر، وكذا الفيضانات. ويساهم التّشجير بنجاعة كبيرة في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري والحد منها، حيث يعمل على ما يعرف ب “عزل الكربون”، وبالتالي تخفيف درجة حرارة الأرض، وهو ما تمّ الاتفاق عليه في برتوكول باريس، الذي أشار إلى التّسيير المستدام للغابات، حسب توضيحات المديرة الفرعية المكلّفة بالملكية وشرطة الغابات آسيا عزي. وقد حدّد البروتوكول الطابع الايكولوجي الذي يخص توازن الغابة، وكذا الطابعين الاجتماعي والاقتصادي للغابات المتوسطية، والتوفيق بينها مرتبط أساسا بجهاز مكافحة حرائق فعّال، وحسن الاستغلال بالحرص الدائم على تجديد الغابات، من خلال ترك الأشجار التي تطرح بذورا لنمو أشجار أخرى تم قطعها، ومنع الرعي لما يلحقه من أضرار بالأشجار خاصة الشجيرات الفتية. ويفتح اقتصاد الغابات المجال واسعا أمام المستثمرين، لاسيما بعد استحداث ما بات يعرف بغابات الاستجمام، كما يفتح فرع نشاطات جديدة أمام أصحاب المؤسسات الصغيرة الذين بإمكانهم مثلا تصنيع الزيوت، تحويل البلوط، واستغلال الثروة الغابية بالشكل اللائق، وأكثر من ذلك يساعد الجزائر على رفع التحديات المطرحة في المجال البيئي على رأسها عزل الكربون، ويبقى الهاجس الأكبر الحرائق التي تهدّد هذا الفضاء. الحديث عن اقتصاد الغابات، الرهان الكبير لمديرية الغابات قطاع الفلاحة عموما، يقودنا للحديث دون أدنى شك عن الإطار التشريعي، الذي يعود إلى العام 1984، ما جعل المديرية تدخل تعديلات على المراسيم التطبيقية السارية المفعول، بما يسمح باستغلال الثروة الغابية، وفق ما أكّد مدير مركزي بمديرية تسيير الثرة الغابية نصر الدين قازي أول ل “الشعب”. وقد تمّ إدراج مفهوم الراحة والتسلية والسياحة البيئية، في قلب إستراتيجية تنتهجها مديرية الغابات، عملا بتعليمات الوصاية والحكومة في إطار المخطط الاقتصادي القائم على التنويع، ما أعطى بعدا اجتماعيا هاما سيتجسّد من خلال ما يعرف بغابات الاستجمام التي يستفيد منها مستثمرون، يحصلون على فضاءات على الضفاف، يقومون بتهيئتها لاستقبال العائلات، التي تجد بذلك أماكن جديدة للتّرفيه والترويح عن النفس. غابات الاستجمام متنفّس للعائلات ومصدر لمناصب الشّغل قبل سنتين، وتحديدا في شهر فيفري من العام 2015، أصدرت وزارة الداخلية والجماعات المحلية، ووزارة الفلاحة والتنمية الريفية، وكذا وزارة المالية، منشورا وزاريا مشتركا يتعلّق بتنفيذ أحكام المرسوم التنفيذي رقم 06 368 المؤرّخ في أكتوبر العام 2006، والذي يحدّد النّظام القانوني لرخصة استغلال غابات الاستجمام وكذا شروط وكيفيات منحها. النّتيجة اليوم، سيتم منح فضاءات غابية لمستثمرين أودعوا طلبات لاستغلالها، ويستجيبون لكل الشّروط والالتزامات المحدّدة في دفتر الشروط، وعددها 200 فضاء على ضفاف الغابات، ويقدّر معدل قيمة الاستثمارات بحوالي 600 مليون دج، لتجهيز غابات الاستجمام بوسائل الترفيه، لفائدة الوافدين إليها. ويحدّد المرسوم السّالف الذكر النظام القانوني لرخصة استغلال غابات الاستجمام، جاء فيه حسب مفهوم المادة الثانية منه، “يقصد بغابة الاستجمام: كل غابة أو جزء منها، أو أيّة تشكيلة غابية طبيعية كانت أو مشجرة، مهيّأة أو ستهيّأ، تابعة للأملاك الغابية الوطنية، ومخصّصة للاستجمام، الراحة التسلية، السياحة البيئية، على أن يتم إنشائها في غابات أو في جزء من غابات الأملاك العمومية المتواجدة بجوار المناطق السكنية بمحاور الطرق، وأن يتم احترام البيئة”. وإلى جانب غابات الاستجمام، تمّ استحداث الترخيص بالاستغلال، يتم من خلالها التنازل للسكان القاطنين على الضفاف، وعن مساحات أرضية صالحة للزّراعة، يحدّد مساحتها محافظ الغابات على مستوى الولاية، وبإمكان المستفيدين منها استغلالها من خلال غرس أشجار مثمرة تربية النحل، وتصل مدة الاستغلال إلى 20 سنة و40 سنة حسب الصيغة، فيما تناهز 90 سنة في الأراضي لغرس الغابات. المجال مفتوح للقيام بنشاطات أخرى منها إنتاج المشاتل، جني الفطر واستغلال وتحويل الخشب، واستغلال النباتات الطبية العطرية، غرس الخروب وتحويله، التي تستقطب اهتمام الشباب الذين يريدون ولوج عالم المقاولاتية من خلال إنشاء مؤسساتهم في إطار جهاز التشغيل ممثلا في الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب “أونساج”. في السياق، كشفت مديرة فرعية مكلفة بالملكية وشرطة الغابات آسيا عزي، عن التوقيع الوشيك لاتفاقية بين المديرية العامة للغابات، الوكالة الوطنية لدعم التشغيل والصندوق الوطني للتأمين عن البطالة. الفلين يساهم في اقتصاد 30٪ من الطّاقة ولعل الأمر الأكيد الذي لا يختلف عليه اثنان، أنّ أول ما يتبادر إلى الأذهان عند إثارة موضوع قطاع الغابات في الجزائر، هو مادة “الفلين”، والذي يعد ضمن أجود الأنواع المطروحة في الأسواق على الإطلاق. شكّل الفلين مصدر دخل هام في سنوات السبعينيات الثمانينيات، لكن سرعان ما تراجع استغلاله في التسعينيات بسبب الظرف الأمني، كما تراجعت مساحته أيضا بفعل الحرائق، التي تلحق به أضرارا بالغة تنعكس حتى على النوعية. وبالنّسبة لمدير حماية النباتات الحيوانات عبد القادر بن خيرة، فإنّ “الفلين يبقى أهم ركيزة يقوم عليها اقتصاد الغابات”، مؤكّدا أنّ “الرّهان على استعادة كل المساحات التي تحوي أشجار الفلين، لاسيما وأنّ الفلين الجزائري من نوعية جيدة ومطلوب بكثرة في السوق”، لافتا إلى تراجع كبير في المساحات والإنتاج، وبالتالي الكمية المصدرة. ولم يفوّت ذات المسؤول المناسبة، ليذكر بأن المديرية العامة للغابات تشرف على تسيير 8 حظائر وطنية، تزخر بعدة أصناف من النباتات النّادرة، ذات قيمة إيكولوجية، تدرّ مداخيل هامة في حال استغلالها بطريقة جيدة، حظائر تلعب دورا رئيسيا في النظام الايكولوجي. ولا تتجاوز مساحة الفلين اليوم 350 ألف هكتار، ما يعادل 21٪ من المساحة الغابية، متواجدة ب 20 ولاية في مقدمتها جيجل وسكيكدة وبجاية وتيزي وزو، ويناهز معدل الإنتاج 60 ألف قنطار، فيما يمكن إنتاج 80 ألف قنطار سنويا. وبلغت قيمة الصادرات من هذه المادة في الفترة الممتدة بين 2012 و2015 حوالي 6 . 4 مليون أورو فقط، بكمية قدرها 28 ألف قنطار سنويا، ويتم استغلال الفارق في الجزائر الذي يحوّل أو يصنع، وضمن الإستراتيجية الجديدة سيتم إعادة التشجير لاسترجاع المساحات، تطهير الأرض من الأشجار التي التهمتها النّيران، مع العلم أنّه لا يمكن استغلال الفلين إلا بعد مرور 35 سنة على غرس الشجرة، وبعد نزع الفلين يتم انتظار 8 سنوات أخرى لنزعه مجدّدا. أهمية الفلين لا تكمن فقط في المداخيل التي قد يدرّها، وإنما أيضا في استعمالاته في “العزل” داخل البنايات، التي تساهم في اقتصاد 30 بالمائة من نسبة الطاقة المستعملة، وتستورد الجزائر سنويا ما قيمته 800 مليون دولار من الخشب لسد الاحتياجات، أغلبه لا يمكن إنتاجه في الغابات المتوسطية، فيما لا تتجاوز كمية الخشب الذي يباع سنويا في الجزائر 130 ألف ملين متر مكعب، يضاهي سعر المتر المكعب الواحد 1500 إلى 2000 دج. وعلى الأرجح، يكتسي اقتصاد الغابات أهمية بالغة في الجزائر، على اعتبار أنّه مفتاح للتّنمية وخلق مناصب الشغل للشباب القاطن على ضفاف الغابات، محقّقا بذلك الأهداف المنشودة ممثلة في الرّفاه العمومي وتثمين الطابع الاجتماعي لهذا الفضاء، غير أنّ بعثه ونجاحه مرتبط باستعادة مساحات أشجار الفلين لرفع الكميات المصدّرة مجدّدا كما في السّابق، وبالاستغلال الفعلي.