دعا أمس، السيد رضا حمياني رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، السلطات العمومية إلى فتح حوار إقتصادي صريح وجدي ودون تنازلات، يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر المتعاملين الإقتصاديين، وذلك إذا أريد الإستقرار للإطار التنظيمي العام للإقتصاد الوطني وتدارك التأخر المسجل في التنافسية. وقال حمياني خلال المداخلة الإفتتاحية للندوة الإقتصادية التي عقدت، أمس بنزل الأوراسي، أن الحل الوحيد لمعالجة كل الإصلاحات الهيكلية العاجلة لبناء إقتصاد سوق صلب وناجع يكمن في وضع المؤسسة في صميم السياسة الإقتصادية الوطنية. ولم يتردد المتدخل في اعتبار أن الإجراءات الأخيرة المتضمنة في السياسة الإقتصادية العمومية زادت من حجم العراقيل التي تواجه المؤسسة الوطنية، مما دفعه إلى إستنتاج وجود خلط بين سياسة النمو الإقتصادي ورفع حجم الإنفاق العمومي، بعد أن تدخلت الدولة بقوة لتمويل كل النشاطات والقطاعات الإقتصادية، التي وإن يرى ضرورتها في التنمية والتربية والصحة أو في تحديث الهياكل القاعدية والنقل وغيرها.. إلا أنها لن تساهم في الإنتاج بمفهومه الإقتصادي، رغم الإرتفاع المستمر في حجم الإنفاق على التجهيزات العمومية الذي انتقل من 453 مليار دينار في سنة 2002 إلى 2814 مليار دج، في سنة ,2009 ولم تستفد منه المؤسسة الوطنية، على حد تعبيره. الإنتقاد الآخر الذي وجهه حمياني إلى السياسة الإقتصادية الحالية يتمثل في الإجراءات المتخذة للحد من ارتفاع فاتورة الواردات التي ارتفعت من 10 إلى 12 مليار دولار بعدما كانت بلغت قبل خمس سنوات حوالي 40 مليار دولارا في السنتين الماضيتين، مشيرا إلى أن ذلك يعود إلى ارتفاع الإنفاق غير المسبوق في ميزانية الدولة وخاصة الشق المتعلق بالتجهيزات. وعوض اعتماد سياسة إقتصادية لتنشيط وتحضير الإنتاج المحلي وبالتالي تعميق الإصلاح الهيكلي للإقتصاد الوطني، حسب حمياني، عمدت الحكومة إلى العودة نحو ممارسات ترتكز بالأساس حول تقييد العمل التجاري والاستثماري على حد سواء وتبديد موارد مالية متأتية من المحروقات مثلما أشار إليه في مداخلته التي تطرق فيها أيضا إلى أن إلزامية المرور على القرض التوثيقي لتقييد الواردات ستعرقل المنتجين أكثر من مساهمتها في تخفيف الأعباء على الإستيراد، منتقدا في ذات السياق تضييق فضاء الإستثمار على الأجانب الذي سيؤدي بدوره إلى مزيد من التأخر في الجانب التكنولوجي !!. أما الخبير الإقتصادي السيد عبد المجيد بوزيدي، فقد قدم من جهته وبالأرقام صورة قاتمة عن الإطار الذي يوجد فيه الإقتصاد الوطني، وقد ركز في مداخلته على كل ما هو سلبي وبدأها بأهم عوامل النمو الإقتصادي الذي ارتفع من 4,9٪ إلى 9,2٪ خلال الخمس سنوات الماضية، وذلك خارج قطاع المحروقات، بينما سجل تراجعا في النمو الإجمالي من 5,1٪ إلى2,1٪ فقط ونفس التراجع، لكن تحت عتبة الصفر، أي من 5,8٪ إلى ناقص 6,6٪ عرفه قطاع المحروقات ليستنتج أن الإعتماد على قطاع المحروقات بصفة مستمرة وارتفاع الإنفاق العمومي المتأتي من مداخيل النفط لم يؤد إلا إلى تراجع النمو الإجمالي بثلاث نقاط وليؤكد على أن النظام الحالي للنمو غير مجدي وليس فعالا، لأنه توسعي من حيث الانفاق ومكلف ومؤقت. أما من حيث الإستثمار، فإن أغلبه عمومي وبلغ معدل 84٪ في سنة ,2009 بينما لا يصل معدل الإستثمار الخاص سوى 15٪ والإستثمارات الأجنبية المباشرة 1٪، حسب الأرقام التي قدمها بوزيدي، والتي قال عنها أنها إستثمارات عمومية موجهة لقطاعات غير منتجة، بينما لا يزال حجم الصادرات خارج المحروقات ضئيلا للغاية وفي ظل إنفاق عمومي الأكثر ارتفاعا مقارنة مع بعض دول المغرب العربي 28,9٪ و27,5٪ في كل من المغرب وتونس على التوالي وأكثر من 45,4٪ في الجزائر. وفيما يخص محفزات الإستثمار والنمو، فإن بوزيدي يرى بأنها غير موجودة مع عودة التضخم وعدم وضوح السياسة الميزانية للإنعاش وعدم فعالية نظام التمويل، مثلما أشار إليه في الشق المتعلق بالتحفيزات الكلية في غياب محفزات الإقتصاد الجزئي التي تدور حول مرونة سوق العمل ونظام جبائي ملائم والتكوين وتقليص معدل الفائدة، تضاف إليها ما اعتبره نفس المتدخل حجم التكاليف الباهضة في المعاملات وعدم شفافية الإطار القانوني وغيرها... في غياب هذه المحفزات وانطلاقا من النظرية التشاؤمية للخبير الإقتصادي بوزيدي، فإن الاستمرار على هذا المنوال طويلا سيؤدي إلى تمزق »شراع« المحروقات، والمسؤولية لن يتحملها المتعاملون الإقتصاديون ولا المؤسسة الوطنية على العموم. تدخلات رجال الأعمال خلال النقاش تركزت حول المشاكل التي تعاني منها كل مؤسسة على حدى ليجمع هؤلاء على ضرورة أن تصغي السلطات العمومية لمشاكلهم المختلفة في إطار ما وصفوه بالحوار البناء والشفاف للخروج بحلول توفيقية تحمي مصالح كل الأطراف.