بانتهاء فعاليات صالون الجزائر الدولي للكتاب، الذي بات يعدّ الحدث الثقافي الأوّل في البلاد، يكون الوقت قد حان لإلقاء نظرة ناقدة وتقييمية على التظاهرة، سعيا إلى تحسينها وترقيتها. في هذا الصدد، التقينا الدكتور العربي بوعمامة، مدير مخبر الدراسات الإعلامية والاتصالية، ورئيس قسم الإعلام بجامعة مستغانم، وسألناه التسويق الأمثل للصالون، وأسباب الإقبال الجماهيري الكبير عليه، ودور الجامعة والإعلام في ترقية المشهد الثقافي، فكان هذا الحوار.. «الشعب»: ما هي في رأيك أهم العوامل التي ساعدت على الإقبال الجماهيري الكبير الذي يحققه صالون الكتاب كل سنة؟ د.العربي بوعمامة: أعتقد أن الإقبال الكثيف للجمهور على الصالون الدولي للكتاب راجع لعدة عوامل، فطابع التظاهرة العلمي والثقافي يتيح للكثير من المهتمين بحركة التأليف والنشر العلمي استغلال فعاليات طبعات الصالون الدولي للكتاب للتعرف على آخر الإنتاجات الفكرية والعلمية لباحثين وكتاب وروائيين، وهذا التنوع في اعتقادي جعل التظاهرة الدولية تستقطب كل سنة عددا معتبرا من الجماهير من داخل وخارج الوطن، كما أن المرافقة الإعلامية للأنشطة العلمية التي تنظم على هامش الصالون تستدعي جمهورا آخر من المتابعين لأعمال الباحثين وإسهامات المثقفين الفاعلين في حركة النشر العلمي والتأليف بشكل عام. ما هي الطريقة المثلى في التسويق إعلاميا لهذا الحدث، سواء داخل أو خارج الجزائر؟ التسويق الاعلامي للأنشطة العلمية والتظاهرات ذات الطابع الثقافي أصبح، في عصر الإعلام الجديد، يتطلب رؤية عمل إعلامية مغايرة تماما لتلك الأنشطة الإعلامية التسويقية لنشاطات عامة، فالتظاهرة العلمية تستدعي إعلاميا تسخير وسائل إعلام ثقيلة مؤثرة وحديثة، تصل إلى قطاع واسع من الجمهور، كما أن طرائق العمل الإعلامي المرافق لتفاصيل ونشاطات التظاهرة العلمية يتطلب اشتغالا واسعا على فنيات الإخراج الإعلامي للتظاهرة إلى الساحة الثقافية والعلمية، وأقصد بكلامي مستويات الأداء الإعلامي المتصل بنشر صور الإشهار والإعلان للتظاهرة والأعمال السمعية البصرية المعبرة بفنية وجمالية عالية على أهمية التظاهرة وخصوصيتها. ينفذ هذا في إطار ورقة طريق تستدعي استحداث هيئة إعلام لكل تظاهرة ثقافية محلية ودولية، وهذا ينطبق تماما على الصالون الدولي للكتاب، الذي أدعو القائمين عليه إلى تفعيل استراتيجية إعلامية تسوّق له دوليا، وأن لا يكون السقف العالي للمنظمين متجها لضمان التغطيات الصحفية اليومية، دون جني ثمار النجاح الإعلامي للتظاهرة بعد ختام كل طبعة سنوية، وضرورة إيجاد نشاطات مرافقة، والتظاهرة الآن أصبحت حدثا وطنيا بامتياز، بحيث نجد التظاهرة الوحيدة التي تؤمّ أكبر عدد من الجزائريين لها سنويا، وأصبحت تقليديا وطنيا ومحليا وحتى عائليا، ولتاريخ لعب تحدي القراءة العربي في عملية جذب رائعة للكتاب في وسط أبنائنا داخل المدارس، وأصبحت المحفز للقراءة، ومن هذا المنبر أدعو فخامة رئيس الجمهورية إلى إيجاد مثل هذا الشكل من المسابقات لتحفيز القراءة داخل المجتمع المتمدرس، خاصة وأن الدولة اهتمت كثيرا بالمكتبات، فنجد في كل حي الآن مكتبة، وهذا قلّ ما تجده في العالم، لكن لا وجود لاستراتيجية محكمة لاستثمار هذه المكتبات وتفعيل دورها في المجتمع، فندعو إلى تفعيل فعل القراءة في المجتمع. هل يمكن اعتبار حدث على غرار صالون الكتاب، فضاءً للنقاش العمومي والتداول والحوار، وسانحة للانتقال من مجرد استهلاك الأفكار إلى إنتاجها؟ أشكرك على هذا السؤال الهام والدقيق.. أعتقد أن الصالون الدولي للكتاب وعبر مختلف الندوات العلمية التي تنظم في برنامج التظاهرة يجب أن يتبنى، بمشاركة المثقفين والباحثين في قضايا وإشكاليات بحثية وقضايا الشأن العمومي، مقاربة هامة في طرح نقاشات علمية بين الفاعلين في النشاط الفكري والعلمي، ولا بد أن يتحول الصالون الدولي للكتاب إلى فضاء علمي للنقاش وتبادل الأفكار بين المثقفين، وأن يتم اختيار مواضيع وإشكاليات في سياق البحث ومسار التفكير العلمي تلامس هواجس المثقفين وتشبع احتياجات الباحثين في حقول معرفية عديدة. هذا الإقبال الجماهيري على صالون الكتاب، وحتى غيره من تظاهرات ثقافية كبرى، يقابله وصف للمشهد الثقافي بالركود والعقم.. لماذا هذا التفاوت؟ وأين يكمن الخلل؟ أعتقد أن هذا التوصيف للمشهد الثقافي في الجزائر، وحالة الركود التي قد يرى الكثير من الفاعلين في العمل الثقافي والعلمي أنها موجودة، يعبر في الحقيقة عن غياب تكامل بين أدوار المؤسسات الثقافية الرسمية الموجودة من أجل تفعيل الحراك الثقافي وتنشيطه، وعدم وضوح رؤية لدى القائمين على إنتاج سياسة ثقافية وطنية تثري الفضاء الثقافي وتجعله أحد ركائز التنمية الثقافية. فالملاحظ أن صياغة الأنشطة الثقافية وإيقاع العمل الثقافي والعلمي الذي يبادر به مثقفون وباحثون ومفكرون ليس واحدا، كما أن تفاعل الجمهور مع التظاهرات العلمية والثقافية ليس دوما في مستوى واحد، وأقصد بكلامي هذا مستويات المشاركة في الفعل الثقافي، ومرافقة بعض مؤسسات الدولة للتظاهرات المنظمة، لذا فأنا أرى أن هناك تشتت إن صح القول للمجهود الثقافي والعلمي الذي يُبذل على مستويات عدّة، الأمر الذي يجعل الحركة الثقافية بشكل عام غير منسجمة ولا تعبر في الأخير عن نهضة أو حراك للمشهد الثقافي على المستوى المحلي. كيف يمكن للجامعة أن تسهم في إنعاش الحراك الثقافي والإبداعي الوطني؟ وإلى أي مدى تقوم الجامعة بدورها في هذا الصدد؟ الجامعة فضاء علمي ومعرفي يمكن أن يدفع بالحركة العلمية والثقافية، ويتاح هذا من خلال مناخ العمل العلمي الذي توفره المؤسسات الجامعية، وروح المبادرات العلمية التي تتجلى في تنظم الملتقيات العلمية ونشاطات البحث العلمي، وهو متوفر في اعتقادي بالكم المطلوب في العديد من المؤسسات الجامعية. ولكن يجب في نفس الوقت أن تقترب المؤسسات الثقافية الموجودة من الجامعة وتؤسس لعلاقات عمل مع الباحثين الذين يمكنهم إضافة الكثير لدور الثقافة والمكتبات، من خلال بحوثهم وإسهاماتهم الهامة في البحث العلمي والنشاط الجمعوي، وتفعيل آلية التعاون بين المؤسسات التي تلتقي في النشاط المعرفي والعلمي، لأن الاتفاقيات موجودة ولكن فيما يتعلق بالآليات الحقيقية التي تحيل إلى تعاون ناجع وفعال، فإن مستويات الأداء في هذا الجانب ما زالت في اعتقادي غير مقنعة. لقد أصبح لدينا الآن مؤسسات ثقافية مع وجود وسط ثقافي متكامل تقريبا، فقط نحتاج إلى تنسيق متكامل بين كل المؤسسات في رؤية استراتيجية، لأن أي مشروع يلزمه التكامل بين كل الفاعلين.