الكتاب سفير جيّد للبيئة التي كتب فيها ومن خلالها، فهو يوثق لها ويخبر عن أحوالها وثقافتها، الكتاب عموما نقرأ من صفحاته ما يوسع المدارك، ينور البصيرة ويفتح أبواب المعرفة على مصراعيها، وينير لنا ثقافات الشعوب ومعتقداتهم المختلفة، فالكتاب الذي بين أيدينا يعتبر تجربة ثرية للحكاية الشعبية، وأبعادها الأسطورية وتميزها في نسج خيال عميق، غارق في وصف عوالم لا علاقة لها بالواقع إلا ما ارتبط بتحفيز الناشئة على فعل الخير والتحلي بأخلاق عالية الهمة، ونبذ التردي وسوء المعاملات. سيّدة الغابة أو «حكايات شعبية سلافية» كتاب رائع يغوص في عمق التراث السلافي، يفتح أذهاننا على ثقافة بعيدة، تقبع في أوروبا الشرقية، لا يمكن لنا قراءتها بهذا الشكل الجميل لولا هذه التجربة الجميلة لتوثيق التراث الانساني، والسعي الحثيث لترتيب ذاكرة الشعوب المختلفة، المتباينة في مناحي والمشتركة في مناح كثيرة ترتبط في أساسا بتواجد الانسان على الأرض، وكيف صنع لنفسه خيالاته من مخاوفه، وشكل مجدا لنفسه وتاريخا من الحكايا. «سيّدة الغابة» مجموعة من الحكايات جمعها لأجل الانسان أ - ه - فراتسلاف وهو على مايبدو كاتب وجامع جيد للتراث الشفوي، وترجمها عن السلافية «حسن فالح فزع» لصالح هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، والمنشور من خلال دار كلمة. سيّدة الغابة ومن خلال تصفّح سريع تجمع بين دفتيها مجموعة من الحكايا الشعبية، غارقة في الخيال الانساني، تصور عوالم مسحورة، من غيلان وعمالقة، بشر خارقو القوى وساحرات وطيبون يمكنهم حين ظهورهم أن يكسروا سحرهن، وعبر سبعة عشر حكاية يمكن لأي قارئ أن يتمتع، ويكتشف معتقدات شعوب بعيدة جرافيا...شعرات الجد «آلنو» الذهبية الثلاث، جنيات الغابة، جورج صاحب المعزاة، الليمونات الثلاث، حصان الشمس، الغزالة الذهبية، حصان الشمس، كلها عناوين تعكس غرابة المحتوى وايغاله في الرمزية. سيّدة الغابة رحلة ممتعة في تاريخ شعب أثّث حضارته وبنى تاريخه، وسافر بعيدا في موروث جميل يحمل الكثير من الايحاءات، يعالج مشاكله، أتعابه وخيباته بواسطة الحكي، واستنطاق التراث الشعبي، العامر بالقصص والأساطير الجميلة في معانيها، الباعثة على التربية القويمة للأجيال الموالية...هي إذن دعوة مفتوحة لقراءة تراث الشعوب من خلال الموروث المكتوب، والقصص الانسانية التي تؤسس لمستقبل واعد ومشرق.