يتميز التراث الشعبي الجزائري، سواء كان حكاية أو شعرا بخصوصيات اجتماعية وثقافية متميزة، ذات أبعاد إنسانية عميقة، تقاوم الشر وتناصر الخير بمسؤولية وحكمة وروية، قلّما نجدها في النصوص الأدبية الشعبية الأخرى، ونظرا لأهمية هذه النصوص الشعبية، صدر كتاب للأستاذ سعيد هاشمي تحت عنوان؛ «حكايات من التراث الشعبي الجزائري»، جمع فيه ست حكايات ونقلها من الأمازيغية إلى العربية، للتعريف بتراثنا الثقافي وجمعه من أجل المحافظة عليه وتهريبه من منطقة النسيان. الحكايات الشعبية منها ما هو خاص بمنطقة من مناطق الوطن، ومنها ما هو تراث تشترك فيه جميع المناطق، وقد يكون الاختلاف في بعض الأسماء أو الكلمات التي يتم توظيفها، حسب لهجة هذه المنطقة أو تلك. الكتاب الذي أهدانيه المؤلف، أعادني إلى سنوات الطفولة، قبل أن تسحق الرسوم المتحركة المستوردة تراثنا الشعبي وتحوله إلى مقابر، قد محى اسم شاهدها من الجدات ولم تعد بتلك الذاكرة الحية التي كانت تملأ فراغات طفولتنا أمام مواقد النار في ليالي الشتاء الباردة، أو في ليالي الصيف وسمرها تحت السماء الصافية المزروعة بالنجوم التي لا تحصى. التراث الشعبي ومنه الحكاية أو القصة الشعبية، يعد كنزا ينبغي عدم الاستهانة بمحتوياته، بل يجب المحافظة عليه وتوظيفه توظيفا علميا اجتماعيا، يمكن العودة إليه والاعتماد عليه في تربية الأجيال وتلقيحها بتراثها وأصالتها حتى تحافظ على مميزاتها وخصائصها، خصوصا ونحن في زمن الفضاءات المفتوحة على كل الثقافات التي مكنتها التكنولوجيا الحديثة من الانتشار والتوسع على حساب ثقافات وموروثات ثقافية أخرى مازالت تفتقر إلى توظيف مثل هذه التكنولوجيات. وإن تفتطن الأستاذ سعيد هاشمي بجمعه هذه الحكايات حتى لا تضيع وأخرجها إلى القراء، وما أجملها أن تكون قصصا لأطفالنا، وأفلاما لرسوم متحركة، بدل تلك التي يتم جلبها من ثقافات أخرى متنوعة، قد نلتقي معها في جانبها الإنساني، إلا أننا نختلف معها في الجانب العقائدي والتربوي والأخلاقي، وحتى في نسج الأساطير التي تمس بالجانب الديني وتأخذنا إلى الجانب الإلحادي الوثني في تعداد الآلهة وأنسنتها، حسب الموروثات الأخرى والإيديولوجيات والمعتقدات التي تؤمن بها وتعتقدها. يقول الأستاذ سعيد هاشمي في مدخل كتابه: « كثيرة هي كنوز الثقافة النائمة في ظل أشجار جبالنا الشامخة، وتحت سقوف قرانا الغالية، وفي واحاتنا الفاتنة وبين أسوار مدننا الجميلة، كالحكايات والأمثال والحكم والشعر، ومع الأسف تتسرب بين أصابعنا كالماء النقي، تضيع ونحن غافلون، كما تضيع الأشياء الثمينة في حياتنا، ولا نندم إلا بعد أن نشعر بفراغ مكانها، وندرك الخسارة التي أصابتنا بفقدانها، كأننا عاجزون عن الاحتفاظ بها في زمن كثرت فيه وسائل الجمع والتخزين والنشر». ويضيف الأستاذ سعيد هاشمي في تقديمه قائلا: « هذه الكنوز قابعة في مكانها منذ قرون، تتناقلها أفواه قليلة، ونحن مكتفون بما ترميه إلينا عقول أخرى، يخدم مصالحها أكثر من نفعنا ثقافيا، وثقافتنا الأصيلة مازالت تنتظر أقلاما تنتشلها من مخالب النسيان التي تهددها، لتطير بها إلى أفق أرحب وتنشرها بين الناس، لإثراء فكرهم وتعريفهم بقيم مجتمعهم، وهي متشوقة إلى التقاء أطفالنا، لتنمية قدراتهم العقلية والتخيلية، وربطهم بعاداتهم وحضارتهم الإنسانية الرفيعة». الكتاب ضم إلى صفحاته ست حكايات، وهي على التوالي: «شركة ابن آوى، عاقبة الحسد، رحلة الاكتشاف، زواج الحكيم، المحقور والراعي والقرد». الكتاب من القطع المتوسط يضم 144 صفحة. الحكايات التي اختارها المؤلف من التراث الشعبي تعرف في بعض المناطق باسم المحاجية أو الأحاجي، فتتكلم على لسان الحيوان وتعطي من الأحجية حكمة وغاية، تهدف من خلالها إلى تربية الأطفال تربية تعتمد على حب العمل وكسب رزق الحلال، بعيدا عن المكر والدهاء وأكل أموال الناس بالباطل، كما نجده في قصة القنفذ وابن آوى المحتال، إلا أن القنفذ رغم صغر جسمه، يكد ويجتهد ليحصل على قوته، وإلى جانب العمل والجد، يتمتع بذكاء كبير، مما يجعل حيل ومكر ابن آوى ترتد عليه. هذه القصص تعد دروسا يمكن أن يتعلم منها أطفالنا الكثير من واقع الحياة، ومواجهتها بالحكمة والعمل وبذر الخير ودفع الشر بطريقة حكيمة، مثلما فعل القنفذ مع ابن آوى، والحكايات الست كلها دروس يمكن أن نستفيد منها الكثير من المنافع والحكم، خصوصا لأطفالنا.