بعد جزء أول كان مثيرا للغاية، يواصل الحارس دريد نصر الدين، كشف الكثير من الحقائق والمغامرات التي حدثت له أثناء مسيرته الكروية سواء مع الأندية التي لعب لها أو المنتخب الوطني، ولعل أشهر تلك الحوادث ما حدث له في مباراة زامبيا الشهيرة، وهي القصة الطريفة التي أصبح بعدها يلقب بقط الشبكة، كما عاد دريد للحديث عن حقيقة ما حدث له في عام 1986 يوم سجل عليه مدافع شبيبة القبائل حفاف هدفا من وسط الميدان. لو نتحدث قليلا عن مباراة زامبيا.. هل يمكن أن تكون هي التي فتحت لك أبواب الشهرة؟ بالطبع.. يمكن القول أنها المباراة التي أخرجتني إلى عالم الشهرة، حيث وبعد المواجهة تحدثت عني الصحافة بإسهاب خاصة الزامبية منها، وهذا لأني كنت أديت في الحقيقة مقابلة كبيرة للغاية وأنقذت بها المنتخب الوطني من عشرة أهداف على الأقل مثلما قال لي زملائي الذين كانوا معي يومها. الصحافة الزامبية يومها نعتتك بالحارس الأخطبوط؟ نعم هناك صفات كثيرة لُقبت بها عقب المباراة، لأن الزامبيين يومها كانوا يعتقدون بأن المواجهة ستكون لصالحهم بعدما فازوا قبلنا ب15 يوما فقط، على المنتخب الكاميروني برباعية كاملة، رغم أن الفريق يومها كان من بين أحسن المنتخبات في إفريقيا، وعلى هذا فإنهم ظنوا أن مقابلة الجزائر في جيبهم لكنني تفطنت للحيلة التي كانوا يلعبون بها.. لقد كانوا يستعملون الغريغري كثيرا في كل المقابلات، وهذا بعدما علمت بالحيلة التي كانوا يستعملونها لم يسجلوا عليّ أي هدف رغم أنهم وصلوا لمرماي في أكثر من مناسبة. لكن كيف كان هذا، لم يسبق لك أن صرحت بهذا للصحافة؟ قلت أنهم لعبوا قبلنا أمام الكاميرون وفازوا عليهم برباعية كاملة، شخصيا لم أقتنع بتلك الطريقة التي لعبوا بها وفازوا على منتخب كبير بمثل الكاميرون، يومها لقد أدهشوني أنا وكل أعضاء الطاقم الفني، وبما أن في تلك الفترة لم يكن لدينا أي قنوات رياضية أجنبية لمشاهدة المقابلات أو الأنترنت، فقد طلبنا من سفارتنا في لوزاكا إعطاءنا أشرطة عن تلك المقابلة ولحسن حظي سقط عندي شريط كامل للمباراة.. وبعدما تلقيت الشريط انزويت لوحدي في الغرفة وأعدت مشاهدة ذلك الشريط لأكثر من خمسين مرة على الأقل، كنت يومها أحب اكتشاف هذا السر فاستطعت أن أصل إليه بعد ذلك، وتعرفت على أمور كثيرة منها على وجه الخصوص الأهداف الكثيرة التي سجلوها في المرحلة الأولى. ما هي تلك الأمور التي اكتشفتها؟ كانت في الملعب عارضتين للمرمى وهو ما لم يستطع أحد رؤيتهما، الأولى صغيرة على الثانية وكان الزامبيون دائما يختارون اللعب في العارضة الصغيرة طيلة المرحلة الأولى، وهذا لكي يسجلوا أكبر قدر من الأهداف في مرمى العارضة الكبير، وهو ما حدث بالضبط مع الكاميرون، كما أنه وفي مباراتهم هذه أيضا اكتشفت أنهم فعلا يؤمنون بالسحر والشعوذة، والأدهى من ذلك أن الرئيس الزامبي هو الذي كان يقوم بها شخصيا، حيث وقبل بداية المباراة كان قد دخل إلى الميدان لإعطاء إشارة الانطلاق، فأمسك بالكرة وقام بمداعبتها ولمّا رأى ابتعد لاعبي منتخب بلاده قام بقذفها في مرمانا أو محاولة إصابة أحد لاعبينا، وهذا هو السر الذي كان في انتصاراتهم، بما أنهم يؤمنون كثيرا بالشعوذة والسحر. لكن ماذا فعلت يومها لتبطل هذا المفعول العجيب للرئيس الزامبي؟ أول أمر قمت به هو إخبار قائدنا محمود ڤندوز -الله يذكرو بالخير-، لقد ذكرت له كل شيء، وأذكر أيضا أنه أثناء التدريبات تنقلنا وقمنا بقياس العارضتين فوجدنا واحدة أطول بكثير من الأخرى فتأكد معي، لكننا رفضنا أن نكشف كل هذا لزملائنا إلى غاية يوم المباراة، وعندما دخل الرئيس الزامبي كعادته ليداعب الكرة ثم يقذف بها علينا توجهنا لزملائي وأخبرناهم بالأمر ....بعدما بدأ في مداعبتها تفارقنا جميعا ولم يصب ولا واحدا بتلك الكرة التي لم تدخل حتى شباكنا بسحرهم الذي جلبوه إلى أرضية الميدان، وهذه كانت الشفرة الأولى التي فككناها فلم يسجلوا علينا. لكن.. حتى المرمى؟ والله في الحقيقة لمّا طلب الحكم يومها من ڤندوز الخيار بين الكرة أو المرمى، كنت قد طلبت منه أن يختار المرمى فنفّذ ذلك، وهو الأمر الذي أغضب كثيرا القائد الزامبي الذي كان يتجه إلى ذلك الخيار، لكننا أفسدنا عليه مخططه بعدما أفسدناه حتى على الرئيس الزامبي الذي كان يستهدف أن يصيبنا بالكرة لكي يسجل فريقه مرة أخرى عددا كبيرا من الأهداف، وكل هذه في الحقيقة لم نكن لنؤمن بها، لكن بما أنها كانت تساعدهم فقد فضّلنا أن نطيح بمؤامرتهم ونلعب على أعصابهم منذ البداية. يقال أنك أنقذت مرمراك من 20 هدفا على الأقل؟ولأول أ (يضحك).. نعم حوالي 20، وكانت جميعها في المرحلة الثانية، لأن المرحلة الأولى لعبتها براحة مادامت العارضة قصيرة جدا ولم أتعب كثيرا في صد كراتهم التي لم تكن خطيرة، فيما حوّلنا نحن أحد الكرات الرائعة إلى هدف من زميلي تاج بن ساولة، الذي أحترمه كثيرا وأحيّيه بالمناسبة. وماذا جرى بالضبط في الشوط الثاني؟ لم يسبق لي أن كشفت عنها أيضا للصحافة، هي أمور مضحكة للغاية، في المرحلة الثانية وبما أننا كنا فائزين فقد حاولت اللعب على أعصابهم لأفقدهم تركيزهم، لقد كانت لديّ قبعة رائعة للمنتخب ارتديتها يومها بسبب الشمس أمام أعين الحكم، لكنني في الحقيقة كنت أرتديها فقط لمّا تكون الهجمة لنا، وعندما يهجم الزامبيون كنت قبل أن يقذفوا أو يصلوا إلى منطقتي أنزعها وأرميها في الشباك، كي أثير حفيظة المهاجمين، وهو الأمر الذي وفّقت فيه إلى حد بعيد، وكدت أتسبب في معارك مع اللاعبين الزامبيين بسبب النرفزة الزائدة، والأمر المضحك كله هو أنني لما كنت ألعب والرمي بالقبعة بين الفينة والأخرى في الشباكو لاحظ الزامبيون ذلك فظنوا أنها تجلب لي الحظ أو هي شيء من السحر والشعوذة، فأرسلوا بأحد ملتقطي الكرات لكي يسرقها مني وهو ما فعله فيما بعد، حيث وفي إحدى اللقطات الساخنة عندما رميت "الكاسكيطة" في الشباك، جاء ذلك الولد الصغير...، لازلت لحد الآن أتذكر صورتها من شدة التأثر وسرقتها مني، حيث كاد يصيبني الذعر بما قام به ذلك الولد، ولكن لحسن الحظ كان هناك المدرب عبد الوهاب رحمه الله، الذي قام بالجري وراءه إلى خارج الملعب واسترجع منه القبعة أمام ضحك الكثيرين ممن كانوا يشاهدون اللقاء، خاصة زملائي الاحتياطيين، أما أنا فعدت إلى صوابي بعدما عادت إليّ قبعتي وبقيت ألعب على أعصابهم طيلة تلك المرحلة، حتى انتهى اللقاء بفوزنا الذي كان بمثابة القدم الأولى في المونديال. وهل صحيح أنه قد حدثت لكم مشاكل مع المدرب سعدان؟ نعم، حدثت مشاكل، لكن أنا لا لم يسبق وأن حدث لي أي مشكل مع المدرب الوطني سعدان، كنت لاعبا منضبطا لم أدخل ولا مرة واحدة في أي جدال معه، وكنت أحترم قراراته مهما كانت، والدليل على ذلك ما حدث لي في المباراة الأولى من المونديال، أين لعب الهادي، لكنني لم أقم بأي تصرف غير لائق وبقيت هادئا في تلك المقابلة وما فعلته أمام البرازيل أحسن دليل. لكن يقال الكثير عن تلك المشاكل بين اللاعبين المحترفين والمحليين؟ نعم، لقد كانت الكثير من المشاكل وهذا لكي لا يكون الواحد مضطرا لكشف بعض العيوب التي كانت تعاني منها الاتحادية يومها، لكن أؤكد لكم بأن هناك أياد خفية في تلك الفترة هي التي كانت تعمل على جلب اللاعبين للمنتخب الوطني، كانت تفرض من تشاء من اللاعبين وتبعد من تشاء، والمدرب سعدان بقي يتفرج فقط، والله عيب عليه بزاف واش كان يدير، فمن الجانب الفني يعتبر أحسن مدرب في الجزائر إلا أنه من النواحي الأخرى خاصة الناحية الانضباطية ليس مدربا بالكاد، وهذه حقيقة علينا أن نعترف بها، لأن المشاكل مازالت لحد الآن وحتى في وقتنا، ورغم أنه مر بكل تلك الأحداث إلا أنه مازال لم يتعظ بعد، وقام بتصرفات غير لائقة للغاية لحد الآن، وهو لا يشرف الكرة بكل ما يقوم به، لكن كما قلت ليس خطأه بل إن هناك من كان يفرض عليه اللاعبين وهو لا يمكنه أن يفعل أي شيء بالعكس كان هناك مدرب أحسن منه بكثير من هذه الناحية، ألا وهو خالف محي الدين، الذي أذكر أنه كان يعامل اللاعب على حسب مردوده فوق الميدان، لم يفرض أي أحد عليه اسما، فلقد كان بالفعل مدربا في المستوى وكان يفرض انضباطا عسكريا في الميدان، وهو ما جعله من دون شك يكون في الطليعة ويقود فريق 82، كما كان لا يتلاعب أبدا بما يسمى الانضباط، خاصة مع اللاعبين المحترفين الذين كانوا يريدون فرض أنفسهم بالقوة، لقد أغلق عليهم الطريق وهناك حتى من حرمه من الكثير من الأمور، وهذا ما يجعله يكون أحسن من سعدان بكثير من الناحية الانضباطية. من هو أحسن مدرب تعاملت معه لحد الآن؟ لحد الآن، المدرب الجيد والذي يبقى في ذاكرتي هو الروسي روڤوف، لقد عملت معه وتعلمت ما معنى الاحترافية، لقد كان بالفعل مدربا في المستوى المطلوب ولم يسبق له أن عانى من أي نقص أو مشكل مع اللاعبين، ورغم هذا إلا أنه رحل من المنتخب لأسباب يعلمها هو والاتحادية، ولا أريد التدخل فيها لكنه أكد مع المنتخب الروسي في 1986 في نهائيات مكسيكو، أنه مدرب كبير لما درب منتخب بلاده وما قام به يومها هو أحسن دليل على ما أقول، وعموما لم يسبق لي أن تعاملت مع مدرب بمثل تلك الاحترافية الكبيرة. قلت أن سعدان كان يُفرض عليه اللاعبون ماذا قصدت بالضبط؟ أنا واضح جدا في كلامي، كان يفضل بعض اللاعبين على الآخرين، ولست هنا للدفاع عنهم، فالحمد لله تحصلت على فرصتهم لكنه لا يجب أن ننسى أنه جلب لاعبين حتى لو دون معاينتهم، رغم أنهم لم يقدموا الإضافة، وكانوا يلعبون فقط بالإسم، فيما كان الكثير من المحليين هم أجدر بحمل الألوان الوطنية. ربما تقصد حركوك، لاعب بالاس الإنجليزي، الذي كان سببا في الخسارة أمام إسبانيا؟ هذا مثال فقط، فضح سعدان والإتحادية ي تلك الفترة، لم يكن يستحق اللعب في المنتخب ولم يكن على دراية بمعالم المنتخب الوطني، لكن لما اشتد الضغط على سعدان قرر إشراكه في مباراة إسبانيا، لكن لم يقدم أي مردود يساعده على البقاء في المنتخب، ليغادره من الباب الضيق وأمام غضب الجمهور الذي لم يفهم يومها سر إشراكه ولعبه بذلك المستوى المتدني، رغم أنني لست هنا لأحكم على مردود زملائي السابقين. كل مشوارك الذي أديته ولكنك لم تحترف، لماذا؟ قد لا يعلم الكثير أني في نهاية عام 1988 تنقلت إلى الرجاء البيضاوي ولعبت هناك موسما جيدا ونلت معهم لقب بطولة كأس إفريقيا للأندية البطلة وتفوقت في النهائي على فريقي مولودية وهران، لكنني لم أشارك في المباراة حيث لعب زميل لي مغربي، فقررت المغادرة من جديد، والعامل الآخر الذي عرقلني هو القانون، فكما تعلمون أن القوانين لم تكن تسمح لنا بالخروج من أرضية الوطن إلى أن تتم السن ال27، لكن أنا راضٍ عن مشواري في الأندية التي لعبت لها طيلة حياتي. لعبت كثيرا في الغرب ودربت هناك أيضا، ما سر تعلقك بهذه الجهة رغم أنك من تبسة؟ والله يا أخي المكتوب، لم أشعر يوما أنني غريب عن الجهة الغربية لهذا الوطن العزيز، فأنا أحس دائما أنني وهراني أو لاعب من الغرب، والسر يكمن في أنه في عام 1978 تنقلت من الشرق إلى العاصمة من أجل مواصلة الدراسة في المعهد الرياضي والتقني CNS، الذي هو حالياISTS ، وأمضيت يومها في الحراش لموسمين، لعبت الموسم الأول دون أي مشكل لكن في العام الثاني وفي شهر ديسمبر تنقلت إلى وهران لمواصلة الدراسة أيضا، فقررت إنهاء مشواري مع الصفراء وأمضيت بعدما انتهى الموسم لاتحاد بلعباس لخمس سنوات كاملة، كنت قد قضيتها في أحسن الظروف، وفيما بعد انتقلت عام 85 إلى وهران ولعبت معهم إلى غاية 88، أين نلت البطولة في العام الأخير، وفيما بعد تنقلت إلى المغرب ولعبت هناك عاما واحدا لأعود إلى هنا. ويبقى التتويج بلقب البطولة الوطنية مع الحمراوة عام 1987 أغلى ذكرى ، حيث كنت يومها في أوج عطائي بعد مونديال مكسيكو الذي لعبته بقوة كبيرة، لكن يومها ما بقي عالقا أكثر في ذهني هو كلام المدرب الروماني للشبيبة، حيث وفي نصف نهائي الكأس الذي لعبناه في عنابة ضد الإتحاد المحلي، كنا قد فزنا عليهم يومها ولعبت إحدى أفضل مبارياتي فاستدعاني في النهاية وهو ما حفّزني كثيرا وقال لي أنني أستحق اللعب في الشبيبة، في محاولة منه لاستدراجي إلى القبائل، لكنني لما تحدثت إليه أوضحت له أنني أركز على البطولة، فقد كانت الشبيبة في المرتبة الثانية وعلى بعد 8 نقاط عنا وبقيت خمس مباريات كلها سهلة لنا، فقال لي لا تخف سنلتحق بكم وقد نحصل على لقب البطولة، وهو ما كاد يحصل، لكننا في النهاية توجنا نجن بلقب البطولة بفارق نقطة واحدة على شبيبة زيفوتكو التي عادت يومها بقوة كبيرة.