عندما زرنا بغداد والنجف وكربلاء في ربيع 2003 تأكدنا أن الجزائر ستكون في أعماق قلوب العراقيين شعبا ودولة، هالنا منذ اللحظة الأولى اسم الشوارع، حيث وجدناها جزائرية خالصة، ولم يتوقف الحال عند أسماء بن باديس وعبد القادر ومفدي زكرياء والثورة الجزائرية، بل تعداه إلى أسماء مدن جزائرية مثل قسنطينة، وهران وعنابة، وعندما تسأل أي عراقي عن أي مدينة جزائرية تجده يعرف موقعها وتاريخها بتفاصيل إعجازية. وبقي في العراق إلى غاية الاحتلال الأمريكي جدار أصبح تاريخيا منقوشا عليه "تسقط فرنسا وتعيش الجزائر"، كتبها عشاق الثورة الجزائرية في أواخر الخمسينيات، وارتأت العراق أن يبقى هذا الحائط، كما هو، شاهدا على حب العراقيين للجزائريين. ما شاهدناه في العراق من عشق لكل ماهو جزائري لم نشهده في أي بلد آخر، فجميلة بوحيرد ورابح ماجر ووردة الجزائرية وأحلام مستغانمي ونور الدين مرسلي هم أبطال يضعهم العراقيون في درجة التمجيد. ولعب صراحة الحكم "الصدامي" في ترسيخ هذه التقاليد، إذ وجدنا حينها أن كتاب التاريخ لسنة الأهلية في البرنامج الدراسي العراقي به باب يكاد يشمل نصف المقرر عن ثورة الجزائر بالتفصيل غير الممل. وجاءت حرب 1991، بالرغم من أن صدام أخطأ في احتلاله للبلد الشقيق الكويت، ليقف الجزائريون إلى جانب العراق الذي تعرض لعاصفة صحراء أمريكية، وأصبحت صور صدام حسين تباع في كل مكان. كما أن الرئيس المعدوم شنقا كان قبل عاصفة الصحراء قد استقبل وفودا جزائرية كثيرة منها سيد أحمد غزالي وبشير بومعزة وشيوخ الفيس مثل عباسي مدني وعلي بن حاج وعبد الله حموش. وأثناء القصف الأمريكي لبغداد كان إلى جانب صدام حسين الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة.. وبرغم الهزيمة النكراء التي مني بها صدام حسين، إلا أن الجزائريين آمنوا بإمكانية صموده في بداية 2003 في الحرب الأخيرة.. ولكن.. لم يحدث في تاريخ الجزائر المستقلة أن سرق اسم سياسي أجنبي الأضواء، كما فعل صدام حسين قبل وأثناء أم المعارك، كان يكفي لهذا الرجل أن يهدد بحرق نصف إسرائيل ودحر أمريكا ليسكن في قلوب الكثيرين الذين نسوا أو تناسوا حربه على إيران والكويت وقتله لشيعة وأكراد العراق، ليصبح البطل الذي أنسى بعض الجزائريين في زعماء العرب الكبار مثل جمال عبد الناصر. وإذا كانت صور صدام قد ملأت جدران المحلات والإدارات والمنازل، وإذا كان اسمه قد أصبح أسطورة وحكايات من نسيج الخيال، فإن أهم ما شد الانتباه هو أن المئات من مواليد 1991 من الذكور اختار لهم أولياؤهم اسم صدام حسين، إذ أعلنت كل بلديات الوطن عن ظهور مواليد بهذا الإسم، وهو ما لم يحدث حتى مع نصر الله، بالرغم من أن هذا الأخير تحدى إسرائيل وعجزت عن هزمه. الأطفال الذين أصبحوا الآن شبابا بلغوا سن ال 16 ومنهم من يجتاز هذه الصائفة شهادة البكالوريا، ومن بينهم إبن لاعب مولودية العاصمة سابقا والفريق الوطني علي بن الشيخ الذي اختار لإبنه اسم "صدام حسين"، ولم يكن التلفزيون الجزائري في ذلك الحين يجد حرجا في تقديم المواليد الذين اختار لهم أولياؤهم اسم صدام حسين وبغداد والعراق وغيرها من الأسماء التي كانت من وحي تحدي هذا الرجل اللغز الذي كانت حياته لغزا ومماته ألغازا. إسم صدام أطلق أيضا، على بعض المحلات وأصبح كناية لكل متحدٍّ لا يخاف من الصعاب.. لأجل ذلك جاء نحر صدام حسين قبيل نحر الأضحيات مثل شنق آمال وأمنيات الكثيرين الذين عاشوا مع صدام حسين منذ 16 سنة أهوالا كثيرة انتهت بشنق الرجل وشنق أشياء كثيرة. ناصر