شهد المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة تطورات مست جوانب عديدة، إلا أنه لا يزال يعاني – في معظمه- تخلفا في الثقافة الغذائية و جهلا بأسسها الصحية، و هي الوضعية التي تعكسها الأرقام المتزايدة لشتى الأمراض المتعلقة بالغذاء كالقلب وارتفاع الضغط و السكري و البدانة و فقر الدم و غيرها من الأمراض مع أن الحل بسيط : العمل على اكتساب عادات غذائية سليمة تجنّبنا مغبة هذه المشاكل الصحية. لا شك أن آباءنا و أجدادنا لم يتحلوا في الماضي بالثقافة و القواعد الغذائية بمفهومها العصري، لكنهم كانوا، بالمقابل، يتحلون بعادات صحية سليمة جعلتهم بمنأى عن الطبيب و الأدوية لزمن طويل و الفضل كله للطبيعة. أما ما تعيشه هذه الأجيال من "خلط" في الأكل و جهل في التفريق بين ما ينفع و ما تضر وسط ذاك الزخم الكبير من الأطعمة المعلبة و الأكلات السريعة التي تكاد تكون – بإجماع الأطباء - سُمّا لا تظهر فعاليته إلا على المدى الطويل، و خير دليل الأرقام التي تتزايد يوما بعد يوم حول عدد المصابين بالأمراض المرتبطة بالتغذية. إن كنا لا نملك أرقاما رسمية دقيقة عن عدد المصابين بالسمنة المفرطة أو بالانوريكسيا أو بفقر الدم، فإن آخر الإحصائيات الطبية تشير إلى وجود ما يناهز مليوني جزائري من مختلف الأعمار مصاب بالسكري ، فضلا على أن ربع الجزائريين، أي حوالي 26% ،مصابون بارتفاع ضغط الدم و هو ما يعني أن جزائري من أربع مصاب بهذا المرض المزمن الذي من المحتمل أن يعرض ما يقارب 10% منهم إلى الشلل النصفي. كما أن التقديرات تؤكد أن 60% من الوفيات بالجزائر تعود للأمراض المزمنة. و في هذا السياق، يؤكد الأطباء و المختصون أن السبب الرئيسي في الانتشار الكبير لتلك الأمراض بين الجزائريين راجع إلى العادات الغذائية السيئة و الخاطئة و التي عادة ما تعاني الإفراط أو التفريط، مشيرين إلى أن الجزائري لا يزال بعيدا كل البعد عن الثقافة الغذائية السليمة. و في هذا السياق يؤكد الدكتور حميدي، طبيب عام، أن جُل العائلات الجزائرية لا تعي جيدا القواعد الصحية في الغذاء، لاسيما مع عصر السرعة الذي نعيشه و مع التقسيم الذي يشهده المجتمع بين فئة غنية تكثر من أكل اللحوم و تغالي في استهلاك السكريات، و فئة فقيرة أو معدمة لا تجد أمامها سوى العجائن و نوع واحد من الخضر، البطاطا. فالفطور – يضيف – الذي يُعدّ الوجبة الرئيسية التي تمدّ الإنسان بالطاقة طوال اليوم يكاد يكون خاليا من أي فائدة، و كوب الحليب إن وُجد ، فلا بدّ أن يكون مصحوبا بكمية من الحلويات المحشوة أو "الكورواسون"، و كلها حلويات فيها من المواد المضرة ما يكفي لزيادة السكريات و الدهون في الجسم و اكتساب الوزن، دون أن تمد الجسم بالطاقة اللازمة للحركة. أما وجبة الغداء فغالبا ما تكون طبق المعجنات أو البقوليات أو الأطباق الدسمة على رأس قائمة المأكولات كل يوم، و بالطبع طبق البطاطا المقلية الذي لا يرضى الأطفال عنه بديلا، دون أن تُدعم هذه الأكلات – في أغلب الأحيان – بطبق من الخضار الطازجة خصوصا السلطة الخضراء. في حين تبقى الفواكه من الكماليات بالنسبة للكثير من الأسر الجزائرية. أما وجبة العشاء، فحدث و لا حرج، لأن الكثير من ربات البيوت تحرص و بالأخص في هذه الوجبة على أن تكون "دسمة" قدر الإمكان، و حجتهن أن معظم أفراد الأسرة لا يجتمعون إلا في هذه الوجبة بحكم عمل البعض و دراسة البعض الآخر. دون أن تراعين خطورة مثل هذه العادات على صحتهم و هم يستعدون للنوم. ومن جهة أخرى، لفت الدكتور حميدي الانتباه إلى خطر آخر يهدد المجتمع الجزائري و بالدرجة الأولى فئة الشباب و هو التنامي المدهش لظاهرة الأكل السريع الذي يشكل خطرا على صحة المواطن لتشبعه بمواد دسمة و نشوية بنسب عالية تضر بالقلب و تسبب السمنة على المديين المتوسط و الطويل، و كذا للطريقة السريعة و غير الصحية التي تُأكل بها. "نظرية 30/ 5 /0" لجسم اكثر رشاقة و صحة و لتحقيق توازن صحي من الناحية النفسية و الجسدية، عرّف الدكتور حميدي بنظرية جديدة تُعرف بنظرية "30/ 5 /0" ، فرقم 0 يعني عدم التدخين و رقم 5 يعني ضرورة تناول 5 حبات خضر على الأقل يوميا، و رقم 30 يشير إلى ضرورة المشي بسرعة لمدة 30 دقيقة يوميا. و هي عادات- يضيف المتحدث- بسيطة لكنها فعالة في الحفاظ على الصحة دون مشاكل و أمراض. إيمان بن محمد: [email protected]