بقلم: ابن خلدون: IBN-KHALDOUN@MAKTOOB.COM من طرائف الشأن الداخلي العراقي أن يطير المالكي إلى عواصم الجوار يطلب منها التدخل في الشأن الداخلي العراقي. وحين يتأسف العالم باحتشام ليس على إعدام صدام بل على طريقة إعدامه يتهيج المالكي معلنا أن ذلك شأنا عراقيا داخليا..! لم يتمالك رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نفسه أمام ردود الفعل الدولية على الطريقة المؤلمة، المحزنة، البعيدة عن الأخلاق والمروءة التي أعدم بها الرئيس العراقي صدام حسين. فقال في ردة فعل لا هي بالسياسية ولا بالحكيمة بأن إعدام الرجل شأن عراقي داخلي. نعم إعدام صدام حسين اعتبرته الكثير من التصريحات الصادرة عن عواصم العالم شأنا عراقيا داخليا. أما أن يؤكد ويلح المالكي على ذلك فهو بهذا يفتح باب القراءات المختلفة على مصراعيه. المالكي في هذا شأنه شأن الرجل الذي لا يختلف على ذكورته اثنان. ولكن عندما يبدأ هو في التأكيد على ذكورته ويلح على الناس في الاقتناع بما يقول ينتاب القوم الشك في رجولته...! مسكين المالكي هذا لم تتح له فرصة التكوين في المجال السياسي. والذنب هنا ذنب صدام طبعا الذي لا حقه منذ عام 1980 بعقوبة الإعدام لعضويته في حزب الدعوة. فعاش الرجل طريدا مشردا لا وقت لديه للتعليم والتكوين، بل أن المسكين اضطر لتغيير اسمه جواد المالكي بدل نوري حتى يموه على رجال مخابرات صدام. وكل ما توصل إليه في حياته هو اشتغاله كصحفي حيث ترأس تحرير جريدة الموقف المعارضة التي كانت تصدر بسوريا. وهو ما أتاح له مثلما نفعل نحن اليوم، فرصة تعلم بعض أبجديات المعارضة السياسية دون أن يتعلم السياسة في حد ذاتها. كما ترأس مكتب الجهاد الذي كان مسؤولا عن تنسيق أنشطة حزب الدعوة الإسلامية داخل العراق، وهو ما أكسبه القدرة على إدارة الصراع وعقلية إقصاء الطرف الآخر. ولم يكن الرجل يحلم بمنصب! رئيس للوزراء إلا بعد أن يئس الجميع من العثور على بديل لرئيس الوزراء الجعفري الذي كان رفيقه في المنفى السوري. وهو ما يفسر إفلاس الطبقة السياسة التي جئ بها على ظهر دبابات العلوج لتخلف نظام صدام حسين، وتقود العراق الجديد الديمقراطي. لو أخذنا تصريح المالكي مجردا من كل تأويل ووافقنا عليه وقلنا حقا أن إعدام صدام حسين شأن عراقي داخلي لا دخل للعالم الخارجي فيه. ونسحب هذا الموقف على قضايا مماثلة، فإنه سيؤدي بنا إلى نوع من العربدة بالعلاقات الدولية. إذ في ظل هذا المنطق المالكي يمكن لنا القول أنه ما كان للعالم أن يطالب بإطلاق سراح نيلسون مانديلا من سجون نظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا لأن ذلك شأن داخلي. وكان الأجدر لمانديلا أن يموت في سجنه تحت شعار عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة جنوب إفريقيا. وكان الأجدر كذلك عدم محاكمة ميلوزوفيتش من قبل المجتمع الدولي طالما لم تفعل ذلك بلاده صربيا، واعتبار ما قام به شأن داخلي حتى لو قتل من مسلمي البوسنة الآلاف. وما كان للعالم أن يحاكم مقترفي جرائم الهوتو والتوتسي ! لأن ذلك شأن داخلي لدولة رواندا، أو يحاكم الخمير الحمر على جرائم في كمبوديا لأن ذلك شأن داخلي هو الآخر، أو يتدخل اليوم في دارفور لأن ذلك شأن سوداني داخلي، والقائمة تطول... إن عالمنا المعاصر الذي أصبح قرية صغيرة لا يمكن للواحد العيش فيه بمعزل عن تفاعلاته. ولا يمكن لأي بلد اتخاذ قرار له أبعاد أمنية واقتصادية وسياسية تتعدى حدوده ثم يحاجج العالم أجمع بالقول أن ذلك شأن داخلي. ولو كان الأمر كذلك دعنا يا مالكي نعود إلى الوراء قليلا. فعندما بدأت محاكمة صدام حسين سقطت تهمتان أساسيتان من عريضة الاتهام. الأولى تهمة امتلاك أسلحة الدمار الشامل والتي لم يتم العثور عليها رغم الجهود المضنية ل 1400 خبير أعقبوا الغزو مباشرة صالوا وجالوا العراق طوله وعرضه بحثا عن أدنى دليل فلم يعثروا على شيء. وأما التهمة الثانية فهي العلاقة بتنظيم القاعدة والتي جاء تقرير لجنة تحقيق الحادي عشر من سبتمبر لينفي وجود تلك العلاقة. ! لهذا تمت محاكمة نظام صدام حسين على أحداث الدجيل. والآن قل لنا يا نوري يا مالكي: أليست أحداث الدجيل شأن عراقي داخلي ؟ أليست ديمقراطية أو ديكتاتورية نظام الحكم في أي بلد شأن داخلي؟ فلماذا يحاكم نظام صدام حسين على ديكتاتوريته، أي على شأن داخلي؟ وهل حوكمت الأنظمة السياسية في العالم بهذا الشكل، أم هي العمالة للاستعمار يا مالكي ؟. وإذا لم يكن إعدام صدام حسين لمن حاولوا اغتياله في الدجيل والبلد كانت في حالة حرب مع عدو خارجي شأن داخلي فكيف اعتبار إعدام صدام شأن داخلي؟. ما هذا التناقض يا مالكي؟ والمسألة هنا على غاية من الأهمية. فإذا كان إعدام صدام حسين شأن داخلي حسب المالكي. فإعدام المتسببين في أحداث الدجيل شأن داخلي بالضرورة. وبالتالي فالمحاكمة التي مهد لها وسيرها الأمريكان غير شرعية وأحكامها باطلة. بكلمة أخرى فقد أعطى المالكي صك البراءة لصدام دون أن يدري. فإذا كان هذا ما تقصده فلي أن أعترف أنك سياسي فذ. أما إن كان قصدك عكس ذلك فلك أن تعترف بنفسك أنك من أغبياء السياسة. ولهذا عينك الأمريكان على رأس الحكومة لأنهم بحاجة إلى أمثالك. لأن الشأن الداخلي يا دولة رئيس الوزراء لا يجب أن يرهن مستقبل العراق، ويرهن المصالحة الوطنية المنشودة وهو ما فعله إعدام صدام. والشأن الداخلي لا يسئ لأزيد من مليار ونصف مليار مسلم حينما ي! نحر واحد منهم صبيحة العيد في مشهد محرم شرعا. والشأن الداخلي لا يعيد الطائفية إلى الواجهة على حساب السياسة، والتي تضع اليوم المنطقة برمتها على برميل بارود ساخن. و من طرائف الشأن الداخلي العراقي أن يطير المالكي إلى عواصم الجوار يطلب منها التدخل في الشأن الداخلي العراقي. فقد وقف العالم شاهدا على رقصات الباليه السياسي العراقي المتمثل في الزيارات الرسمية وغير الرسمية المخطط لها والمفاجئة على حد وصف الدكتور جواد بشارة، والتي صبت كلها تحت عنوان المصالحة الوطنية العراقية وضرورة إسهام السعودية والكويت والإمارات وإيران والأردن وسوريا ومصر فيها. وحين يتأسف العالم باحتشام ليس على إعدام صدام بل على طريقة وتوقيت إعدامه يتهيج المالكي معلنا أن ذلك شأنا عراقيا داخليا. فلماذا لا تعتبر المصالحة الوطنية هي الأخرى شأن عراقي داخلي؟. أم أنك يا مالكي تعتقد في نفسك الذكاء والمقدرة لتضحك على أذقان العرب. فما يفزعك ويقض مضاجعك ومضاجع من أتوا بك ليس با! لشأن الداخلي. أما ما يفزع أعداءك الين تريد تصفيتهم فهو الشأن الداخلي التي حرمت الحديث عنه..! إن العراق سيتفرغ مستقبلا لترتيب الشأن الداخلي بعد خروج القوات الغازية، التي ستغادر وإن طال بقاؤها بأرض الرافدين. وقتها قد يصبح أحد متطلبات ترتيب الشأن الداخلي العراقي هو القضاء على الخونة الذين باعوا العراق وتسببوا في مقتل مليون عراقي، وفي تصفية طائفية لا نظير لها. وفي التعاون مع الموساد لتصفية خيرة علماء البلد للقضاء على مقدراته العلمية والفكرية بما يضمن اختلال معادلة التوازن الإستراتيجي لأجيال قادمة لصالح إسرائيل. وقتها قد يجد المالكي ومن معه من قادة الميلشيات الذين أعدموا صدام أن رقابهم صارت أقرب إلى حبل المشنقة. ويومها أراهن المالكي ومن معه ممن يعزفون اليوم سيمفونية الشأن الداخلي أنهم سيندمون على هذا الموقف. حينها قد يقول المالكي يا ليتني لم أقل يوما أن الإعدام في! العراق شأن داخلي، ويا ليت العالم يتدخل قبل أن يقترب الحبل اللعين مني...