احتفل العالم بالذكرى البائسة الخامسة لافتتاح أبواب معتقل غوانتانامو »المولود غير الشرعي« في بلد الحرية كوبا ومن بلد »الاستعمار الجديد« أمريكا.. المولود البشع ظهر للحياة في جانفي 2002 ضمن ما يعرف بالحرب على الإرهاب، فملأ زنزاناته بالمستقدمين من أفغانستان، ثم طال دولا عديدة مثل البوسنة ليشمل كل الجنسيات بما فيها الجزائرية، إلى أن بلغ عدد المحتجزين في المعتقل، الذي لا تطل فيه الشمس ولا يسقط المطر ولا ليل فيه ولا نهار، إلى أربع مئة معتقل. العالم بأسره احتفل بهذا (الغول) بعد نداء منظمة العفو الدولية، فحاصر اللندنيون سفارة الولاياتالمتحدة، وجمع أهل مدريد الآلاف من التوقيعات لغلق سجن (العار) واحتشد متظاهرون في ملبورن الأسترالية وروما الإيطالية للضغط على الولاياتالمتحدة لغلق المحتشد. ووصل التظاهر إلى واشنطن وقرب المعتقل نفسه، ولم يجد أمين عام الأممالمتحدة الجديد، بان كي مون، سوى أن يطالب بغلق غوانتانامو وتذكير بوش أنه قال مرة إنه يتمنى غلق المعتقل في أقرب الآجال. هذا الصخب العالمي والقرع العنيف لطبول الخطر يوازيه صمت رهيب في الجانب الآخر من العالم العربي والإسلامي، حيث يصنع أبناء هاته الأمة صور الفريسة بين أنياب وحش غوانتانامو.. والنتيجة عائلات تتألم في صمت، أمهات وآباء ماتوا وهم لا يعلمون أين أبناءهم؟ متى اعتقلوا؟ متى يطلق سراحهم؟ وما هي التهم المنسوبة إليهم؟ ومن هاته العائلات، عائلة لحمر بقسنطينة التي رحل ابنها صابر البالغ حاليا من العمر 38 سنة..رحل إلى غوانتانامو ولم يعد!!. رسائل تثير الدهشة تحصلت "الشروق اليومي" على رسائل قادمة من غوانتانامو مثيرة فعلا للجدل، بعضها ذهب إلى زوجة صابر البوسنية آمنة في دولة البوسنة، والبعض الآخر ذهب إلى عائلته في قسنطينة... الجدل حول هاته الرسائل يكمن في أن الأولى تصل في الموعد المحدد أي بعد أسبوع أو أكثر بقليل من كتابتها، بينما تصل الثانية الراحلة إلى الجزائر بعد مدة تفوق الثمانية أشهر، ناهيك عن عمليات الحذف التي تطول الرسائل الموجهة إلى الجزائر إلى درجة أن قارئها لا يفهم من محتواها أي تفصيل، والمشكلة الثانية أن صابر يتلقى، حسب اعترافه في رسالة - "الشروق" تمتلك نسخة منها-، كل الرسائل القادمة من زوجته من البوسنة بينما لا تصله أية رسالة يبعثها له أهله من قسنطينة!!. كل هذه الظروف زادت من عذاب صابر وأيضا من عذابات أهله، فإذا كان صابر في غوانتانامو يعلم عن زمان ومكان وظروف اعتقاله فإن عائلته أصبحت تحلم بالتقاط خبر واحد عن عزيزها في غياب كامل للأبواب التي يمكن طرقها هنا في الجزائر. صابر لحمر قال في آخر رسالة وصلت إخوته إنه انتدب محاميا أمريكيا إضافة إلى محامين من أوربا يشرفون على الدفاع عنه وعن رفاقه في غياب طاقم دفاع جزائري بعد فشل المحامي القطري الذي سبق له وأن قال إن الجزائريين المعتقلين في غوانتانامو سيعودون إلى ذويهم في أوت 2003!!. وقد اتصلت "الشروق اليومي" بمناسبة ذكرى »العار« الخامسة لفتح معتقل غوانتانامو، بالأستاذ بوجمعة غشير، رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، (لمساءلته) عن غياب (الطرف الجزائري) القانوني في معادلة غوانتانامو، فاعتبر القضية شائكة قانونيا لأن المحامين الأمريكيين كانوا طيلة سنوات يقولون بعدم الاختصاص لأن المعتقل موجود في أرض دولة أخرى وهي كوبا، واعترف بأن لا أحد من المحامين الجزائريين أخذ الأمر من جانبه النضالي بالرغم من أن الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان تعلم ببراءة الجزائريين الستة المحولين من البوسنة بحكم قضائي لا جدال فيه، وقامت بطرح قضية (الاختصاص) على اللجنة الفرعية التي مكّنت قاضيا فرنسيا حقوقيا من فرضها على الأمريكان... الأستاذ بوجمعة غشير أشار إلى فشل الدبلوماسية الجزائرية في هذا الجانب، كما اعتبر ذلك شيئا متكررا مع العشرات من المساجين الجزائريين المقبوض عليهم في دول أوربية وعربية في غياب الهيئات الدبلوماسية بالخصوص والنتيجة أننا نتابع باستمرار أخبار المحررين من السعودية ومن اليمن ومن الإمارات ومن فرنسا ولكننا لم نسمع عن إطلاق سراح معتقل جزائري واحد وكلهم يمتلكون أحكاما بالبراءة من دول أوربية!! البوسنة قدمت »الجزائريين« عربونا لأمريكا: لا "فيس" ولا "أفغانستان" على خلفية حديث عن محاولة تفجير السفارة الأمريكية في البوسنة، قامت الحكومة البوسنية بعملية اعتقال واسعة لعدد من الأجانب المقيمين، وكان من ضمنهم ستة جزائريين متزوجين من نساء بوسنيات، ومع أن القضاء البوسني أقر ببراءة هؤلاء الجزائريين الذين يشتغلون في التدريب، إلا أنهم مع ذلك قُدّموا جميعا على طبق من ذهب إلى الولاياتالمتحدة ولا أحد يعرف عنهم سوى أنهم في غوانتانامو. صابر لحمر ابن مدينة قسنطينة الذي كان همّه في شبابه هو حفظ القرآن الكريم حيث أمّ الناس في صلاة التراويح. كان صابر مهتما بممارسة الرياضة (السباحة و الكاراتي) وحفظ القرآن الكريم الذي استعان به في تقديم فتاويه وهو دون سن الثلاثين، وبرغم فشله في اجتياز شهادة البكالوريا عند افتتاحها، حيث كان بإمكان أصحاب المستوى النهائي متابعة دراستهم في الجامعة الإسلامية، ولكن حب صادر للقرآن الكريم جعله يقدّم طلبا للالتحاق بكلية خاصة بالقرآن في مكةالمكرمة، وبعد فشل محاولاته وطول انتظاره هاجر إلى إيطاليا واستقر بمدينة روما فبدأ العمل في مزرعة لجني الفواكه ثم أدار محطة بنزين في قلب العاصمة الإيطالية لمدة أربعة أشهر كانت كافية لأن يمنحه صاحب المحطة ثقته الكاملة كمسير لها، وأكثر من ذلك اقترح عليه تزويجه من ابنته وسارت الأمور نحو هذا الاتجاه إلى أن بلغت »صابر« مكالمة من والده في الجزائر تتحدث عن رسالة قبول بلغته من معهد القرآن الكريم بمكة، وهنا نسي صابر روما وصاحب المحطة وابنته الإيطالية، وحزم حقائب العودة إلى الجزائر ليغيّر وجهته نهائيا من إيطاليا إلى المملكة العربية السعودية حاملا لوالديه وعدا أقسم بأن ينفذه وهو أخذهما معه لأداء لفريضة الحج. أجرى صار امتحان قبول في مكةالمكرمة وكان من بين أوائل الممتحنين، وبدأ في تنفيذ وعوده فأدت والدته الحج إلى جانبه وبدأ يجني بعض الأموال من عمله التدريسي في المملكة العربية السعودية التي تزوّج فيها وأنجب ابنه البكر "معاذ"، وأيضا في دولة الإمارات العربية المتحدة.. وخلال هذه الرحلة القرآنية من قسنطينة إلى دبي عبر مكة، لم يتورط صابر أبدا في الانضمام إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي ظل غير مهتم إطلاقا بنشاطها، ولم يتورط أيضا في سفريات الجهاد إلى أفغانستان عندما أصبحت "موضة" المهاجرين العرب والمسلمين في المملكة السعودية. وبعد اندلاع مشاكل اجتماعية مع زوجته السعودية، قرر ترك المملكة والخليج العربي واختار الاستقرار بالبوسنة ضمن بعثة تدريس في هذا البلد الإسلامي الفتي البعيد جدا عن حكاية الجماعات الإسلامية، وأخذ معه ابنه معاذ بموافقة زوجته السعودية، وفي البوسنة تحسّنت أوضاعه واستقرت فتعرّف على شابة من البوسنة تدعى آمنة فتزوج منها وأنجبا الإبنة "سارة" ولاحظ أهل صابر في قسنطينة الفارق ما بين الزوجة الأولى والزوجة الثانية إذ تعلقت آمنة بأهل زوجها فأصبحت تهتف لهم وتعدهم بالعودة رفقة زوجها إلى الجزائر للاستقرار فيها نهائيا إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان، عندما أعلنت الولاياتالمتحدة بأن مخططا إرهابيا كان بصدد محاولة تفجير السفارة الأمريكية في البوسنة. ولأن الإعلان كان أمريكيا من دون علم البوسنة، قامت سلطات هذه الدولة بمتابعة والقبض على عدد من المسلمين الوافدين من أصحاب اللحى، وكان من بينهم ستة جزائريين، هم عمر بوصرعة، بلقاسم بن سيحة، لخضر بومدين، محمد نشلة، مصطفى آيت إيدير وصابر لحمر الذين تمت تبرئتهم جميعا من طرف القضاء البوسني كونهم يعملون في التدريس ومتزوجين من بوسنيات، ولم تكن لهم علاقة بأي نشاط مسلّح أو حتى سياسي، بل إن الشائع الآن أن القارة الأمريكية لم تتعرّض أصلا لأي محاولة إرهابية، وهو ما أحرج البوسنة وأحرج الولاياتالمتحدة ودفع ثمنه صابر ورفقاؤه من الجزائريين الذين يطالبون بتحرك بسيط "بسيط فقط" من الدبلوماسية الجزائرية ليعودوا إلى أوطانهم أو على الأقل ينالون حريتهم لأن كل التقارير بشأنهم تؤكد أنهم أبرياء في غياب التهم.. بل في غياب الجريمة أصلا.. ولكن! حيرة العائلة : طفلان يكبران.. وأبوان ودّعا الحياة يقول أحمد لحمر، شقيق صابر، في حديثه ل "الشروق اليومي" يوم الخميس الماضي »إننا لا نطلب الكثير، فقط أخبارا عن شقيقنا الأكبر، حتى الرسائل التي تصلنا من غوانتانامو على قلتها يتم فيها شطب كل معلومة تخص موعد دخوله المعتقل أو أي خصوصية حتى صرنا لا نعلم شكل أخينا الذي كبر ابناه (معاذ وسارة) وهما لم يشاهداه إطلاقا، كما فقد شقيقنا أبويه بداية من أبينا محفوظ وانتهاء بوالدتنا عقيلة وهو لا يعمل، إذ يسلم عليهما في رسائله التي لا تصل وإن وصلت فبعد رحلة لا تقل عن ثمانية أشهر، ويبقى ملاذ هذه العائلة »التائهة« زوجة شقيقهم آمنة التي تزوّدهم بأخبار شقيقهم من محامييه البوسنيين وليس من محاميه الأخير من الولاياتالمتحدة والذي ذكر اسمه في آخر رسائله، ولكن هيئة غوانتانامو حذفت (الإسم). الشيء الوحيد المؤكد أن صابرا ما زال على قيد الحياة أما عن متى وكيف ولماذا وأين؟؟ فتلك أسئلة عائمة ما زالت الإجابة عنها مؤجلة إلى أن تؤتي جهود الإتحاد الأوربي والفاتيكان وصيحات غير المسلمين أكلها!! في زيارة قام بها مؤخرا القاضي الأمريكي، أوجين بروت، إلى مدينة قسنطينة، ضمت وفدا أمريكيا في إطار المشاريع المشتركة لإصلاح العدالة، سألته "الشروق اليومي" عن محتشد غوانتانامو وعن القضاء الأمريكي فقال بالحرف الواحد »أقول لكم ما قاله الزعيم البريطاني التاريخي تشرشل بأن الديمقراطية هي أسوء الأنظمة ولكن لا مفر منها، كذلك العدالة في أمريكا هي أسوء ما هو موجود في بلادنا، ولكنها أقل سوءا مما هو موجود في العالم«... هذا كلامهم، وهذه أفعالهم. عبد الناصر