الأهم في شهادة السيد عبد المجيد تبون، الوزير السابق للسكن، أمس، أمام محكمة الجنايات بالبليدة التي تنظر في قضية الخليفة، أن الوزير السابق أشار بشكل غير مباشر إلى دور دواوين الترقية العقارية عبر الوطن في عرقلة المشاريع السكنية التي تعلن عنها الدولة في إطار محاولة التخفيف من أزمة السكن، باعتبارها من أكبر المشكلات على وجه الإطلاق في الجزائر، وتبين من خلال جلسة الاستماع للشاهد تبون والحوار الذي دار بينه وبين القاضية فتيحة ابراهيمي، أن هناك أطرافا داخل الدواوين المختلفة كانت تتعمد عدم إنجاح المشاريع السكنية وإبقاء المشكلة مطروحة.. وتبين خلال الجلسة الصباحية لنهار أمس أن الكثير من مسؤولي ومدراء دواوين الترقية العقارية كان همهم الأول وشغلهم الشاغل هو كيفية استثمار أموالهم في البنوك من خلال الجري وراء نسب الفائدة التي تقدمها لهم هذه البنوك، وهذا لضمان التسيير المالي لهذه الدواوين وليس لضمان إنجاز المشاريع السكنية في وقتها المحدد. والمفارقة العجيبة التي وقف عليها الحاضرون أمس في جلسة المحاكمة للبحث عن سبب إيداع أموال دواوين الترقية والتسيير العقاري في بنك الخليفة، هي أن هذه الدواوين لم تكن متناغمة مع سياسة الدولة التي ترمي إلى القضاء على معضلة السكن، ففي الوقت الذي كانت الدولة حينها تشحت وتستجدي المستثمرين الأجانب وتدعوهم لجلب أموالهم للاستثمار في قطاع السكن كما حدث مع شريك خليجي -حسب تبون- الذي تعهد بإنجاز 5000 وحدة سكنية كانت ستوجه إلى برنامج البيع بالإيجار، في هذا الوقت كانت الدواوين العقارية تعمل على البحث عن تزكية أموالها في البنوك وليس في الورشات الميدانية، مما جعل أغلبية المشاريع السكنية تبقى معطلة إلى إشعار آخر، رغم أن الأرقام كانت تتحدث في عهدة الوزير تبون؛ أي بين جوان 2001 وجوان 2002، عن 600 ألف طلب للحصول على السكن، وهي إجمالي الطلبات التي قدمها المواطنون عبر مختلف ولايات الوطن، وذلك في كل أنواع البرامج السكنية التي تعتمدها الدولة من سكنات ترقوية واجتماعية وتساهمية وحتى تلك التي تدخل في إطار المشروع الجديد آنذاك المسمى بالبيع بالإيجار. وقد كشف الوزير السابق للسكن أنه من حوالي 250 مليار دينار، الأموال المخصصة لإنجاز السكنات، كان هناك أكثر من 28 مليار دينار تمثل أموال دواوين الترقية والتسيير العقاري التي كانت مجمدة في البنوك وكانت تبحث عن الاستفادة من نسب الفائدة في الوقت الذي كانت فيه الدولة في أمسّ الحاجة لهذه الأموال لإنجاز المشاريع السكنية العالقة والاستجابة لطلبات أكثر من نصف مليون جزائري أودعوا ملفاتهم للحصول على سكن حسب الإحصائيات التي كشفها تبون أمام القاضية، التي استغربت هي الأخرى من هذه المفارقة العجيبة، حيث اختصرت هذه المشكلة الخطيرة بالقول: "الأموال نائمة تبحث عن الفائدة والمشاريع متوقفة"، وهذا في إشارة واضحة إلى أن دواوين الترقية العقارية التي استفادت من القوانين التي تعطيها الاستقلالية المالية، استفادت من هذا الوضع لتكون طرفا مباشرا في عرقلة العديد من البرامج السكنية التي كان أغلبها متوقفا في ذلك الوقت، بسبب مشكل التمويل عادة، والذي حصل فيما بعد هو أن هذه الأموال التي أودعتها الدواوين لهثا وراء الفائدة في بنك الخليفة، ذهبت كلها هباء منثورا بعد حل البنك؛ بمعنى أن أكثر من 28 مليار دينار هي خسارة الدواوين بسبب فضيحة الخليفة، وممكن بعملية حسابية بسيطة معرفة عدد السكنات التي كان يمكن أن تنجزها هذه القيمة المالية الضخمة لو وجهت إلى الورشات ولم توجه إلى الحسابات البنكية، وهو ما يساوي أكثر من 18 ألف وحدة سكنية؟!. والواقع أن الكثير من مدراء دواوين الترقية العقارية الذين استمعت لهم القاضية ابراهيمي في سياق هذه المحاكمة خلال الأيام السابقة، كلهم رموا بالاتهامات في مرمى الوزارة التي اتهموها بأنها هي من أمرتهم بإيداع أموالهم في بنك الخليفة، وأن الوزير شخصيا أمرهم باستثمار أموالهم، وهو ما نفاه أمس عبد المجيد تبون الذي قال للقاضية: "لقد قلت لهم بالحرف الواحد أنا لا أرضى أن تعيشوا مثل المتقاعدين من فوائد البنوك".. على كل حال، فإن الخلاصة التي خرج بها أمس الحاضرون من الجلسة الصباحية لنهار أمس هي أن دواوين الترقية العقارية التي كان من المفروض أن تساهم في حل معضلة السكن، حصل معها العكس تماما عندما أصبحت جزءا مهما في معادلة أزمة السكن واكتشف أنها تتحمل مسؤولية مهمة ومباشرة في أزمة السكن بالجزائر، بما أنها كانت تبحث عن تزكية أموالها في البنوك في الوقت الذي كان عليها توجيه هذه الأموال إلى الورشات لتخفيف الضغط الذي فرضه المواطنون الذين يحلم الملايين منهم بالسكن أكثر مما يحلم بشيء آخر، وإذا عرف السبب بطل العجب؟! محكمة البليدة: نسيم لكحل: [email protected]