كشفت وثيقة رسمية تحصلت "الشروق اليومي" على نسخة منها، أن عمليات إيداع أموال دواوين الترقية والتسيير العقاري لدى بنك الخليفة المفلس، بدأت في سنة 1999، بعد أشهر قليلة من اعتماد هذا البنك، وهي الفترة التي كان فيها محمد بونكراف وزيرا للسكن، وأكد الوزير السابق للسكن والعمران عبد المجيد تبون أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الشراقة، أن عمليات الإيداع هذه، استمرت إلى غاية 2003، في عهد الوزير الحالي للسكن محمد النذير حميميد. يمثل اليوم أمام محكمة الجنايات بالبليدة وزير السكن والعمران السابق عبد المجيد تبون بصفته شاهدا في قضية الصندوق الرئيسي لبنك الخليفة، التي دخلت يومها الواحد والثلاثون، وذلك بعد تردد اسمه على لسان عدد من المتهمين من مسؤولي دواوين الترقية والتسيير العقاري، الذين شرعت محكمة الجنايات في الاستماع إليهم الأسبوع المنصرم، بتهم تتعلق بالرشوة واستغلال النفوذ. وليست هي المرة الأولى التي يتم فيها الاستماع للوزير السابق للسكن والعمران عبد المجيد تبون، بل سبق للمحكمة العليا أن استمعت له قبل حوالي شهر بخصوص القضية ذاتها، مستفيدا من سرية التحقيق، التي تبقى من خصوصيات المتابعة القضائية للوزراء ومسؤولي الدولة الكبار، أو ما يعرف ب "الامتياز القضائي"، الذي كان وزير العدل حافظ الأختام الطيب بلعيز قد تحدث عنه للصحفيين عندما كانت القضية في طور التحقيق. وارتمى اسم الوزير تبون في دائرة الجدل بشان ما تردد عن تواطئه في عمليات إيداع دواوين الترقية والتسيير العقاري لدى بنك الخليفة المنهار، بعدما فجر الرئيس المدير العام لوكالة ترقية وتطوير السكن خير الدين الوليد، الذي سبق له وأن كان المسؤول الأول على ديوان الترقية والتسيير العقاري في كل من وهران وقسنطينة، قنبلة تورط الوزير الشاهد في ضياع المئات من الملايير، من خلاله تأكيده في اجتماعات عمل جمعته مع مسؤولي مختلف دواوين الترقية والتسيير العقاري، على ضرورة استثمار أموالها في البنوك والمؤسسات المالية بما يمكن من توليد فوائد.. لكن نتائج هذه "النصائح" كانت كارثية، كونها ساهمت بطريقة أو بأخرى، في تبخر أموال دواوين الترقية لدى بنك الخليفة. وسبق ل "الشروق اليومي" أن أكدت أن محكمة الجنايات ستضطر للاستماع للوزير السابق عبد المجيد تبون على سبيل الشهادة لتقديم توضيحات حول مسؤوليته في ضياع أموال مؤسسات توجد تحت وصاية وزارة السكن التي كان مسؤولا أولا عليها في الفترة الممتدة من بداية جوان 2001، إلى نفس الشهر من سنة 2002، وهي السنة التي شهدت موجة من التنافس طبعه سباقا محموما بين مسؤولي مختلف دواوين الترقية والتسيير العقاري في من يودع أموال أكثر لدى بنك الخليفة المفلس، مقابل عمولات مالية، ورشاوى أخذت أشكالا متعددة استفادت منها فئات بعينها من مسؤولي هذه المؤسسات، لكنهم في النهاية علقوا مسؤولية هذه الإيداعات على مشجب الوزير، فما ذا سيقوله تبون أمام محكمة الجنايات؟ وفي هذا السياق، كشفت وثيقة رسمية تحصلت "الشروق اليومي" على نسخة منها أن وزير السكن والعمران السابق، نفى نفيا قاطعا أن يكون قد أعطى أوامر مهما كان نوعها وطبيعتها لمسؤولي دواوين الترقية والتسيير العقاري بإيداع أموالها في بنك الخليفة المفلس، وجاء في محضر سماعه من قبل قاضي التحقيق على مستوى محكمة الشراقة المكلف بقضية الخليفة، ، بتاريخ الثامن سبتمبر 2004 ، "إنني أنفي نفيا قاطعا أن أكون قد أعطيت تعليمات أو توجيهات، مهما كان نوعها، كتابية كانت أو شفهية، بإيداع مبالغ مالية لدى بنك الخليفة أو أي بنك آخر ولو كان عموميا"، كما نفى أيضا أن يكون ايا ممن كان دونه مسؤولية في وزارة السكن إبان فترة عمله بها قد أعطى أوامر من هذا القبيل. عبد المجيد تبون، أعترف أمام قاضي التحقيق بأن ما صرح به بعض مسؤولي دواوين الترقية والتسيير العقاري بشأن دعوته لاستثمار الأموال صحيح، لكنه أوضح من جهة أخرى، بأن ما قاله لا يتعدى "توجيهات من أجل التفعيل وتحسين المداخيل المالية للدواوين، من خلال الاستثمار في القطاع، أي في الإيجار أو البيع بالايجار". وفي سياق تبريره لهذا التصريح وشرحه لمعنى الاستثمار الذي تحدث عنه أمام مسؤولي مختلف الدواوين، أضاف الوزير السابق للسكن والعمران قائلا: "عند استلامي لمهامي كوزير للسكن قمت بتطهير القطاع، وإحداث سياسة جديدة، فكنت وراء إنشاء بنك للسكن لتفعيل قطاع السكن، واتصلت بوزير المالية آنذاك، لإنشاء مجمع مالي بين التأمين العمومية والصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، ودواوين الترقية والتسيير العقاري والقرض الشعبي الجزائري، نظرا للسيولة المالية التي كانت بحوزة هذه المؤسسات، إلا أنه عند مغادرتي للوزارة توقفت الفكرة ومعها المشروع"، وهي المشاريع التي قال إنه سهر على إنجازها خلال سنة، وهي تبين بان "الاستثمار الذي كنت أحبذه هو استعمال الأموال في المشاريع وليس في الإيداعات بالبنوك". ويضيف الوزير تبون "وفي إطار التفعيل المالي للدواوين وقطاع السكن، قمت بإنشاء شركتين مختلطتين، الأولى بين دواوين الترقية والتسيير العقاري، وبين شركة إماراتية، وكان الغرض من ذلك شراء العمارات والبنايات القديمة، لا سيما منها المهددة بالسقوط، وبناء عمارات جديدة في مكانها، وقد تم إمضاء بروتوكول اتفاق، كما قمت أيضا بإنشاء شركة بين دواوين الترقية والتسيير العقاري وشركة سعودية خاصة بالسكنات بالايجار، ولا أعرف مصير هذان المشروعان بعد مغادرتي القطاع". وأكد الوزير السابق أمام قاضي التحقيق أن القوانين المنظمة للعلاقة بين وزارة السكن والعمران ودواوين الترقية والتسيير العقاري، تعطي لهذه الأخيرة، "الشخصية المعنوية المستقلة في كل ما يتعلق بالتسيير"، طبقا للمرسوم التنفيذي رقم 91 147 المؤرخ في 12 ماي 1991، لا سيما المادة الثانية منه، التي تنص على أن لديوان الترقية والتسيير العقاري الشخصية المعنوية، والذمة المالية، فضلا عن ذلك، يضيف الوزير أمام قاضي التحقيق، أن لهذه الدواوين مجلس إدارة يتكون من وزارات مختلفة، ويتكفل بمراقبة التسيير والمصادقة على الميزانيات، مشيرا إلى أن المسؤولية المباشرة في عمليات الايداع تقع على عاتق الرئيس المدير العام لي ديوان ومجلس إدارته، وتحت مراقبة محافظي ومدققي الحسابات. لكنه من جهة أخرى، لم يستطع إنكار الدور الرقابي الذي تلعبه وزارة السكن عن طريق مديريتها المركزية لدواوين الترقية والتسيير العقاري، التي تتلقى دوريا تقارير حول وضعيه هذه الدواوين، مؤكدا بأنه لم يتلق "إشعارا عن وجود خطورة في إيداع هذه المبالغ (يقصد الودائع المالية) لدى بنك الخليفة أو غيره". وفي محاولة لتبرئة ذمته من ارتباط اسمه بإيداع أموال دواوين الترقية والتسيير العقاري لدى بنك الخليفة وتبخرها فيه، أكد الوزير السابق عبد المجيد تبون أن عمليات الإيداع ، بدأت في سنة 1999 أي قبل مجيئه إلى الوزارة بسنتين ونصف ، واستمرت، كما قال، إلى ما بعد مغادرته لوزارة السكن في جوان 2002 بحوالي سنة، مستدلا أمام قاضي التحقيق بدول يتضمن تواريخ عمليات الايداع التي تمت قبل استوزاره، مما يعني بالنتيجة، أن المسؤولية يتحملها أيضا الوزير الذي سبقه السيد بونكراف، والذي خلفه أيضا وهو الوزير الحالي محمد النذير حميميد. تبون طلب من الخليفة التكفل بأبنائه في الخارج قال وزير السكن السابق عبد المجيد تبون إنه كان يعرف المتهم الرئيسي في "فضيحة القرن" رفيق عبد المؤمن خليفة من خلال اللقاءات الرسمية، وأكد أنه التقاه في مطلع سنة 2001 ، وعرض عليه الوزير إمكانية تكفل بنك الخليفة المفلس بأبنائه، الذين كانوا خارج أرض الوطن، فما كان من رفيق خليفة إلا أن عرض عليه فكرة بطاقة المغناطيسية (السحب الفوري)، وشرح له بأن الحصول على مثل هذه البطاقة يتطلب دفع 10 ملايين سنتيم. واضاف الوزير السابق للسكن والعمران في محضر سماعه من قبل قاضي التحقيق لدى محكمة الشراقة، أنه سلم ضعف المبلغ المذكور أي 20 مليون سنتيم لرفيق عبد المؤمن خليفة خلال زيارة أداها له بمكتيه في فيلا بحيدرة، ليتمكن بعد شهرين من تسلم بطاقة السحب الفوري من نوع "ماستر كارد"، مشيرا إلى انه لم يكن يعرف كيفية استعمال هذه البطاقة، وأنه طلب من رفيق خليفة معلومات حول الصرف عندما كان وزير منتدبا مكلفا بالجماعات المحلية. وأكد الوزير السابق تبون أنه استعمل بطاقة الماستر كارد في نهاية سنة 2002، أي بعد مغادرته وزارة السكن، وذلك بالمستشفى الأمريكي بفرنسا كمصاريف للعلاج، ومصاريف الفندق الذي كان يقيم فيه، مشيرا إلى أن قيمة المبلغ المستعمل يساوي أو يفوق بقليل ال 20 مليون سنتيم، التي كان قد سلمها له مقابل بطاقة السحب الفوري، التي اصر على أنها لم تكن في إطار امتياز من منطلق المنصب الذي كان يشغله على راس وزارة السكن، وإنما مقابل المبلغ الذي سلمته للمتهم رفيق خليفة. "رفضت منح الاعتماد لشركة "الخليفة للبناء" أكد عبد المجيد تبون الوزير السابق للسكن والعمران أن رفيق عبد المؤمن خليفة، المتهم الأول في قضية الصندوق الرئيسي لبنك الخليفة التي أطوارها هذه الأيام بمحكمة الجنايات بالبليدة، "استشارني، بل طلب مني شفاهة الحصول على اعتماد لشركة "خليفة للبناء"، فأجبته بالرفض شفاهة، لأن الوسائل التي كانت بحوزة هذه الشركة، وخاصة المعدات التي كانت تمتلكها، لا تسمح لها بأن تكون شركة للبناء، بل مجرد شركة للأشغال العمومية، لا أكثر ولا اقل". وأضاف تبون أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الشراقة، أنه "للحصول على اعتماد لشركة للبناء من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثالثة، ينبغي تسلم الاعتماد على مستوى اللجنة الولائية، أما عندما يتعلق الأمر بالدرجة الرابعة فما فوق، فالاعتماد يسلم من طرف الوزارة الوصية ممثلة في وزارة البناء، التي بها لجنة مختصة تمنح هذا النوع من الاعتمادات"، الأمر الذي دفعه إلى القول بأنه ينفي نفيا قاطعا أن يكون قد منح اعتمادا لشركة الخليفة للبناء. محمد مسلم