عالجت المحاكم الابتدائية بالعاصمة في الآونة الأخيرة ملفات تتعلق في مجملها بعمليات نصب واحتيال عن طريق انتحال أسماء وهويات مسؤولين وشخصيات بارزة في الدولة، تردد خلال مراحل التحقيق فيها وحتى الجلسات العلنية أسماء وزراء سابقين وآخرين لا يزالون يمارسون مهامهم الرسمية، في الفترة الممتدة من نهاية شهر مارس من السنة الفارطة إلى غاية اليوم، وتعدت الجرائم المرتكبة كل الخطوط الحمراء حيث وصلت الجرأة بالشبكات المنظمة والمحتالة إلى انتحال أسماء مزيفة لوزراء للنصب على المواطنين وحتى كبار المسؤولين، غير مكترثين بالعقوبات المسلطة عليهم حتى وإن مس الضرر شخصيات حكومية.
صبت مجمل قضايا النصب والاحتيال التي حاولت "الشروق "تسليط الضوء على جزء منها بمحاكم العاصمة، حول عمليات انتحال هويات الغير والتزوير واستعمال الذي طال أختام هيئات نظامية ورسمية وادعاءات بقرابة ومعرفة الوزراء، هدفها نصب شبكات منظمة في إطار الاحتيال على عشرات المواطنين الذين وجدوا أنفسهم وسط سيناريوهات حبكت بإتقان، أبطالها محتالون قدموا وعودا زائفة لتحقيق أحلام المواطن بسيط مقابل مبالغ خيالية تجنى من النصب والتحايل. سمعنا وقرأنا كثيرا عن الشبكات المنظمة التي تنصب وتحتال على عشرات المواطنين البسطاء، سيما قضية سيدة في العقد الخامس، انتحلت صفة زوجة إطار بالمؤسسة العسكرية من اجل تهريب الملايير نحو ليبيا في إطار الاستثمار، بمساعدة مرشدة دينية وبصفتها أستاذة في مادة الشريعة الإسلامية بإحدى ثانويات تيبازة، خططا للاحتيال على سكان البيوت القصديرية والذين يعانون من ضيق في السكنات، بتقديم وعود زائفة من أجل تمكينهم من مسكن لائق، مقابل قبضها مبالغ مالية تراوحت قيمتها مابين 20 و300 مليون سنتيم، بعد أن تمركز نشاط شبكتها على مستوى ولايتي الجزائر وتيبازة، امتدت إلى خارج حدود الوطن، مدعية أنها ستساعدهم في الحصول على سكنات ريفية وتساهمية. وتقمصت المتهمة عدة أدوار وشخصيات وكأننا في مسرحية كوميدية، فتارة تقدم نفسها على أساس زوجة إطار في المؤسسة العسكرية وتارة أخرى رئيسة مصلحة توزيع السكنات في تيبازة من أجل كسب ثقة الضحايا، وراحت تقبض من هذا أموالا ومن ذاك مجوهرات من الذهب الأصفر، مقابل وعود مزيفة انكشفت في أخر المطاف من قبل فرقة الدرك الوطني بعد أن توجهت بالمصوغات والأموال إلى ليبيا حاملة معها 500 مليون سنتيم في إطار استثمارها في مجال إنشاء محلات تجارية. وقضية الفتاة التي تجرأت وادعت أنها حفيدة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي السابق، من أجل الاحتيال والنصب وكالات كراء السيارات للاستحواذ على المركبات الفاخرة بقيمة مليار سنتيم، باستعمال وثائق مزورة من أحد البنوك، ناهيك عن صفقة الحليب المشبوهة بقيمة 200 مليون سنتيم مع شركة "مايستريم" لصناعة الحليب. واستمرت الفتاة في انتحال صفة الجنرال إلى غاية توقيفها يوم 18 أوت 2009، من قبل فرقة البحث والتحري للدرك الوطني، بعد أن اتضح تعاملها مع أزيد من 10 وكالات كراء للسيارات، أين تمنحهم مقابل كل عملية كراء للسيارات صكوكا بنكية موقعة بإمضائها بدون رصيد ثم تقوم بالاختفاء كلية دون أن تعيد السيارات التي قامت باستئجارها، مع بيعها لضحايا آخرين موهمة إياهم بأن مالكيها الأصليين بحاجة ماسة إلى المال. ووجد ضابط مزيف طريقة للاحتيال من خلال انتحال صفة وزير الداخلية والجماعات المحلية السابق "يزيد زرهوني"، في إطار مساعدة بعض المواطنين لأداء فريضة الحج، حيث بادر إلى الاحتيال على الوزير شخصيا، ففكر في خطة حبكة أين اتصل هاتفيا بالوزارة الوصية، وطلب محادثة الوزير شخصيا بعد أن قدم نفسه على أنه ضابط سام في قوات الجيش الوطني. وبمجرد أن راودت الشكوك الوزير طلب بفتح تحقيق حول هوية الشخص المتصل، واثر انطلاق التحقيقات اتضح أنه ضابط مزيف انتحل هوية إطار من أجل تسهيل مهمة النصب والاحتيال على عشرات المواطنين، فتم استدراجه إلى مقر الوزارة للقبض عليه وتقديمه إلى العدالة بتهمة النصب والاحتيال الذين وعدهم بالمساعدة من اجل أداء مناسك الحج، حسب ما صرح به أثناء توقيفه الذي تم بمبنى الوزارة بعد استدراجه وإحالته على المحاكمة التي جرت أطوارها بمجلس قضاء الجزائر بتهمة النصب والاحتيال وانتحال هوية الغير.
أبطال عالميون في الجيدو والكينغ بوكسينغ يقلدون أختام الوزير الهاشمي جيار اختار أبطال عالميون موندياليون في رياضة الجيدو والكينغ بوكسينغ طريقة تقليد أختام وزير الشباب والرياضة"الهاشمي جيار" واستغلاله تحت غطاء جمعية رياضية وهمية من اجل الاحتيال على السفارات الأجنبية، منتحلين صفة الوزير بتقليد ختمه وتزوير مطبوعات رسمية بالاعتماد على مراسلة مزورة موجهة لعدة قنصليات ويخض الأمر كل من فرنسا بريطانيا والجمهورية التشيكية، تضمن فحواها طلب الحصول على تأشيرات السفر في إطار المشاركة في تظاهرات وبطولات رياضية عالمية، إلا أن المستور انكشف، حين اتضح أن الوثائق والمطبوعات تحتوى على توقيعات وأختام رسمية مزورة باسم وزير الشباب والرياضة"الهاشمي جيار". القضية تم طرحها أمام محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة نهاية السنة الفارطة، إثر الشكوى المقيدة من قبل وزير الشباب والرياضة الذي كلف الأمين العام بتحريك القضية لدى مصالح الأمن، ضد أعضاء جمعية نادي كارتي تسمى"يونافيت" كونها تسببت في إلحاق أضرار به وبالوزارة الوصية، سيما وأن الجمعية غير معتمدة من قبل الوزارة، وطلبت بالحصول على أزيد من 65 تأشيرة دخول إلى الدول السالفة الذكر ، باستعمال أوامر بالمهمة وثائق سفر باسم الوزارة، وشهادات اعتماد وأخرى رياضية، ناهيك عن شهادات تكفل بالخارج تحمل أختاما مزورة لوزارة الشباب والرياضة على رأسها توقيع الوزير الهاشمي جيار، وذلك بالتواطؤ مع صاحب آلة للطباعة وجهاز "سكانير"، استعملت في نسخ أوراق الملفات. وتوصلت عمليتا البحث والتحري إلى شخصيات رياضية معروفة في رياضة "الجيدو" و"الكينغ بوكسينغ" على المستويين الوطني والدولي، بعد حبكهم لخطة تشكيل ناد رياضي وهمي "للكاراتيه" والمصارعة الحرة" بهدف الحصول على تأشيرات سفر باستعمال دعوات رسمية دولية للمشاركة في مختلف التظاهرات الرياضية ويقوموا بإعداد قائمة تضم أسماءهم كأبطال ويزيدون عليها أسماء شباب يريدون "الحرڤة" إلى الضفة الأخرى، مقابل مبالغ مالية معتبرة من العملتين الوطنية والصعبة، تفوق ال10 ملايين سنتيم من اجل الحصول على "الفيزا".
المحامي مهدي عمر: المشرع الجزائري يحمي الشخصيات والمسؤولين المتضررين.. ويجب تشديد العقوبات اعتبر الأستاذ "مهدي عمر" محام معتمد لدى المحكمة العليا، في اتصاله هاتفي بجريدة الشروق" أن ظاهرة انتحال الوظائف والألقاب أو الأسماء وانتحال الصفات وسوء استعمالها تفاقم في الآونة الأخيرة، وأصبحت القضايا تتداول بكثرة في المحاكم بشكل لافت للانتباه، والهدف تحصيل شتى أغراض من قبل المنتحلين والنصابين في وقت قصير، بالرغم من خطورة الفعل والعواقب المترتبة عنه قانونا لذا وجب تشديد العقوبات السلطة. وأردف المحامي "مهدي" في مداخلته أن المشرع الجزائري قام بحماية المتضررين الذين تستغل أسماؤهم ومراكزهم في الفصل السادس المتعلق بالجنايات والجنح، ضد الأمن العمومي في قانون العقوبات، وتم التطرق إليه من خلال تجسيد المادة 242 إلى غاية 253 من قانون العقوبات الجزائري.
عقوبات بين عام وخمسة حبسا سنوات جاءت المادة 242 من قانون العقوبات تنص على أن الأشخاص الذين ينتحلون صفة في وظيفة عمومية أو مدنية أو عسكرية ويقومون بأعمال التي تدخل في الوظيفة عن طريق التزوير في وثائق يعاقبه القانون بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، مالم يكن فعل الجريمة أشد، ومثال عن هذا استعمال صفة ضابط عسكري من قام بانتحال صفة مدير من أجل الحصول على المعلومات أو توظيف احد أقاربه يعاقب عليها القانون، في حين تضمنت المادة 243 أن الأشخاص الذين يستعملون لقبا متصلا بمهنة منظمة قانونا أو شهادة أو صفة حدد السلطة العمومية شروط منها أو أبدع لنفسه شيئا يعاقب من ثلاثة أشهر إلى عامين حبسا نافذا وبغرامة من 500 إلى 5 آلاف دينار جزائري. واستغرب المحامي "مهدي عمر" في ختامه جرأة المنتحلين والنصابين في استعمالهم لأسماء وصفات الوزراء ناهيك عن انتحال صفة عقيد في الجيش ورتبة لواء، دون الأخذ بعين الاعتبار العقوبات المسلطة ضدهم، فقط هدفهم تحقيق أغراضهم ومصالحهم على حساب الزوالية.