عندما تنقلت لزيارتها في بيت مهترئ مكون من غرفتين، وهو في الأصل ملك لورثة زوجها المتوفى منذ 6 سنوات، وبمجرد مقابلتها شعرت بدوران في رأسي وأحسست بخيبة أمل في ولاية نفطية ميزانيتها تفوق 3 ملايير دولار، منطقة لها مال قارون وتضم مئات رجال الأعمال والمقاولين والأطباء تركوا هذه الأرملة التي تقشعر لها الأبدان تتخبط في فقر مدقع وموت بطيء.. إنها المأساة حقا في اغني ولاية وطنيا. حالة "الصالحة بن حنة" البالغة من العمر 42 سنة والقاطنة بحي بامنديل الشعبي بورڤلة، لا زالت لحد الآن طي الكتمان، وهي أرملة فقيرة نخر وجهها ورم سرطاني في صمت دون تدخل السلطات المحلية أو وزارة الصحة التي ظلت في موقع المتفرج على حالة أقل ما يقال إنها نادرة في حين صرف المنتخبون أنظارهم عنها وتاهوا في الحملة الانتخابية دون تذكرها، ولولا جمعية الرحمة لمساعدة مرضى السرطان لكانت هذه الأرملة المعوزة في عداد الموتى قبل شهور. وجدتها جالسة في ركن غرفة صغيرة جدا لا تتعدى مترين، تمسك نصف وجهها وتخشى أن يسقط رأسها أرضا بعد أن تخلصت من عضلات الوجه إثر عملية جراحية أنقذت حياتها من الموت بالمملكة المغربية بعد إصابتها بالسرطان قبل 6 سنوات، امرأة لم تنم منذ هذه الفترة ولا تأكل ولا تشرب إلا بواسطة أنبوب طبي موصول من ثقب أسفل الرقبة إلى المعدة، وحتى أبنتها الصغرى "إبتهال" 6 سنوات، كانت تفر من أمها قبل العملية، فيما تعقدت نفسيا ابنتها "فطيمة" 16 سنة و المعاقة بنسبة مئة من مئة، خاصة بعد تغير منظر والدتها بالكامل، مشهد يندى له الجبين ولا يمكن لأصحاب القلوب الرهيفة النظر إليه رغم أنها أضحت أحسن عقب العملية الجراحية الأخيرة. أما أمها العجوز خالتي "رقية" فكانت في غاية التأثر لما حدث لفلذة كبدها طوال الأعوام المنقضية، لكنها لا زالت صامدة مع قدر الله، مشيرة إلى أن "الصالحة" لم تذق طعم النوم منذ 6 سنوات وتخشى ذلك لأنها لو نامت قد ينفجر دماغها في أي لحظة بسبب حجم ورم السرطان وقوة الانتفاخ، كما فقدت بصرها وخسرت نصف وزنها وأصيبت بفقر الدم وكادت أن تهلك عقب تقيح فمها ومنعها من تناول الوجبات، وظلت تعد السماء دون معيل، وأشارات محدثتنا إلى أنها ترافق ابنتها المريضة وترعاها من بداية المرض وإلى غاية هذه اللحظات، وأنه لا رئيس البلدية ولا أي مسؤول سأل عن وضعية الأسرة الفقيرة المكونة من أربعة أبناء، وقد تعقدت الأمور أكثر بعد وفاة زوج المريضة قبل سنوات. حاولت التقرب من "الصالحة" قصد محاورتها، لكنها لم تتمكن من ذلك ،إذ أنها تتحدث بالإشارة فقط ملوحة بيدها أنها تحمد الله وتصبر على ما أصابها وتصلي لعل الله يشفيها، كما تخضع لجلسات مكافحة السرطان بمستشفى ورڤلة، بينما أشار شقيقها الأكبر "إسماعيل" إلى أن السلطات تجاهلتها ولم تتصل بهم حيث تعيش هذه المريضة على صدقات الجيران وبعض المحسنين وبحاجة إلى بيت يأويها. رحلة الرحمة من ورڤلة إلى مراكش الوضعية المعقدة حركت جمعية الرحمة بورڤلة، وعلى رأسها الدكتور "مصطفى قيدوح" الذي وقف إلى جنبها وتكفل بنقلها إلى مستشفى بن طفيل بمراكش المغربية بالتنسيق مع البروفيسور "منصوري نادية حطاب"، وذلك بعد محاولات للتكفل بها في الجزائر لكن دون جدوى، وقد تمكنت الطبيبة المذكورة المتخصصة في جراحة الوجه والفك والتجميل بالمستشفى ذاته من استئصال نسبة 80 من المئة من الورم، أي 4 كلغ منه، حيث أتى على الوجه بالكامل وانتقل إلى المخ. من جهتها، قالت الطبيبة التي أجرت العملية إن ما قامت به واجب على كل مسلم وقف على هكذا حالة، وأنها سخرت جميع إمكانياتها للتكفل بها منذ وصولها إلى المغرب وإلى غاية مغادرتها، مؤكدة أن الشعبين المغربي والجزائري واحد ولا بد من التكافل فيما بيننا لإنقاذ المرضى دون وصاية من احد. ومعلوم أن قصة المريضة الفقيرة مع السرطان بدأت عام 2005 عندما أجرت عملية جراحية بسيطة للتخلص من اللوزتين بمسقط رأسها، حسب توضيحات أمها وشقيقها "للشروق" لكن سرعان ما ظهر أعلى الحلق شبه جلد ظل يتطور ليتحول إلى ورم خبيث، ومنذ سنة 2006 وهي تعاني وتنقلت بعدها للعاصمة عدة مرات من أجل العلاج رفقة زوجها الفقيد ثم أحد أبنائها، إلا أن عبارة "ما عدنا ما نقدرو أنديرولك في الجزائر" التي رددها أكثر من طبيب مختص أثناء جلسات مكافحة السرطان ضاعفت من معاناتها وأدخلتها مرحلة اليأس، فتحول وجهها إلى شبه جلد منفوخ وتشوه كليا، ورغم الابتلاء لا زالت المريضة نفسها تصلي ليل نهار وتدعو الله أن يشفيها، وتطلب من القاضي الأول في البلاد إنصافها لمواصلة العلاج في الخارج، كون المساعدة الطبية من الحقوق الدستورية.