لجوء السلطة الفلسطينية في الأيام القليلة الماضية إلى تحريك الملف الحقوقي، خطوة هامة في حركة المقاومة السلمية الفاعلةّ، وتحتاج إلى دعم شعبي ورسمي، شريطة أن تكون هذه الحركة استراتيجية جديدة في المقاومة، وليست مجرد تكتيك لإجبار الإحتلال على العودة إلى المفاوضات، أو من أجل استعطاف الغرب والعالم، للضغط على الولاياتالمتحدةالأمريكية. على أن الغاية المرجوة أو المفترضة من تحريك الملف الحقوقي، جملة من الأمور السياسية، لا تقل عن الفعل المسلح من أجل التحرير، منها حرمان قيادات العدو من الحركة في العالم، والحد من حرياتهم، وتحريك الرأي العام الدولي؛ لأن شعوب الغرب لها سلطان على حكامها، كما لحكامنا سلطان علينا، وبعث للنفوس اليائسة بالمجتمع المسلم، الذي يئس من القضية كما يئس من صلاح حكوماته. نتمنى أن تكون غايات السلطة الفلسطينية ومن ورائها من يسير في ركابها، تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، فتكون معبرة على قدر من اليأس من أوسلو وما انبثق عنه من أوهام. عندما كتبت في مناسبة سابقة عن حتمية زوال دولة إسرائيل، بناء على وجودها غير الطبيعي في المحيط الذي زرعت فيه، علق على مقالي بعض القراء بقولهم "راك تخرف" وأنا أعلم أنني "أُخَرِّف" بمنطق هؤلاء القراء؛ لأن موازين القوة في صالح الإحتلال الصهيوني، بسبب قوة العدو وضعف الصديق، وهوان الواقع العربي الإسلامي، ومن ثم فزوال إسرائيل حلم لن يتحقق!! ولكن عندما أنظر إلى شريحة عريضة من المجتمع الفلسطيني فضلا عن حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وأراها لا تزال تصر على المقاومة…، وعندما أرى الأجيال الفلسطينية تتوارث مفتاح العودة وتتناقله، وتسلمه لبعضها البعض أمانة ووديعة…، وعندما أرى الحراك الفلسطيني في الداخل…، والدعم الشعبي العربي الإسلامي والدولي من الخارج…، وعندما أرى دائرة اليأس من أوسلو تتسع…، ودائرة السلام والمفاوضات تضيق شيئا فشيئا…، وخير معبر عن ذلك هذه اللفتة المعبرة عن إدانة عدو، يرتكب الجريمة تلو الجريمة، جرائم كلها ليست دون الجرائم ضد الإنسانية..، إطلاق الرصاص على الصدور العارية.. وقتل الأطفال، واغتصاب الممتلكات وقتل أصحابها…، وأخيرا عندما أرى رجلا مسنا مثل إدوارد سعيد، يأتي من أمريكا إلى جنوبلبنان مع إبنه ليلقي حجارة في اتجاه فلسطينالمحتلة، للتعبير عن مبدأ المقاومة، وللتدليل على رفضه لخط السلطة الفلسطينية الاستسلامي لتي استقال منها، ومن سار على دربها من الأنظمة العربية المخذولة…، فعندما أرى كل هذه الأمور، ازداد اقتناعا بزوال إسرائيل؛ لأن قانون الله في الوجود، ما ضاع حق وراءه طالب..، ولا ماتت قضية وأهلها يصرون على إحيائها؛ بل لن يضيع الحق إلا عندما يتنازل عنه أهله، أو يشعرون باليأس والضعف وعدم القدرة، أما عندما يكون الأمل والإصرار والإيمان بالقضية فإن النصر يتحقق لا محالة. لا شك أن تفوق الإحتلال الصهيوني العلمي، وقوته المادية المدعومة دوليا، وإصراره على غيه، والدعم الذي لم ينقطع عنه من جميع الجهات، وآخرها التنازل العربي الذي شرعت فيه النظم الفاشلة منذ حرب 1973 عام النصر، الذي حوله المنبطحون إلى سلسلة من الهزائم، ابتداء من زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس سنة 1978، وشروعه في البحث عن السلام مع اليهود، وانتهاء بالتطبيع المقنع والسافر…، من طرف جل الأنظمة العربية والإسلامية، ولكن قوة الاحتلال وإصراره والدعم الظالم له، والتنازل والانبطاح الذي يمارس أصحاب القضية على أنفسهم، ليس كل شيء، لأنه يفتقد إلى أهم المعالم، وهي الشرعية والحق والعدل…، ولا ريب أيضا في أن زوال مثل هذه القوة المتعددة السواعد، لن يكون بالتمني والتحلي، وإنما تزول بالجهود القوية والفعالة والمؤثرة..، فأين هي هذه الجهود القوية والفعالة والمؤثرة؟ إن المظلوم عندما يفقد كل شيء، فإنه لا يفقد بالضرورة العزيمة والإصرار وشرعية قضيته إن تمسك بها، وذلك هو الذي يحقق المعجزات..، ولنا من الأمثلة في التاريخ ما يؤيد ذلك.. فالجزائر كانت محتلة 132 سنة، والإحتلال الفرنسي لها، كان احتلالا استيطانيا، مثلما فعل اليهود ويفعلون في فلسطين تماما..، وكل ما هو موجود اليوم في فلسطين، كان في ممارسا في الجزائر حذو القذة بالقذة كما يقال..، اختلال في موازين القوة بأبعد معانيها.. وتمايز طبقي ومظالم بأبشع صورها..، بما في ذلك وجود جزائريين كانوا يعملون، لأن يتحول الجزائريون إلى فرنسيس، مثلما هو الحال في فلسطين مع من يلهثون وراء مشاريع التسوية مع العدو، ومع ذلك تحررت الجزائر بإصرار أهلها على الحرية والاستقلال…، وكذلك نظام الأبارتايد العنصري في جنوب إفريقيا الذي عمر هو الآخر، ونخبه التي تشبه إلى حد بعيد "الأرجل السوداء"، وهم المعمرون الذي استولوا على أراضي الجزائر واسعبدوا أهلها؛ بل وضغطوا على الاحتلال الفرنسي، حتى لا يسلم في الجزائر لأهلها، ولكنهم فشلوا تحت ضغط الإرادة الشعبية والقيادات الوطنية الصادقة، ويشبه أيضا النخب اليهودية التي تجمعت من كل العالم لتشكل شرذمة في فلسطين تسمى دولة إسرائيل..، ورغم ذلك فقد هزمت تلك النخب البيضاء بإصرار المناضل الجنوب إفريقي على حريته المسلوبة وتحرر. لا شك أيضا أن صعوبة الوضع في فلسطين مقارنة بما كان في الجزائروجنوب إفريقيا، أن التاريخ لا يعيد نفسه، حيث أن ما نجح فيه الجزائريون وما فاز به الجنوب إفريقيون، لا ينجح به الفلسطينيون بالضرورة، وهذا فيه شيء من الحقيقة، ولكن ما هو يقين أيضا، هو أن المقاومة الفلسطينية، ليست بالضرورة قتالا، ومواجهة مسلحة، كما كانت الثورة الجزائرية، أو مقاومة سياسية ودبلوماسية فحسب، كما كانت في جنوب إفريقيا، وإنما قد تكون كذلك، أو تبعث صيغ مقاومة جديدة غير التي عرفها التاريخ؛ لأن الإنسان لا حد لطاقاته وإبداعاته، وعدل الله يقتضي أن يكون للمظلوم قدرات خارقة تساعده على تحرره…، والمقاومة أنواع وأشكال منها ما عرفنا ومنها ما لم نعرف، وربما ستطلعنا عنها الأجيال، كما أطلعنا أطفال الحجارة في ثمانينيات القرن الماضي، على منهجية لا تخطر على بال إنسان، ولكن ذلك كان عندما كانت المقاومة مشروعة في العرف الفلسطيني.. أما اليوم فالقيود التي وضعتها السلطة الفلسطينية على الفلسطينيين، هي اكبر عائق في طريق التحرير.. ولعل ما قامت به السلطة هذه الأيام يمثل خطوة في العودة إلى ما قبل أوسلو… لعلها بداية ومن يدري؟ – مثل شعبي جزائري، يراد به "إنك تهذي"، أي تقول كلام غير معقول. -القصة رواها الأستاذ عبد العزيز بوبكير على صفحته في الفايسبوك.