استوقفتني أمس وزيرة التربية نورية بن غبريط، وهي "تكذّب" مسؤولها بالوزارة، الذي قال أوّل أمس، أن فريق عمل يحضر لإلغاء امتحان شهادة التعليم المتوسط، والحكاية هنا ليس في التكذيب أو الردّ أو التفنيد، وإنما في التضارب والتعارض الغريب، فهل يُعقل أن يُكذّب الوزير المدير، وهل يُعقل أن يُصرّح المدير بما يرفضه الوزير؟ مراقبون وفضوليون، يعتقدون أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد بالونة اختبار فقط، ولذلك، لا يُستبعد أن تكون الوزيرة قد أوعزت لمسؤولها من أجل قول ما قاله من قول مأثور، ثم تنتظر ردود الفعل، أو لا تنتظرها، وتخرج للناس بخطبة عصماء تفنّد فيه ما جاء على لسان "الموعز إليه"، لغاية في نفس يعقوب ولأهداف لا يعلمها سوى مهندسيها! وفي الرواية الأخرى، قد يكون المسؤول إياه قد "كشف البازقة"، دون أن يأخذ رأي الوزيرة، ولأن القضية "خطيرة"، وتتعلق برأي عام، ونقابات وتلاميذ وأولياء، سارعت "صاحبة المعالي" إلى تكذيب "الحقيقة" التي كانت مجرّد مخطط أو مشروع مؤجّل التنفيذ إلى إشعار آخر، حتى لا يُمسح فيها "الموس" وتدخل في نفق جديد! الملاحظ للكثير من الملفات في قطاع التربية، خلال مسار "الإصلاحات الثانية"، وما يُعرف ب"الجيل الثاني"، يقف على واقعة لا يختلف عليها اثنان، مفادها أن كبرى القضايا، تُرمى ك"كذبة" لقياس درجة تفاعل الجمهور والمعنيين بها، ولذلك حدث ما حدث مع قصة "إلغاء" التربية الإسلامية، وحذف دروس الهوية، وتقليص العطلة والعتبة والامتحانات الرسمية! ليس بهذه الطريقة تورد الإبل في قطاع من المفروض أنه حامي الحماة، ومؤدّب العصاة، ومروّض الخارجين عن القانون والمنحرفين، لكن التصريحات والتصريحات المضادة بين مسؤولي القطاع، و"تناقضات" الوزيرة نفسها، و"تراجعها" بين الحين والآخر، بعد وقوع الفأس على رأس التلاميذ والأساتذة، أفقدت المدرسة الكثير من هيبتها وسمعتها، وحوّلتها إلى قطاع بارد وساخن في نفس الوقت! لقد تكاثرت الهفوات والصراعات والاحتجاجات والإضرابات والتكذيبات، فلم يعد قطاع التربية سوى محضنة جديدة لممارسة "التغبية"، وإلاّ هل يُعقل أن يصرّح مسؤول كبير للصحافة و"يزعم" أن هناك مخططا لإلغاء "البيام"، قبيل انطلاق الامتحانات، ثم "تفاجئه" وزيرته بعد ساعات، مستغلة إعطاء إشارة انطلاق الشهادة، لتفند ما "اتفقا" عليه؟ إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، فيا ريت يتمّ إلغاء "السانكيام" و"البيام" و"البكالوريا"، بعد ما نخرهم التسريب ونشر المواضيع والغشّ والعتبة والاستسهال في الحراسة، وأخيرا وليس آخر، استفتاء التلاميذ عن "الموعد الذي يساعدهم" من أجل الامتحان في انتظار استفتائهم في المعدّل الذي يُريدون تدوينه في كشوف نقاطهم!