يمرّ الجزائريون على مشاركتهم في مونديال المكسيك 1986، مرور الكرام، وكأنها لم تكن إطلاقا، وتحتفظ ذاكرتهم بما حدث في إسبانيا عندما حققوا انتصارين، وما حدث في البرازيل بالتأهل للدور الثاني وما حدث في جنوب إفريقيا بسبب تأهلهم البطولي للمونديال، أما حدث المكسيك فسقط من الذاكرة. أولى مباريات الخضر في مونديال 1986، جرت في ملعب 3 مارس بغوادا لاخارا، أمام 22 ألف متفرج، وقادها الحكم السوفياتي بتينكو، وفاجأ المدرب رابح سعدان العالم بإشراك الحارس العربي الهادي، الذي لم يسبق له وأن لعب مباراة رسمية في حياته، وقاد الخضر رابح سعدان وكان إلى جانبه مصطفى دحلب. وبدأ الخضر المباراة بسيطرة ولمحات فنية من رابح ماجر، لكن الإيرلنديين حصلوا في الدقيقة الخامسة على مخالفة على بُعد 19 مترا، نفذها النجم الأول والأسطوري للإيرلنديين وايت سايد، فلمست الكرة مجادي وغالطت الهادي الذي لم يحرّك ساكنا، هدف قتل الخضر وأخرجهم من المباراة، وبعد أن استرجعوا أنفاسهم، قدّم ماجر بشجاعة كل ما عنده، وكان الوحيد الذي بذل جهودا كبيرة، وفي الدقيقة 33 وصلت الكرة إلى ماجر وأراد تحويلها برأسه إلى شباك جينينغس، ولكنه ارتطم برأس أورنيل، وتم نقله فاقدا للوعي في حالة خطيرة إلى المستشفى، وفقد الفريق أحسن لاعب في التشكيلة، وكان لخروج ماجر طعنة قاسية للخضر، وتمكنت إيرلندا الشمالية من الدفاع عن هدفها إلى غاية الدقيقة 58 عندما استفادت الجزائر من مخالفة عن بُعد 25 مترا من الحارس الإيرلندي، فقذفها جمال زيدان بيسراه أرضية، فسجل هدف التعادل، ولم يتمكن بلومي المقحم بديلا في مكان زيدان من تغيير النتيجة بالرغم من فرصة واحدة سنحت له، لم تعط أية نتيجة، وفي الوقت الذي فاز البرازيل بصعوبة بهدفين مقابل واحد أمام إسبانيا، حافظت الجزائر على حظوظها، وفي السادس من جوان 1986 شهد ملعب جاليسكو بغوادا لاخارا، حضور قرابة 42 ألف متفرج كلهم من أنصار المنتخب البرازيلي، ومنحت الفيفا قيادة المواجهة لحكم من غواتيمالا يدعى مينديز، ولعب للخضر دريد، ومجادي، ومنصوري، وقندوز، ومغارية، وقاسي السعيد، وبن مبروك، وبلومي الذي عوضه باللاعب زيدان في الدقيقة 79، وماجر، ومناد، وعصاد الذي عوّضه التاج بن ساولة في الدقيقة 68، بينما لعب منتخب البرازيل الكبير الذي قاده المدرب الشهير تيلي سانتانا بتشكيلة نادرة من الحارس كارلوس وايدسون الذي أصيب وعوّضه نجم روما فالكاو في الدقيقة ال 11، وخوليو سيزار، وإيدندو، وبرانكو، وآليماو، وسوقراطس، وجينيور، وإلزو، وكاريكا، وكازاغراندي، الذي عوّضه الهداف مولير في الدقيقة ال60. وقدّم المنتخب الجزائري مباراة أسطورية قد تكون الأحسن له في كأس العالم، وانتقل اللعب في بعض فترات المقابلة إلى لمحات استعراضية من رفقاء ماجر الذي قضى يومين في المستشفى، وعاد ليلعب مباراة العمر، وفي إحدى لمحات الإبداع في الشوط الأول لمس الجزائريون الكرة، وحرموا منها البرازيليين، لمدة قاربت الدقيقة، بتمريرات ساحرة بعضها بالعقب إلى أن وصلت الكرة إلى عصاد الذي أضاعها، ولم يشكل البرازيليون أي خطر، وهو ما طمّع اللاعبين في النتيجة خاصة في الشوط الثاني، حيث لم يطمع الخضر في خطف هدف من هجوم معاكس وإنما بحثوا عنه بالسيطرة الشاملة على المباراة، ففي الدقيقة 55 قام مناد، وكان الأصغر في صفوف الخضر في سن ال 26 بفتحة على الجهة اليمنى خطفها بلومي الذي ارتمى بقدمه نحو الكرة، ولكن الحارس كارلوس أنقذ البرازيل من هدف محقق، ولم تمض سوى ثلاث دقائق حتى قاد الخضر هجوما منظما، فوصلت الكرة إلى بلومي، الذي مرّرها بيسراه نحو صالح عصاد المنطلق الذي قذف عندما شاهد خروج كارلوس من شباكه، ودفع الكرة أرضية نحو الشباك، وأخرجها جينيور من خط المرمى، منقذا البرازيل من هزيمة حقيقية، وهي اللقطات التي زادت من جرأة لاعبي الخضر، الذين خرجوا من منطقتهم طالبين الفوز، وغير مقتنعين بالتعادل، فتحوّل الدفاع إلى شوارع صال وجال فيها سقراطس إلى غاية الدقيقة 66 عندما قادت البرازيل هجوما على الجهة اليمنى، ومن فتحة لم يتمكن قندوز من ردّها رغم سهولتها، إلا أن سوء تفاهم بين الحارس دريد وعبد الله مجادي سمح لكاريكا من هز الشباك ضد مجريات اللعب وبكى الجزائريون كثيرا. في مونديال المكسيك لم يكن التأهل في دور المجموعات متاحا لصاحبي المركزين الأول والثاني فقط، بل إن أحسن أربعة منتخبات من الستة صاحبة المركز الثالث، في كل مجموعة يمكنها التأهل أيضا، وتواصل العمل على هذا النظام إلى غاية مونديال الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1994، لأجل ذلك كان يكفي أن تفوز البرازيل بأي نتيجة أمام إيرلندا وتتعادل الجزائر أمام إسبانيا بأي نتيجة لتحتل المركز الثالث، وتتأهل للدور الثاني وهي مهمة بدت سهلة، ولعبت المباراة في ال 13 جوان 1986، في ملعب التكنولوجيا في مدينة مونتيري أمام 21 ألف متفرج غالبيتهم من الإسبان وقاد المواجهة حكم ياباني كان خارج مجال المباراة، لأن التصوير البطيء أكد أن هدفي إسبانيا الثاني والثالث كانا من وضعية متسللة مؤكدة، مرة أخرى حدث ما لم يكن في الحسبان في الدقيقة 16 بعد التصادم العنيف بين جزار الملاعب كما تسميه الصحافة الإسبانية الباسكي غويغونشيا، والحارس دريد مكّن خلالها كالدير من هز الشباك، وتم حمل بعد ذلك دريد في نقالة بسبب كسور على مستوى الكتف، ليعوّضه العربي، وفقد اللاعبون تركيزهم، وبينما تنقل الجزائريون إلى الهجوم بحثا عن هدف التعادل المؤهل للدور الثاني، سجل البديل أولايا من هجوم معاكس هدفا من وضعية تسلل، ثم قتل المباراة من وضعية تسلل مفضوحة في الدقيقة 70 ونسفت أحلام الجزائريين.