عالجت محكمة الجنح الابتدائية بحي جمال الدين في وهران، الخميس الفارط، قضية تجسد إلى حد كبير واقع الحياة الرهيب في زمننا هذا الذي شحّت فيه القيم، وانقلبت الموازين، وأضحى البعض يقبل بمتناقضات وأضداد في محل مترادفات اعتقادا منهم أن الأخيرة قد ضاعت من قواميسهم، قبل أن يستفيقوا بضربة على جدار الحقيقة، حيث لا باب يطرقوه ليفتح لهم سوى باب القضاء.. الأبطال الرئيسيون في هذه القصة الواقعية التي بدأت أولى فصولها قبل نحو ثلاث سنوات ونصف بوهران، هم فقط اثنان، آنسة مثقفة، قضت 15 سنة من عمرها الناضج تعمل طبيبة عامة في عيادتها الخاصة، ورجل أمّي يصغرها سنا، قضّى حياته يعمل بناء، ويتنقل من ورشة إلى أخرى ليكسب قوت يومه، وشاءت الأقدار أن تكون هذه المهنة البسيطة نقلة نوعية له لتغير مجرى حياته كليا، حيث سمحت للاثنين رغم كل التناقضات التي تميزهما، أن تجمعهما في علاقات مشتركة، إحداها كانت على أساس وعد بالزواج، كان قد صرح به البناء للطبيبة، وباركته عائلتها التي وجدت فيه الخصال الحميدة التي تجيز له مصاهرتها من خلال ابنتها التي فاتها قطار الزواج، أو بالأحرى تهيأ لهم ذلك، بعد أن أمضى شهورا يعمل بناء لدى إخوتها، وأخرى كانت وهم المشاركة في مشروع مقاولاتي هام من شأنه أن يدر على زوجي المستقبل الكثير من المال، ويرفع من المستوى الاجتماعي للعريس الذي تراه الدكتورة أنه لا يشرفها أمام أهلها وينبغي عليها تغييره إلى الأحسن. لكن البنّاء البسيط المدعو "ع. ح" ذهب طموحه إلى أبعد مما أراد له قدره الجميل أن يكون، فراح حسب ما دار في جلسة المحاكمة التي وقف فيها متهما بجنحة النصب والاحتيال ضد ضحيته الدكتورة، يستعمل ذكاءه الفطري، ليتفوق عليها رغم أميته، عن طريق التخطيط لكيفية حصوله على المال الوفير منها دون سرقة ولا إكراه، ولا حتى زواج، حيث أوهمها في البداية بسهولة تحوله من بنّاء إلى رجل أعمال، في حال ساعدته ماديا على تأسيس مقاولته الخاصة، مؤكدا لها أنه يعرف الكثير من المقاولين الذين باستطاعتهم دعمه للدخول في هذا المجال وتذليل العقبات الإدارية لصالحه، فكان له ذلك، حيث كان في كل مرة يفبرك سيناريو ليطلب منها مبلغا من المال، إلا ويجدها ابتلعت الطعم، وألقته طوعا بين يديه، ومن ذلك إيهامها بظفره بصفقة إنجاز سد بولاية عين تموشنت، قبل أن يفاجئها بخبر إجباره من طرف والدته على الزواج بأخرى في سنة 2016، ومطالبتها بمساعدته بمصاريف تطليقها للزواج منها، قبل أن يأتيها بدفتر عائلي عليه اسميهما، ومدعيا أنه موثق، وبعدها يقص عليها رواية أنهما وقعا ضحيتي تزوير بسبب ذلك الدفتر، وأنهما يواجهان تهمة المشاركة فيه، ولا حل لهما للخروج من هذه الورطة سوى أن تدفع لمن ينجيهما منها مبلغ 350 مليون سنتيم. ودفع هذا الادعاء الضحية لبيع سيارتها الخاصة لتحصيل المال، بعد أن ضخت كل مدخراتها في مشروعه المزعوم، إلى أن تمكن من تجريدها من كل أموالها التي أفنت عمرها لقاء جمعها من عيادتها الخاصة ومن محل بيع الأعشاب الطبية الذي تمتلكه بحي العقيد لطفي، ليصل المبلغ الإجمالي المسلوب إلى أكثر من مليار و700 مليون سنتيم، ثم تكتشف في النهاية أن وعده لها بالزواج، لم يكن سوى واحدة من كذباته الخارقات، ومجرد طعم ليصل به إلى الكنز الثمين الذي ساقه القدر إليه، وعليه تقدمت الضحية بشكوى لدى مصالح الأمن للتبليغ عن العريس النصاب الذي أفقدها كل ما كانت تملك، بسبب سذاجتها وهي دكتورة في الطب، في مقابل ذكاء المتهم، وهو بنّاء لم يدخل المدرسة قط، وبعد محاكمة مثيرة، طالب فيها دفاع الطبيبة بتعويض الأخيرة بمبلغ ملياري سنتيم، بينما اعتبر نظيره موكله ضحية وليس متهما لامرأة ذات مال، استدرجت رجلا بسيطا للزواج منها، وأرادت برغبتها وإرادتها التامة أن ترفعه إلى مستواها الاجتماعي من رزقها الخاص، لكنه عندما اختلف معها بعد الخطبة، وقرر عدم الزواج بها، لفقت له تهمة النصب والاحتيال للانتقام منه على أصل العلاقة التي لم تكتمل، ليلتمس ممثل الحق العام في حق المتهم عقوبة الحبس النافذ لمدة ثلاث سنوات.