يلتقي رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، الثلاثاء، بالأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، وهو اللقاء الذي يأتي في إطار المبادرة التي أطلقتها "حمس" من أجل البحث عن التوافق الوطني المفقود. ويعتبر هذا اللقاء الثالث من نوعه، بعد ذلك الذي جمع مقري بكل من رئيس حزب "طلائع الحريات"، علي بن فليس، ورئيس الحركة الشعبية، عمارة بن يونس، وخلف جدلا كبيرا، أدى لوقوع انزلاقات سياسية، بسبب الاندفاع غير المحسوب لبعض السياسيين، وعلى رأسهم ولد عباس، الذي فتح نقاشا بسبب تصريحاته غير المحسوبة. وشكلت استجابة ولد عباس لدعوة مقري مفاجأة لدى الكثير من المتابعين، بالنظر لردة فعل أمين عام الأفلان، إزاء دعوة مقري الجيش لمرافقة الانتقال الديمقراطي، غير أن التداعيات التي خلفها هجوم ولد عباس، على مؤسس حركة مجتمع السلم، الراحل محفوظ نحناح، واتهامه بابتزاز الرئيس بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 1999، وما تلقاه بعدها من انتقادات، قد تكون وراء عودته عن موقفه لامتصاص غضب تلامذة الراحل نحناح. ويرى مراقبون أن لقاء الغريمين سيكون بروتوكوليا لا أكثر، لأن ولد عباس كان قد علق مسبقا على دعوة مقري المؤسسة العسكرية لمرافقة الانتقال الديمقراطي، واعتبرها دعوة لتدخل الجيش في السياسة، ومحاولة لتحويله من مهامه الدستورية المتمثلة في حماية الحدود والحفاظ على السيادة الوطنية. التباين في مواقف الرجلين وحزبيهما لا يتمحور فقط حول دور المؤسسة العسكرية، وإنما يتعداه أيضا إلى العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، فبينما لم يتوقف الرجل الأول في الحزب العتيد عن دعوة الرئيس لعهدة خامسة، يرى مقري أن الوقت حان لدخول مرحلة انتقالية تنتهي بانتقال "سلس للسلطة"، عكس الموالاة التي تدعو للاستمرارية. ومن هذا المنطلق، يرتقب أن يقدم ولد عباس لرئيس "حمس" جملة من التوضيحات بشأن تصريحه السابق، لتطييب خاطر تلامذة نحناح، ومن شأن ذلك ألا يضيف جديدا على صعيد مبادرة مقري، التي لا يستبعد أن تواجه بالموقف ذاته أيضا من قبل التجمع الوطني الديمقراطي، في حال قرر أحمد أويحيى التجاوب مع دعوة مقري. غير أنه وبالمقابل، يمكن أن تشكل قمة مقري ولد عباس، فرصة لمعسكر العهدة الخامسة كي يقف على حقيقة ما تخفيه "مبادرة التوافق الوطني" من تفاصيل، مباشرة من مصدرها، لأن ما رشح عنها لا يعدو أن يكون مجرد تسريبات وتأويلات، لبعض السياسيين والإعلاميين، لا يمكن البناء عليها واتخاذ مواقف حاسمة بشأنها. وبالرغم من التشاؤم الذي رافق انطلاق مبادرة "حمس"، إلا أنها ساهمت في تحقيق إنجاز سياسي لم يحدث منذ سنوات، قد يساهم في تقريب وجهات النظر بشأن الاستحقاق الرئاسي المقبل بين الفاعلين في العملية السياسية، الذين فرقتهم الحسابات والتناقضات، وقد تنجح "حمس" في لعب هذا الدور إذا عرفت كيف تدفع الفاعلين إلى تقديم تنازلات.