يتداول سكان منطقة تفلفال بغسيرة التي تبعد بحوالي 80 كيلومتر عن عاصمة الولاية باتنة، قصة تميل إلى الطابع الأسطوري، التي تجمع بين العجائبية والغرائبية، بطلتها بنت في ريعان الشباب اسمها "روندا"، تقطن في أعماق الأوراس، وبالضبط في قرية تفلفال، حيث أطلق عليها اسم "عذراء تفلفال"، بعدما أغرقت فارسا رومانيا في بحر الغرام، فيما فضلت أن تغرق في بحيرة السم حفاظا على الشرف وسمعة أهل المنطقة. تؤكد بعض الروايات المتواترة منبعض سكان قرية تفلفال بباتنة، بأن هذه القصة وقعت في الأوراس عام 155 ميلادي، وذلك إبان الحقبة الرومانية، وبالضبط في عصر الإمبراطور "تراجان"، الذي مر بقواته العسكرية على مناطق الأوراس وسلك طريقه نحو العديد من المحميات مثل ثاموڨادي وطبنة وثيفاست ومسكيلة. ويقال أن هذا الإمبراطور عندما وطئت قدماه بمدينة تفلفال (تافيلات) بغية مراقبة الممرات والمناطق المجاورة، فقد أعجب بنسمات الربيع الذي حل باكرا، وفي نفس اليوم رسم وحدد قدر فتاة شابة وجميلة كان حقها في العيش صعب، وقال أحد العراف على طريقك اليوم بين الجمال والحسناوات ستحبسن حياتك، وظنت الفتاة انه يرغمها على الزواج. توقفت وتأملت بعينيها السوداوين أمام أصبعه الموجه نحوها بطريقة همجية، ثم وصلت الفتيات الأخريات بعدها فصرخ عليهن: "هي إذهبن..". أوصلت الفتيات بشق الأنفس الفضة في المكان الذي يوجد فيه منبع المياه الوحيد من أجل أخذ حاجتهن من الماء المتدفق الذي يشفي غليل الجميع، ثم شرعت الفتاة بالغناء بصوتها العذب الرقيق الذي أيقض الأشجار والطيور والأزهار، والنحل طفا في السماء بين الغيوم والسحب فجرت بلحنها الصخور والجبال، حينها وصل الفارس المغوار. ترجل الفارس من حصانه واقترب من المنبع، حينها وقعت عيناه على الفتاة، فبقي يتأمل الوشاح الصوفي المزركش والمحيط بجسمها الفاتن، ثم ابتسم الجندي الذي اجتاحته أمواج عاتية، فبعد أن كان بطلا مغوارا حقق انتصارات وانجازات، ولكنه أدرك أنه سيهزم هذه المرة، ثم قام بوضع مراقبين وحراس أمام المنبع، ثم بعث بهدايا وزهور للفتاة، لكنها ضلت بعيدة عنه، ففكرها كان مشوشا، من جهة كانت تفكر في مبادلته الشعور بالحب ومن جهة أخرى رفضت الفكرة. وكانت تقول مع نفسها: "القائد قوي وغني لكنه مستعمر احتقر وأباد شعبي وسلب ارضي وارض أجدادي، وهو اليوم هنا وطأت قدميه جبل إيش أزيزا"، وبينما هي غارقة في حزنها تداعب خصلات شعرها الأسود الداكن والفتيات يهمسن لها أن لا تتردد في طلب ما تتمنى. إقتربت منه كي تزيد من رغبته وقالت: "أنا لك أيها الروماني، ولكن قبل هذا هل لك أن تحقق لي مطلبا"، فأجابها الروماني من المجموعة السادسة إنه جاهز ليقدم روحه فداء لها، فكان كلامها: "هل لك أن توصل الماء إلى قريتي تفلفال (تافيلات)، إنها قريبة من هنا"، فقال لها: "المهمة ستكون صعبة وطويلة ووعرة"، لكنه لم يتأخر في التنفيذ، فنضرات عينيها السوداوين وجمالها الأخاذ تحدى كل الصعاب، فقد وضع المخطط واستعان بالجنود والعمال لكي يصل الماء إلى تافيلات. ومضت 4 سنوات! مر شتاء ولحقه آخر ومر صيف وجاء آخر.. أربع سنوات تمضي على وقع الأحلام والاشتياق، لكنه بصبره نجح هذا الفارس العاشق في تلبية طلب معشوقته لإيصال الماء إلى قمة الهضبة ثم إلى غاية القرية. حينها استعاد الذكريات، خاصة وأن الفتاة وعدته بلقائه ليلة وصول الماء إلى القرية، فتزينت بفستان من حرير مزخرف بألوان زاهية، فكانت رقبتها بارزة بالعقد الفضي، وكان الكحل يزين عينيها السوداوين، فبجمالها الأخاذ وحليها اللماعة أسرت القمر وسلبته رونقه. في تلك الليلة اقتربت الفتاة من الروماني، فقدمت له نفسها بعد أن كان ينتظر هذه اللحظة منذ شهور وسنوات، وبعدها غفت الجميلة في نومها الأزلي، فالفتاة "روندا" اختارت الانتحار، بعد أن شربت السم لكي لا يلمسها أحد، لكنها أرغمت الفارس الروماني على إيصال الماء إلى قريتها بعدما أغرقته في بحر الغرام.