تحول داء الكوليرا إلى موضوع للتنكيت بين الجزائريين في محاولة للهروب من واقع مُرٍّ ألحق الضرر بالناس، فوجب التخفيف من حدته بالضحك والتظاهر بنسيان الهم والغم. بالنظر لما يعرفه الجزائريون عن هذا المرض الفتاك الذي ارتبط بالفقر والتلوث يقول أحدهم لقد درسونا في الطور الابتدائي أن الكوليرا داء قديم ينتشر في البلدان التي توجد بها المجاعة والحروب، وبالتالي هناك حالتان إما نحن تخلفنا أو المرض هو الذي تطور. بينما يقول آخر لقد رجعنا إلى الوراء بسرعة كبيرة فالتقينا مع داء الكوليرا وإذا استمر الوضع بنفس السرعة سنلتقي مع الدينصورات التي انقرضت منذ أمد بعيد. وهناك صاحب لسان طويل يقول إن الجزائريين لم يتناولوا لحم الأغنام منذ مدة ولما أكلوه يوم العيد لم تتقبله المعدة واعتبرته جسما غريبا وبالتالي أصيبت بداء الكوليرا ويقاطعه آخر فيقول ليست هذه هي الحقيق بل الأمر يتعلق بلحوم الأغنام التي تغير لونها العام الماضي إلى اللون الأخضر دون تسجيل إصابات فقد لجأت هذه المرة إلى الوباء مباشرة دون الحاجة إلى تغيير اللون. يقول أحد المعلقين إن الجزائري يموت بالعين أو بالماء الذي يخرج من العين. وبما أن خبر الكوليرا في الجزائر اخترق الحدود وبدأ يشغل بال باقي الدول يقول أحدهم من باب التنكيت إن دولتي مالي والنيجر تحذران جاليتيهما في الجزائر من داء الكوليرا وتطلب منهم عدم الشرب من الحنفيات والآبار واستغلال أموال الصدقة لشراء المياه المعدنية، ومن الأفضل الخروج من العاصمة وضواحيها والتنقل إلى الولايات التي لم يصلها الوباء. وفي سياق متصل إذا كان الجزائري مطالبا بإجراء التطعيم والحصول على دفتر صحي عند التنقل إلى الدول الإفريقية فإنه اليوم معفى من هذا التطعيم لأننا أصبحنا في الهم سواء. وأما تربويا، يقال إن وزيرة التربية بن غبريط أصدرت قرارا عاجلا كي يكون أول درس مع الدخول المدرسي المقبل حول الكوليرا بعنوان : "ماذا تعرف عن الكوليرا" مع تصحيح بعض المفاهيم السابقة حول الوباء. وإعلاميا التلفزيون العمومي لم يتطرق لموضوع الكوليرا في الجزائر وفضل الخوض في مواضيع أخرى وكأن اليتيمة تعيش في الموزمبيق التي تخلصت من داء الكوليرا منذ مدة. وبيئيا فهناك إرهاب عالمي معروف وهناك إرهاب الطرقات والآن ظهر إرهاب الزيقوات التي تسقي الحرث وتصب في البحر. وثقافيا الظرف الراهن يعد فرصة مواتية لمطالعة رواية "الحب في زمن الكوليرا" للكاتب الكولومبي قابرييل غارسيا ماركيز والتي تحولت إلى فيلم سينمائي يروي قصة حب طويلة المدى امتدت أكثر من سبعين سنة. ورياضيا الفرصة مواتية للناخب الوطني الجديد بلماضي للاعتماد على اللاعب المحلي لأن اللاعب الأجنبي لن يدخل بلادنا خوفا من الكوليرا. هذا هو حال الجزائري اليوم يتعامل بتهكم مع كل ضارة ونافعة حتى وإن تعلق الأمر بالمرض والموت وهي حالة نفسية تخفف الألم وتدعم النسيان الذي يعتبر نعمة كبيرة.