عجزت حكومة أحمد أويحيى عن تحديد مصدر داء الكوليرا رغم موجة الانتقادات والضغوطات التي تحاصرها من كل جهة لكشف الحقيقة، بشكل أظهر أن الجهاز التنفيذي غير قادر على تسيير الأزمات التي تواجه الجزائريين والمرتبطة أساسا بصحتهم العمومية. وتحّول داء الكوليرا إلى شبح يلاحق الجزائريين الباحثين عن أسبابه بين الحنفيات تارة وأسواق الخضر والفواكه تارة أخرى، في ظل حالة التخبط التي يعيشها معهد باستور الذي فشل في الخروج بنتيجة مقنعة تُشخص الداء، زاده إرباك حكومي لوزراء يتقاذفون التهم لتبرئة قطاعاتهم من "كارثة وبائية" حلت بالبلاد دون سابق إنذار. تصريحات متضاربة وأدى التضارب في تصريحات المسؤولين بقطاع الصحة والوزراء في الحكومة إلى استفحال المخاوف لدى المواطنين الذين أعلنوا مقاطعتهم للفواكه والخضر ومياه الحنفيات لحماية صحتهم من مرض الكوليرا، وفق اعتقادهم. ففي بادئ الأمر، أعلنت وزارة الصحة أن التحليلات التي أجراها معهد باستور أثبتت أن سبب الكوليرا يعود إلى منبع مياه سيدي الكبير بولاية تيبازة، وهو الأمر الذي رفضه سكان المنطقة الذين تحدوا الحكومة بالشرب من مياه المنبع دون أن يصيبهم أي أذى، متهمين وزارة الصحة ب"الكذب". ساعات بعدها خرج مدير الصحة لولاية تيبازة توفيق عمراني، لينفي بشكل قاطع أن يكون منبع سيدي لكبير مصدرا لوباء الكوليرا، مؤكدا أن التحاليل أثبتت عدم وجود علاقة بين البكتيريا الموجودة لدى المصابين وتلك التي هي في المنبع. وتفاقم الغموض حول مصدر داء الكوليرا، مع تصريحات أطلقها وزير الصحة مختار حسبلاوي، بالقضاء على مرض الكوليرا في غضون 72 ساعة، لتصدر مصالحه في اليوم الموالي بيانا صحفيا تكذب وزيرها، في سابقة هي الأولى من نوعها. ليعود بعدها، معهد باستور للتشكيك في إمكانية تلوث بعض الخضر والفواكه بالفيروس، لكنه تراجع في غضون 24 ساعة. وطمأن زبير حراث، مدير معهد باستور، المواطنين بسلامة المنتوجات الفلاحية، مؤكدا القضاء على وباء الكوليرا خلال الأيام المقبلة في ظل تناقص عدد الإصابات إلى 74 حالة مؤكدة وتماثل 66 مصابا للشفاء التام. وجاءت تصريحات مدير معهد باستور مع رفع فلاحين لشكاوى عقب تكدس منتوجاتهم بسبب الإشاعات التي ترددت عن تلوث تلك المنتوجات بالفيروس، على غرار الفواكه والخضر، قبل أن يتحرك وزير الفلاحة عبد القادر بوعزقي، أمس، ليرد على تلك الإشاعات بتأكيده أن المنتجات الفلاحية صالحة للاستهلاك ولا تشكل أي خطر على صحة المواطنين. وعوض أن تسعى إلى كبح جناح هذا الوباء الذي يهدد الجزائريين، تبدو الحكومة غير "مبالية" إزاء انتشار وباء خطير يمكن أن يصيب عددا أكبر من الجزائريين، حيث تحيط هذا الملف الصحي الحساس بالكثير من الغموض والصمت غير المبرر. وفي خضم الجدل القائم حول الكوليرا الذي شغل الرأي العام، يطرح الشارع الجزائري سؤالا حول مصدر هذا الداء، فإن لم يكن من مياه الحنفيات، ولا المنابع، ولا حتى من الخضر والفواكه.. فمن أين جاء يا ترى؟ وهنا ستكون الحكومة مطالبة بالرد على هذا التساؤل خصوصا وأن صورة البلاد تأثرت كثيرا في الخارج بسبب عودة الكوليرا إلى الجزائر.